المطران منير خيرالله - نداء الوطن، 8/3/2021

 

المطران منير خيرالله

نداء الوطن، 8/3/2021

هل تخافون صوت الراعي أم تهابون عصاه ؟

                                                                                                                                    المطران منير خيرالله

حطّ قداسة البابا فرنسيس أول من أمس في العراق حاملاً حقيبته بيده، وفيها رسالة الأخوّة الإنسانية والسلام إلى شعب العراق بأطيافه كافة، وإلى المسلمين والمسيحيين، وإلى شعوب العالم بأسره.

والأخوّة الإنسانية تدخل في صميم مشروع بابويته الذي أعلنه منذ تولّيه الخدمة البطرسية في 13/3/2013. حمل هذا المشروع داعيًا الشعوب وأبناء الأديان إلى الحوار الأخوي الصادق والشجاع إلى فلسطين والأردن (2014)، ثم إلى مصر (2017) حيث التقى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب ووضع معه الأسس لوثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقّعها في 4/2/2019 في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتجسّدت في رسالته العامة « جميعنا أخوة » (3/10/2020).

تلقّفت الأمم المتحدة هذه الرسالة وأعلنت يوم 4 شباط من كل سنة يومًا عالميًا للأخوّة الإنسانية.

ومن بغداد وأور والنجف أطلق نداءه الحازم والمحب: « لا للحرب ! لا للكراهية !». وعلينا « نحن المؤمنين أن نحوّل أدوات الكراهية إلى أدوات سلام »، وأن « نحثَّ المسؤولين عن الشعوب، وبشدّة، على أن يُبدّلوا انتشار الأسلحة المتزايد بتوزيع الغذاء للجميع »، وأن « نحرس بيتنا المشترك من نوايانا المدمِّرة».

يذكّرني هذا الكلام بما قاله للّبنانيين القديس البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1997 في إرشاده الرسولي    « رجاء جديد للبنان »، داعيًا إياهم إلى « بناء بيتهم المشترك وترسيخ العيش المشترك » عبر « الرضى الكامل بالتعددية وإقامة الحوار الحقيقي المنفتح أيضًا على التعاون مع مسلمي سائر البلدان العربية، ولبنان جزء لا يتجزأ منها » (عدد 92 و93). « والحوار الحقيقي هو الحوار الصادق والجريء والشجاع والبنّاء الذي يفترض تمرّسًا روحيًا صارمًا في مجال الإصغاء والكلام » (عدد 36).

نداء الكنيسة المعبِّر عن رسالتها واحد.

ومن بكركي أطلق البطريرك مار بشاره بطرس الراعي صرخته المدوّية: « لا للعنف، لا للسلاح، لا للحرب، لا للظلم، لا للفساد، لا لإفقار الشعب وسلب أمواله أو حجزها، لا لانهيار الدولة، لا لمصادرة القرار الوطني، نعم لحياد لبنان الناشط والملتزم ».

السلطة في العراق تبنّت نداء قداسة البابا فرنسيس، فأعلن رئيس وزرائها الدكتور مصطفى الكاظمي يوم 6 آذار « يومًا وطنيًا للتسامح والتعايش ».

فهل تستجيب السلطة في لبنان لنداء البطريرك الراعي ؟

وكان البطريرك الراعي قبل ذلك قد حمل عصاه وراح، على خطّة أسلافه العظام – صفير والمعوشي وعريضه والحويك والدويهي وحجولا ومار يوحنا مارون – يسعى إلى بناء حوار صادق وشجاع وصريح وإلى جمع المسؤولين تحت راية الدستور ولبنان الواحد الموحّد. لكنهم لم يسمعوا، أو لم يريدوا أن يسمعوا، أو لم يُسمَح لهم أن يسمعوا ! لكننا نصلّي من أجلهم ونحبّهم كما يحبّهم ربنا يسوع المسيح ويمنحهم الفرصة لكي يتوبوا على مثال زكا العشار فيعوّضوا على شعبهم.

اصطدم غبطته بحواجز وعقبات نصبتها في طريقه إلى الحوار والتفاهم المصالح السياسية الخاصة والحسابات الشخصية. فلجأ إلى الأمم المتحدة لأنها هي المخوَّلة بحكم تأسيسها وقوانينها، بل المُلزَمة الدفاع عن الشعوب المظلومة والمغلوب على أمرها، يطالبها بتطبيق القرارات الدولية المتخذة والتي لم تُطبَّق في شأن لبنان وإسرائيل وفلسطين والمنطقة.

وكما طالب البطريرك الحويك منذ مائة سنة الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى باسترجاع حدود لبنان الطبيعية وإعلان دولة لبنان الكبير – دولةً مدنية لا دينية، دولةً لجميع اللبنانيين لا للمسيحيين أو للموارنة، دولةَ عيشٍ مشترك لا دولةً عنصرية وأحادية، دولةً تفصل بين ما هو ديني وما هو مدني على صعيد الحكم وتحترم التعددية.

هكذا راح البطريرك الراعي يطالب الأمم المتحدة بأن تعيد إلى لبنان حقوقه كاملةً في الجوّ والبرّ والبحر وما تحت البحر، وتساعده على استعادة سيادته وحريته واستقلاله.

وراح يطالب السلطة في لبنان، باسم جميع اللبنانيين، بتطبيق بنود الدستور الثاني (اتفاق الطائف) ليكون لبنانُ وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه اللبنانيين يتساوون فيه بالحقوق والواجبات ولا يناقض أحدٌ ميثاق العيش المشترك.

هذا هو دور بكركي وسيّدها الذي يتولّى خلافة مار يوحنا مارون.

سيّدُ بكركي هو أبٌ لجميع اللبنانيين وراعٍ لهم.

سيّدُ بكركي لن يستكين ويطمئنّ ما لم يستعِدْ لبنان سيادته وحريته واستقلاله الناجز ودوره السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

سيّدُ بكركي لن ينام ما لم تعترف دولة إسرائيل، كما تعترف سائر دول العالم، بصيغة لبنان الوطن الرسالة والعيش معًا في احترام التعددية الإتنية والدينية والثقافية والحضارية.

سيّدُ بكركي لن يهدأ له بال ما لم يستعِدْ شعبُ لبنان، وكلُّ لبناني، حريته وكرامته وعيشه الكريم للقيام بواجباته تجاه القانون.

أيها المسؤولون، هل تخافون صوت الراعي أم تهابون عصاه ؟

لا تخافوهما. إنهما صوت الضمير وعصا الشركة والمحبة التي تريد أن تجمع كل اللبنانيين تحت كنف الدولة والوطن والقانون.

بكركي هي صخرة خلاص لبنان !

تعالوا أيها اللبنانيون – مواطنين ومسؤولين دينيين وسياسيين ومدنيين – وأسندوا رؤوسكم عليها، فتَسَلموا ويسلمَ لبنان !