محطات تاريخية

Category: diocese info
Hits: 6115


تنظمت الكنيسة المارونية في أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن، مع البطريرك يوحنا مارون، في المؤسسة البطريركية التي حافظت على ميزة المارونية الفريدة في الكنيسة الجامعة، ألا وهي الحياة النسكية- الرهبانية، على غرار الآباء المؤسسين والنساك، مارون وتلاميذه.

 

فكانت الكنيسة المارونية كلها تعيش وكأنها دير من أديار مارون:

كان البطريرك فيها، بمثابة رئيس الدير، هو الرئيس الأوحد والأب العام الروحي والزمني للموارنة. به وحده يرتبط الإكليروس والشعب إذ كان مرجعَهم الأوحد. كان هو بنفسه يعيّن المطارنة، بعد استشارة المجمع البطريركي والأعيان والشعب. وكان المطارنة يسكنون بقربه في الكرسي البطريركي، أو في أديارهم إذا كانوا رؤساء أديار، ويشتركون معه في تدبير شؤون الكنيسة.

بقيت الكنيسة المارونية على هذه الإدارة المركزية والجماعية التي ساعدتها على المحافظة على وحدتها بالرغم من كل الانقسامات في الشرق والغرب، إلى أن انعقد المجمع اللبناني في دير سيدة اللويزة، سنة 1736، وحاول تطبيق الاصلاح التريدنتيني في الغرب (مجمع ترانت 1545-1563). فأمر بتقسيم البطريركية المارونية إلى ثماني أبرشيات، على أن يتخذ البطريرك واحدة منها، وفصلها بحدود ثابتة، وأمر الرعاة « جازماً أن يتسلّموا أبرشياتهم ويتولّوا تدبيرها ورعايتها، ويسكنوا ضمن حدودها».

 

في الفصل الحادي والأربعين من ذيل المجمع اللبناني نقرأ ما يلي:

« إن كرسي بطريرك أنطاكية وعامة الطائفة المارونية هو في جبل لبنان في الدير المعروف بقنوبين. وكان تحت ولايته من المطرانيات والأسقفيات ما يأتي: (1") صور، (2") دمشق، (3") قبرس، (4") حلب، (5") بيروت، (6") طرابلس، (7") البترون، (8") عكا، (9") اللاذقية، (10") حماه، (11") عرقه، (12") اهدن، (13") صارفيه (صيدا)، (14") بانياس، (15") جبيل، (16") نابلس.

إلا أن آباء المجمع اللبناني قد حكموا بانحصار أبرشيات الموارنة بثماني أبرشيات فقط، مع سلامة سلطان السيد البطريرك السامي الاحترام على رسامة بعض الأساقفة بالشرف. أما الأبرشيات فهي:

(1") حلب وتوابعها.

 (2") طرابلس، وتمتد ولاية مطرانها من طرابلس والزاوية إلى عرقه وبانياس وأرواد وأنتيرواد وجبلة واللاذقية حتى حدود حلب.

(3") جبيل والبترون، وتمتد ولاية مطرانها إلى أبرشية جبيل والبترون فالعاقورة فدير الأحمر وجبّة بشري.

(4") بعلبك، وتمتد ولاية مطرانها إلى أبرشية بعلبك والفتوح على حدود بلاد جبيل ونصف مقاطعة غزير وقصبتها غوسطا وغزير.

(5") دمشق، وتمتد ولاية مطرانها إلى أبرشية دمشق، وإلى القسم الثاني من مقاطعة غزير وقصبتها عجلتون، وتشمل أيضاً بسكنتا وزوق الخراب وزبّوغا.

(6") قبرس، وتشمل كل قرى الجزيرة ولها أيضاً في المتن بكفيا وبيت شباب ومزارعهما، ثم باقي قرى المتن، إلى جسر بيروت.

(7") بيروت، وتمتد ولاية مطرانها من بيروت إلى المتن والجرد والغرب وشحّار المتن إلى جسر نهر القاضي، أي الدامور.

(8") صور وصيدا، وتشمل ولايتها صور وصيدا وتوابعهما وشوف البقاع ووادي التيم وما جاورها، من نهر الدامور إلى القدس»([1]).

 

وفي القسم الثالث، الباب الرابع، العدد 19، من المجمع اللبناني، نقرأ ما يلي:

« ولما كان من المحتوم على الأسقف (في المجمع التريدنتيني، ج 23، ب 1) أن يستقرّ في كنيسته ليتهيأ له أن يعرف خرافه ويقدم عنها الذبيحة ويرعى القطيع الذي استرعيه بالخطابة بكلام الله وتوزيع الأسرار ومثال الأعمال الصالحة والإكباب على سائر الوظائف الرعائية، رأينا أن نأمر بأن يتخذ كل منهم مقاماً مستقراً في الكنيسة المطروبوليتية أو الأسقفية التي نُصّب عليها ويرتب هناك من الاكليروس كفاءَ الحاجة لخدمة الكنيسة أي خورياً وقسوساً وكبير شمامسة وشمامسة وشدائقة وغيرهم من ذوي الدرجات الصغار، على قدر ما تحتمل حالة الموقع. وإن كان الأسقف المرسوم على مدينة يتعذر عليه أن يستقر وينصب كرسيه فيها، إما لقلة عدد المسيحيين هناك وإما لصولة الحكام الاجنبيين عن معتقدنا، فنحتّم بأن لا بدّ له من أن يعيّن مقرّه في ضمن خطة تلك المدينة حيث يقطن المؤمنون، وبأن يكون مأذوناً له في اتخاذ مقام آمن ومزاولة وظائف الرعاية عن حرية». ([2])

حاول البطريرك يوسف الخازن (1733-1742) تطبيق رسوم المجمع اللبناني، في ما يخص تقسيم الأبرشيات، واتخذ له أبرشية صور وصيدا كأبرشية بطريركية « خاصة به يسوسها بنفسه ويستعين بأساقفة وخوارنة»([3])، وإلزام المطارنة بالسكن في أبرشياتهم، ولكنه لم ينجح.

في أبرشية جبيل والبترون، كما في غيرها من الأبرشيات، لم تطبّق رسوم المجمع اللبناني قبل مضي سنوات طويلة ولم يسكن فيها مطارنتها.

ومن المطارنة الموقّعين على المجمع اللبناني: « فيليبوس (الجميّل) مطران لسطرا أي جبيل»([4]) «واسطفانوس (الدويهي) مطران البترون»([5]).

سنة 1790، عهد البطريرك يوسف اسطفان، بعد زيارة بلاد البترون وجبيل، إلى المطران بولس اسطفان، الذي كان رقاه مطراناً على قورش وعيّنه نائباً بطريركياً سنة 1777، بإدارة ابرشية جبيل والبترون. وبقي حتى وفاته في مدرسة عين ورقه سنة 1808.

خلفه المطران جرمانوس تابت من بيروت الذي انتُخب على أبرشية جبيل والبترون وتسلّمها في 10 آذار 1810 ([6]). في عهده أمر البطريرك يوحنا الحلو، (1809-1823)، بتحويل دير مار يوحنا مارون إلى مدرسة اكليريكية لأبرشية جبيل والبترون؛ وكان ذلك سنة 1812. وقّع على مجمع اللويزه (1818) الذي حاول، بأمر من الكرسي الرسولي، أن يطبّق رسوم المجمع اللبناني بخصوص تقسيم الأبرشيات وإلزام المطارنة السكن فيها. توفي في مدرسة مار يوحنا مارون، في 4 حزيران 1833.

لكن رسوم المجمع اللبناني المذكورة لم تطبّق فعلياً إلا مع البطريرك يوسف حبيش (1823-1845). في 25 حزيران 1833 كتب البطريرك حبيش إلى قداسة البابا يطلب الإذن بتحويل أبرشية جبيل والبترون إلى أبرشية بطريركية، واستبدالها بأبرشية صور وصيدا، واقتطاع بعض الأماكن منها لضمّها إلى أبرشية طرابلس. ويقول في كتابه: « بما أننا قد عرضنا مراراً عن تبلبل أحوال رعية طرابلس وخراب أماكنها وقلة مداخيلها حتى أن مطرانها لا يمكنه الاقامة فيها كما هو محتوم في مجمعنا اللبناني... وهو مقيم في بيته بكسروان المحل البعيد عن حدود رعيته... وقد عملنا كثيراً ولم نزل نعمل لإصلاح هذه الأضرار، منتظرين وقوع الفرصة الملائمة لذلك بالرب يسوع. وحيث أن هذا الأمر لا يتمّ إلا بمساعدة هذه الرعية مع رعية جبيل والبترون المحاذية لها، لكون بعد قسمة الرعايا خربت رعية طرابلس وعمرت رعية جبيل والبترون... لذا جئنا نستمد الإذن حتى، بمجمع أساقفتنا، نساوي ما بين هاتين الرعيتين، مضيفين بعض محلات من رعية جبيل والبترون لرعية طرابلس، حتى يستطيع مطران طرابلس أن يستقيم بهذه المحلات الملاصقة لرعيته، ويسوس رعيته براحة وأمان...

ثم أن حضرة المطارين المحترمين حسن عندهم رأي آخر وهو أنه، حيث أن كرسينا البطريركي هو داخل حدود رعية جبيل والبترون، فلتكن هذه مختصة بالكرسي البطريركي، ورعية صور وصيدا المختصة به الآن، من كونها بعيدة جداً عنه، يقام عليها مطران شرعي كبقية الرعايا...

فنحن استصوبنا هذا الرأي أيضاً لأننا رأيناه مناسباً».([7]).

في 25 أيار 1837، عيّن البطريرك حبيش، بعد أن حصل على الإذن من الكرسي الرسولي، المطران عبدالله البستاني الذي كان نائباً بطريركياً، أول مطران أصيل على أبرشية صور وصيدا. وأصبحت جبيل والبترون الأبرشية البطريركية، يدير شؤونها البطريرك بواسطة نواب له.

سنة 1856، عيّن البطريرك بولس مسعد (1854-1890) الخوري يوسف فريفر وكيلاً بطريركياً في بلاد البترون ورئيساً لمدرسة مار يوحنا مارون. وفي 11 شباط 1872 رقّاه مطراناً على اللاذقية شرفاً وعيّنه نائباً بطريركياً في بلاد البترون؛ وبقي رئيساً للمدرسة التي عرفت ازدهاراً كبيراً في عهده. توفي في 8 شباط 1889.

وبقيت البترون وجبيل بدون مطران مقيم، إلى أن طلب البطريرك الياس الحويك (1899-1931) انتخاب الخوري بولس عقل من شامات مطراناً على اللاذقية شرفاً نائباً بطريركياً عاماً في بلاد جبيل في 23 شباط 1919، وانتخاب الخوري الياس شديد من إده، مطراناً على قورش شرفاً، نائباً بطريركياً عاماً في بلاد البترون في 24 نيسان 1926.

وبعد وفاة المطران الياس شديد، في 19 كانون الثاني 1950 والمطران بولس عقل، سنة 1959، عاد البطريرك يسوس شؤون أبرشيته بمطارنة غير مقيمين. إلى أن انتخب البطريرك نصرالله بطرس صفير في 19 نيسان 1986، وعرض على المجمع البطريركي، في أول اجتماع له، تقسيم الأبرشية البطريركية إلى نيابات ثلاث، وانتخاب مطارنة نواباً بطريركيين يقيمون فيها. فكان المطران عبدالله البارد على بلاد جبيل، والمطران بولس آميل سعاده على بلاد البترون، والمطران جورج ابي صابر على منطقة جبّة بشري ([8]).

وفي المجمع السنوي المنعقد بين 3 و9 حزيران 1990، وانطلاقاً من المبدأ ذاته الذي تعامل به البطريرك يوسف حبيش، عرض غبطة البطريرك صفير على الأساقفة، وطلب من الكرسي الرسولي الموافقة على استبدال نيابتي جبيل والبترون بأبرشيتي صربا وجونيه، بحيث تصبحان نيابتين بطريركيتين، واقتطاع منطقة دير الأحمر من الأبرشية البطريركية، لانشاء أبرشية جديدة تدعى أبرشية بعلبك- دير الأحمر.

وبما أن مطران صربا، ميخائيل ضوميط، كان متوفياً، انتخب المجمع البطريركي الخوري غي نجيم مطراناً على قيصرية فيليبس شرفاً ونائباً بطريركياً عاماً في صربا. كما فصلت منطقة جبيل، وكان مطرانها عبدالله البارد متوفياً أيضاً، فأصبحت أبرشية قائمة بذاتها ونقل إليها المطران بشاره الراعي، النائب البطريركي العام سابقاً، فأصبح مطران جبيل.

وانتخب أخيراً الخوري فيليب شبيعة مطراناً على أبرشية بعلبك- دير الأحمر المستحدثة. ووافق الكرسي الرسولي على هذه المقررات ([9]).

وبقيت البترون نيابة بطريركية حتى حزيران 1999 عندما قدّم سيادة المطران شكرالله حرب استقالته لبلوغه السن القانونية وانتخب المجمع البطريركي سيادة المطران بولس آميل سعاده أصيلاً عليها. وجاء جواب الكرسي الرسولي بالموافقة في 9 تشرين الأول 1999 لتعود أبرشية البترون مستقلة بعد 162 عاماً.

وفي المجمع السنوي المنعقد بين 6 و12 حزيران 2011، إنتخب سينودس الأساقفة المونسنيور ميشال عون مطراناً على جبيل خلفاً للمطران بشاره الراعي الذي كان قد انتخب بطريركاً في 15 آذار 2011، والمونسنيور منير خيرالله مطراناً على البترون خلفاً للمطران بولس آميل سعاده الذي كان قدّم إستقالته لبلوغه السن القانونية. وجاءت الموافقة على إنتخابهما من الكرسي الرسولي في 16 كانون الثاني 2012. وكانت رسامتهما في بكركي في 25 شباط 2012.

 

المونسنيور منير خيرالله



1-    راجع المطران يوسف نجم، المجمع اللبناني، جونيه، مطبعة الأرز، 1900، ذيل المجمع اللبناني، ص 126-127.

2-    المرجع ذاته، ص 373-374.

3-    المجمع اللبناني، القسم الثالث، الباب السادس، عدد 5،  المرجع ذاته، ص 429-430.

4-    فيليبوس الجميّل من بكفيا: رقاه البطريرك يعقوب عواد مطراناً على جبيل سنة 1726. انتقل إلى أبرشية قبرس سنة  1756 بعد انتخاب مطرانها طوبيا الخازن بطريركاً. توفي في 17 تموز 1774.

5-    ابن أخي البطريرك اسطفانوس الدويهي، من اهدن. رقاه البطريرك يعقوب عواد مطراناً على البترون سنة 1727. توفي سنة 1781.

6-    رقاه البطريرك يوسف التيان مطراناً على جبيل والبترون في 28 أيار 1800، ولكنه لم يتسلّم الأبرشية لأن مطرانها الشرعي، بولس اسطفان، كان لا يزال على قيد الحياة.

7-    بطرس فهد، بطاركة الموارنة وأساقفتهم- القرن التاسع عشر، المجلد الأول، دار لحد خاطر، بيروت، 1986، ص249-250.

8-    راجع المجلة البطريركية، السلسلة الجديدة، العدد 1 (19 نيسان-30 أيلول 1986)، ص 30-34.

9-    راجع المجلة البطريركية، السلسلة الجديدة، العدد 7 (كانون الثاني 1993)، ص 49-56.