عظة المطران منير خيرالله في قداس مسيرة الأخويات إلى دير مار يوسف جربتا 22-11-2012

عظة المطران منير خيرالله
في قداس مسيرة الأخويات إلى دير مار يوسف جربتا- ضريح القديسة رفقا
الخميس 22/11/2012
 
« أما مريم فقد اختارت لها النصيب الأفضل ولن ينزع منها»
 
حضرة المونسنيور بطرس النائب العام
حضرة الأب بولس القزي مرشد الأخوات الراهبات في دير مار يوسف جربتا
إخوتي الكهنة الأحباء ومنهم المرشدين الجدد:
الخوري يوحنا مارون مرشد الأخويات
الخوري أنطوان الأهل مرشد الطلائع
الخوري مارون فرح مرشد الفرسان.
أحبائي جميعاً أبناء وبنات الأخوية وأبناء وبنات الأبرشية.
وأحيّي بنوع خاص إخوتنا من العراق الذين شاركونا في المسيرة وهم معنا اليوم في القداس.
  
أقف اليوم بتأثر عميق وفرحة كبيرة لأنني أحتفل معكم كراعي الأبرشية للمرة الأولى في هذا الاحتفال بالقديسة رفقا. هذه المسيرة وهذا الاحتفال أردناهما منذ إعلان تطويب الراهبة رفقا في 17 تشرين الثاني 1985، أي منذ 27 سنة؛ ونحن لا زلنا أمينين لهذه المسيرة ولهذا العيد، لأننا نعتبر أن رفقا هي رفيقة دربنا كما كانت رفيقة درب المسيح. هي شفيعة لنا في هذه المنطقة بالذات وفي هذه الأبرشية لأنها منذ ان أتت وأسست هذا الدير سنة 1897 تقدست فيه وقدست هذه الأرض وهذه المنطقة. و بالنسبة إلي رفقا هي رفيقتي الأولى لأني عشت في هذا الدير وبيتي جار هذا الدير؛ منذ طفولتي تربيت في هذا الدير وتربيت على روحانية رفقا التي هي روحانية مار مارون وكل تلاميذ مارون ومار يوحنا مارون مؤسس البطريركية وكنيستنا وروحانية كل شعبنا الذي بقي أمينا للروحانية التي زرعها مار مارون في أرضنا.
وأنا أتأثر كثيراً لأني بعد الدرب الطويل منذ طفولتي الى شبابي الى كهنوتي الى خدمتي الأسقفية، اتخذت رفقا شفيعة خاصة لي وللأبرشية. فصلاتي معكم اليوم أرفعها الى الله صلاة شكر لكل النعم التي يغدقها علينا الله مجاناً. فالله إله المحبة المطلقة أحبنا بابنه يسوع المسيح الذي ارتضى أن يصير إنسانا مثلنا وأن يعيش إنسانيتنا على أرضنا ويقدس أرضنا ثم ارتضى أن يموت على الصليب من أجلنا جميعاً لكي بقيامته يفتدينا ويعطينا الحياة الجديدة. فأرضنا تقدست بالمسيح وأعطت ولا زالت تعطي قديسين كباراً، ليس فقط لكنيستنا لكن أيضا للكنيسة الجامعة وعلى مثال رفقا التي أعلنها الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني عند تقديسها أعلنها رسولة الألم للكنيسة جمعاء وللعالم كله؛ وهي بالنسبة إلينا أيضا رسولة الألم ورفيقة المسيح. هي التي اختارت لها النصيب الأفضل ولن ينزع منها. فالنصيب الافضل هو أنها تركت هذا العالم وتخلت عن كل ما فيه وملذاته وعيشته لكي تستحبس في عيش نسكي، أولاً في دير مار سمعان القرن في أيطو، ثم أتت وأسست دير مار يوسف جربتا وقدست هذه الارض. قبلت الألم مع المسيح بل طلبته من المسيح ورافقته بإيمان كبير وعلّمت أخواتها الراهبات وجميع الذين عرفوها وعاشوا معها، وعلمتنا نحن جميعا أن نتبنى هذه الروحانية النسكية، روحانية مار مارون لكي نبقى بعيدين عن العالم ونحن نعيش في العالم؛ وهذا ما طلبه السيد المسيح من رسله ومنا جميعا. نحن نعيش في العالم ونلتزم في العالم ولكننا لسنا من هذا العالم لأننا نرجو العالم الذي حضّره لنا السيد المسيح بموته وقيامته؛ نرجو الحياة الأبدية في الملكوت. فتطلعاتنا هي أبعد بكثير من عالمنا اليوم؛ لكن علينا أن نلتزم فيه أيضا، كما التزمت رفقا، أن نلتزم بأن نقدس العالم الذي نحن فيه.
هذه هي دعوتنا في هذه المنطقة بالذات، منطقة البترون، أرض القداسة والقديسين. دعوتنا ورسالتنا أن نقدس العالم أولاً بالتزامنا بإيماننا المسيحي، وثانياً بالتزامنا بعائلاتنا وبتربية أولادنا وأجيالنا الطالعة على ما تربينا عليه، وثالثاً بأن نتمسك بأرضنا المقدسة.
البرنامج الذي اتخذته لخدمتي الأسقفية في أبرشية البترون يتلخص في التجدد؛ وهو برنامج كنيستنا منذ أن عقدنا المجمع البطريركي الماروني وجاء غبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي البطريرك السابع والسبعون يتخذ برنامجا لبطريركيته التجدد، تجدد الكنيسة على جميع المستويات. أولاً التجدد الروحي ثانياً التجدد في الأشخاص ثالثاً التجدد في المؤسسات.
 أولاً نحن معنيون بالتجدد الروحي، ونحن أبناء هذه الأبرشية، أبرشية القداسة والقديسين؛ مطلوب منا أن نتجدد روحياً. وإذا كنا اليوم في هذا المزار المقدس بشفاعة رفقا يدعونا السيد المسيح الى التجدد الروحي الذي يبدأ بعودتنا الى تراث كنسيتنا وإيماننا، الى كلمة الله في الكتاب المقدس، فنتغذى منها كما تغذت منها القديسة رفقا، ثم الى الصلاة فنصلي معاً؛ نصلي في عائلاتنا وبيوتنا؛ نصلي في مزاراتنا وأديارنا ورعايانا فتصبح كلها مراكز إشعاع روحي؛ ونصلي أينما كنا في عملنا وفي مجتمعنا ونتبنى التجدد الروحي لكي نصير جدداً كما أعطانا المسيح نعمة التجدد في سر المعمودية. فالتجدد الروحي هو أول التزاماتنا ونحن معنيون بذلك، كلنا كباراً وصغاراً. لذا فإني أطلب منكم جميعاً ان تعيشوا ونعيش هذا التجدد الروحي الذي بدأته مع إخوتي الكهنة والرهبان والراهبات منذ أن بدأت خدمتي الأسقفية في أبرشية البترون.
ثانياً: التجدد في الأشخاص. وبدأنا نحن قبلكم أن نتجدد؛ نحن الكهنة والرهبان والراهبات حيث تداعينا في رياضتنا الأولى وأردناها في قنوبين الوادي المقدس ومنها انطلقنا في رسالتنا الجديدة، بدأنا نحن في أشخاصنا نتجدد لكي نكون أمامكم مثالاً وشهادةً في عيشنا الكهنوتي؛ ثم الآن ندعوكم إلى أن تتجددوا معنا كأشخاص، أفراداً وجماعات، كجمعيات وأخويات وطلائع وفرسان وحركات رسولية في هذه الأبرشية؛ فيكون تجددنا مسيرة مع المسيح نرافق فيها قديسينا وهم كثر في هذه الأبرشية.
ثالثاً: التجدد في المؤسسات. أردنا أيضاً أن تتجدد مؤسساتنا بدءاً بالمطرانية ودوائرها ولجانها وصولاً إلى رعاياها وجمعياتها ولجان أوقافها لكي تصير مؤسساتنا في هذه الأبرشية في خدمة المحبة لنخدم معاً أبناء وبنات أبرشيتنا وعائلاتنا وهم يتطلعون الى الكنيسة، الكنيسة الخادمة، خادمة الانسان بمجانية ومحبة لا حدود لها.
ومسيرة التجدد تكمل الطريق، طريق كنيستنا التي منذ تأسيس روحانيتها مع مار مارون، ومنذ تأسيسها كنيسة بطريركية مع يوحنا مارون في بداية القرن الثامن، حتى اليوم؛ هذه المسيرة ستكمل بإرادتنا جميعاً وبإيماننا وبالتزامنا. إنها مسيرة وفاء وإخلاص؛ وهذا ما قاله لنا الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني عندما زارنا في لبنان سنة 1997: «كنيستكم هي كنيسة القديسين وحاملة رسالة في لبنان والشرق والعالم، في لبنان الوطن الرسالة، ومنه تنطلقون، كما انطلقتم منذ بداية تأسيس كنيستكم، الى الشرق والغرب، حاملين رسالة الإنفتاح والإحترام، إحترام التعددية وخدمة الإنسان كل إنسان بمجانية ومحبة». وهذا ما ردده لنا قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر عندما كان عندنا في أيلول الماضي وحمّلنا مسؤولية أن تبقى كنيستنا منارة في هذا الشرق وفي العالم وحاملة رسالتها رسالة القداسة ورسالة التنوع في الكنيسة الواحدة رسالةً تحملونها الى العالم. وقال لنا: « كنيستكم أعطت قديسين كباراً للكنيسة الجامعة؛ حافظوا على هذا الارث العظيم؛ وستبقى كنيستكم تعطي قديسين».
فنحن اليوم نصلي معكم ومع كل الذين يتحدون معنا من أبرشيتنا ومن خارجها، نصلي من أجل كنيستنا وعلى رأسها بطريركنا مار بشاره بطرس الراعي الذي هو في روما اليوم لكي يقلده قداسة البابا بعد يومين رتبة الكاردينالية. هذه لا تزيد شيئاً في أنه بطريرك الكنيسة المارونية ورأسها، ولكنها تعطيه إنفتاحا على العالم والكنيسة الجامعة يستطيع من خلالها أن يحمل رسالة كنيسته المميزة والفريدة الى العالم كله. وصلاتنا إلى كنيستنا التي كانت وستبقى دوماً مجموعة حول رأسها؛ فهو المرجع الوحيد الذي كان لها منذ يوحنا مارون وسيبقى لها بعد البطاركة الذين يأتون بعده هو المرجع الوحيد.
وصلاتنا من أجل كل كنيستنا التي تجتمع حول البطريرك بأساقفتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها وكل عائلاتها ومؤمنيها؛ نجتمع لنصلي اليوم وكل يوم من أجل أن تبقى كنيستنا متضامنة موحدة بإيمانها بالسيد المسيح إله المحبة والقيامة، كي تبقى مخلصة لتراثها العريق بشفاعة قديسيها الذين سيبقون يحملونها أبداً. ونصلي من أجل أن يبقى شعبنا وفياً لأرضه المقدسة، هذه الارض التي هي عنصر من أهم عناصر هويتنا المارونية والكنسية واللبنانية.
فرفقا رسولة الألم بمحبة وفرح ورجاء ستبقى شفيعة لنا، ومار شربل ومار نعمة الله والاخ اسطفان وقديسون غيرهم سيأتون بعدهم وانشاء الله على الطريق البطريرك الياس الحويك الذي افتتحنا دعوى التحقيق من أجل تطويبه، كي يكونوا كلهم مثالاً لنا فنحمل معاً رسالتنا المسيحية من أجل أن نكون شهوداً كما كانت رفقا، شهوداً للمسيح برجاء كبير ومحبة لا حدود لها. آمين.