عظة المطران منير خيرالله
في قداس الإحتفال باليوم العالمي الثلاثين للمريض
في كنيسة السيدة- غوما، 12/2/2022
« كونوا رحماء كما أن أباكم السماوي رحيم » (لوقا 6/36).
بدعوة من لجنة راعوية الصحة في الأبرشية ورئيسها الشماس شربل نسيب الفغالي، نحتفل باليوم العالمي الثلاثين للمريض الذي أنشأه القديس البابا يوحنا بولس الثاني، ويتابع إحياءه سنويًا قداسة البابا فرنسيس، وذلك من أجل توجيه انتباه المؤمنين إلى إخوانهم المرضى وهم يحتاجون إلى عناية ومرافقة ورحمة.
وقد اختار قداسة البابا فرنسيس الرحمةَ موضوعًا لهذه السنة، رحمةَ الله ورحمةَ شعب الله. ويدعونا جميعًا، رعاةً ومؤمنين، إلى أن نكون « رحماء كما أن أبانا السماوي رحيم » (لوقا 6/36).
فنتوجّه أولاً بأنظارنا إلى الله « الواسع الرحمة » (أفسس 2/4) الذي ينظر إلى أبنائه وبناته بمحبةِ وعاطفةِ وحنانِ الأب والأم وهو يسهر عليهم ويرافقهم.
ونلتزم ثانيًا بعيش هذه الرحمة في حياتنا اليومية مع إخوتنا المرضى، متشبّهين بالرب يسوع المسيح الذي كشف لنا رحمة الآب ومحبته المجانية وعطفه وحنانه وشهد لها في حياته البشرية ورسالته الخلاصية فيما كان يبشّر الناس بالملكوت ويدعوهم إلى التوبة. فكان « يعلّم في مجامعهم ويعلن بشارة الملكوت ويشفي الشعب من كل مرضٍ وعلّة » (متى 4/23).
أما لماذا كان هذا الاهتمام الخاص بالمرضى من قبل يسوع، فذلك لأنه كان يلاحظ أنهم معزولون عن مجتمعهم ومهمَّشون ومنبوذون وفاقدو الكرامة. أراد يسوع بذلك أن يعيد إليهم كرامةَ أبناء الله وحقَّهم الكامل في الحياة.
ولأن يسوع بعد موته وقيامته، سلّم سلطانه الإلهي إلى رسله وحمّلهم مسؤولية متابعة رسالته الخلاصية بين البشر،
ولأنه يذكّرنا كل يوم أن كلّ ما نصنعه مع أحد إخوته هؤلاء الصغار، ومنهم المرضى، نكون نصنعه معه شخصيًا (راجع متى 25/31-46)، وأننا كل ما نزور مريضًا ونعطف عليه نكون نزور ونعطف على يسوع ذاته،
تفهم الكنيسة اليوم أن الرعاية الصحية والمرافقة الرعوية والروحية للمرضى هي في صلب رسالتها، وأن الكهنة والمكرّسين والمكرّسات هم المعنيون الأولون بهذه الرسالة؛ ومن ثم جميع العاملين في مجال الصحة الذين يعتبرون خدمتهم للمرضى رسالةً لا مهنةً.
ولأن المريض هو دومًا أهم من مرضه، يوصي قداسة البابا فرنسيس جميع العاملين الصحيين، من أطباء وممرّضين وممرضات ومرشدين وموظفين ومتطوعين، بأن يصغوا إلى المريض وهو يعبّر عن خبرته مع الألم وعن قلقه ومخاوفه من المستقبل، ومن ثم بأن يحبّوه ويعتنوا به ويؤكدوا له قربهم.
ويوصي المؤسسات الصحية الكاثوليكية في العالم بأن يقدّموا العناية اللازمة للمرضى وأن ينظروا إلى أوضاعهم الإنسانية والاجتماعية وأن يتعاملوا معهم برحمة ومحبة، وأن يؤمّنوا لهم المرافقة الروحية التي تستند إلى الإيمان بالله أب الرحمة، وإلى التشبّه بيسوع المسيح في حمل الصليب، وإلى الرجاء بالقيامة معه. فتقدم لهم القرب من الله وبركته وكلمته في الكتاب المقدس والاحتفال بالأسرار المقدسة.
وبما أننا في مسيرة سينودسية، أي أننا نسير معًا في الكنيسة - ونحن جميعنا الكنيسة – باللقاء والإصغاء والتمييز بهدي الروح القدس، أردنا أن تكون كنيستنا في البترون كنيسةً تصغي، وكنيسةً تعيش القرب من شعبها، وكنيسةً تصلي وتطلب بركة الله الآب ونعمة الروح القدس لتشهد للمسيح الابن الذي حمل الصليب وتألم من أجلنا وافتدانا بموته وقيامته.
وأرادت لجنة راعوية الصحة في أبرشيتنا أن تعيش هذا القرب وترافق الإخوة والأخوات المرضى، وبخاصة الذين يعانون من مرض السرطان وهم منبوذون ومهمَّشون ومتروكون من الدولة وأجهزتها التي لا تؤمّن لهم الأدوية والعلاجات الضرورية ولا الرعاية المطلوبة.
وقد رفعوا الصوت عاليًا الأسبوع الفائت متوجهين إلى ضمائر المسؤولين والمؤسسات المعنية: « نريد علاجًا لمرض السرطان لا نعشًا ».
لذا إني أشكركم، يا أحباءنا أعضاء لجنة راعوية الصحة في الأبرشية واللجنة الصحية الاجتماعية في قطاع التلاقي والحوار، إكليروسًا وعلمانيين، أطباء وممرضات ومرشدين ومتطوعين، وأدعوكم إلى أن تحملوا رسالة المرافقة الصحية وتذهبوا باسم الكنيسة ملائكةَ رحمةٍ تعيشون القرب من إخوتنا المرضى وعائلاتهم، وتحملون قضيتهم وهمومهم، وتقومون بحملة توعية، في الرعايا بالتعاون مع الكهنة والحركات والمنظمات الكنسية والمدنية، على أهمية احتضان المريض والدفاع عن حقّه بالحياة الكريمة.
إننا إذ نؤكد مع الكنيسة ومع قداسة البابا فرنسيس على حقّ كل مريض بالحصول على العلاج الطبّي الضروري، نصلّي في هذا القداس من أجل جميع المرضى، لا سيما مرضى السرطان، ومن أجل عائلاتهم، مؤكّدين لهم قربنا ومحبتنا ومرافقتنا الروحية والإنسانية، طالبين من الله أب الرحمة أن يمنحهم قوة الإيمان والرجاء كي يعيشوا فترة مرضهم متّحدين بالمسيح المصلوب والقائم من الموت، على مثال القديسة رفقا، جارتنا، رسولة الألم والمتألمين.