عظة المطران منير خيرالله في قداس اليوم العالمي الرابع والعشرين للمريض السبت 20 شباط 2016، الدير الأم لراهبات العائلة المقدسة المارونيات- عبرين « إفعلوا ما يأمركم به» (يو 2/5) صاحب السيادة المطران مارون العمار، رئيس اللجنة الأسقفية لراعوية الخدمات الصحية في لبنان السامي الإحترام، حضرة الأم ماري أنطوانيت سعاده، الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات الجزيلة الإحترام، إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات، حضرة رئيس وأعضاء لجنة راعوية الخدمات الصحية ولجنة خدمة المحبة في أبرشية البترون، أحباءنا العاملين في حقل الرعاية الصحية، إخوتنا المرضى، أحباءنا جميعاً. بدعوة من لجنة راعوية الخدمات الصحية في أبرشيتنا، ورئيسها الخوري شربل خشان، نحتفل معاً باليوم العالمي الرابع والعشرين للمريض، وهو يوم الاشخاص المرضى والمتألمين والذين يعتنون بهم. والشعار الذي اختاره قداسة البابا فرنسيس لهذا اليوم يندرج في إطار سنة الرحمة وهو بعنوان « الوثوق بيسوع الرحيم على مثال مريم: إفعلوا ما يأمركم به» (يو 2/5). أحبّ البابا فرنسيس أن يكون تأملنا في هذا اليوم مستوحىً من آية عرس قانا الجليل (يوحنا 2/1-11) « حيث صنع يسوع أول معجزة له بفضل تدخّل أمه». رافقت مريم يسوع وتلاميذه إلى العرس؛ لا بل سبقتهم. « وكانت أم يسوع هناك»، تساعد أهل العرس والنساء في المطبخ، كما هي العادة حتى الآن في بلداتنا وعائلاتنا. ولأنها كانت متنبهة لكل شاردة وواردة ولأي حاجة طارئة، اكتشفت فجأة أن الخمر نفدت. فتحرّكت بسرعة، ولكن بتكتّم وتحفظ، وتوجهت إلى ابنها يسوع، ومَنْ لها غيره، وعرضت عليه حاجة أهل العرس: « ليس عندهم خمر»؛ وهذا يعني أنه إذا فرغت الخمر يتحول جو العرس والفرح إلى نكسة وخيبة وحزن. وضعت الحاجة أمامه وتركته يتصرّف مع الخدم قائلة لهم: « إفعلوا ما يأمركم به». واختفت. وثقت بابنها يسوع كما كانت قد وثقت بالله الآب عند بشارة الملاك قائلة « ها أنا أمه الرب فليكن لي بحسب قولك»، لأنها كانت مؤمنة أنه ابن الله وأنه رحيم مثل الآب وسيلبّي كل حاجة. وجاء جواب يسوع لأمه مفاجئاً: أنتِ تفعلين ما يعنيكِ، أي أنك تتشفعين بالناس وتحملين حاجاتهم، وأنا أفعل ما يعنيني أي أني أفهم الناس وأحمل حاجاتهم ونقائصهم وخطاياهم؛ لكن ساعتي لم تأتِ بعد. ويقصد هنا الساعة التي سيتمجد فيها، ساعة موته على الصليب حاملاً البشرية ليرفعها معه بعد الموت إلى مجد القيامة والحياة الأبدية. هدف يسوع هو إذاً خلاص البشر وتحريرهم من كل ما يثقل أكتافهم في هذه الدنيا. وفي طريقه، فهو يسدّ حاجات الناس ويقوم بآيات تجعلهم يؤمنون به: « إذهبوا فأخبروا يوحنا بما تسمعون وترون: العميان يبصرون، والعرج يمشون، والبُرص يُشفون، والصمّ يسمعون، والموتى يقومون، والفقراء يبشرون» (متى 11/4-5). والأمثولة هي في أن يسوع بعد آية عرس قانا « أظهر مجده فآمن به تلاميذه» (يو 2/11)، لأنهم لم يكونوا قد آمنوا بعد. أما الخدم الذين كانوا يخدمون في العرس فأصبحوا اليد المعاونة ليسوع لكي تتمّ الآية. أطاعوا يسوع الذي أمرهم بأن يملأوا الأجران ماءً، « فملأوها إلى فوق»، وراحو يوزعون الخمر على المدعوين مبتدئين برئيس الوليمة. أطاعوا يسوع لأنهم مثله هو الذي جاء « ليَخدم لا ليُخدم» (مر 10/45). وساعدوه على زرع الفرح في قلوب أهل العرس. وجاءت الخمر الجديدة أجود من الخمر القديمة، لأن عطاء الرب هو مجانيّ وهو الأجود والأحسن. في هذا اليوم نطلب من يسوع الرحيم، وبشفاعة مريم أمه وأمنا الحاضرة في كل تفاصيل حياتنا بصمت وتكتّم وتحفظ، أن يهبنا جميعاً الاستعداد الدائم لخدمة المحتاجين، لاسيما إخوتنا المرضى والمتألمين نفساً وجسداً والمسنّين والمتروكين. إنها خدمة صعبة وشاقة، لكننا واثقون من أن الرب يسوع يحوّل مجهودنا البشري إلى ما هو إلهي. علينا أن نكون بالقرب من يسوع لنسمع ما يريد منا ونفعل ما يأمرنا به ونقدم ذاتنا للخدمة المجانية. وهو يأمرنا دوماً بأن نقوم بأعمال الرحمة، لاسيما الجسدية منها وهي سبعة: « نُطعم الجائع، نسقي العطشان، نلبس العريان، نستقبل الغريب، نعتني بالمريض، نزور المسجون وندفن الميت»؛ والروحية وهي سبعة: « ننصح الشاكّ، نعلّم الجاهل، نحذّر الخاطئ، نعزي المحزون، نغفر الإساءة، نتحمّل الشخص المزعج بصبر، ونصلي إلى الله من أجل الأحياء والأموات»، كما يقول البابا فرنسيس. (في « وجه الرحمة»، مسروم الدعوة إلى يوبيل الرحمة، العدد 15). إننا نتوجه بأفكارنا نحو جميع العاملين في الرعاية الصحية، وهم، كالخدم في عرس قانا، اليد التي تساعد يسوع على تحقيق الآية التي تلبسم الجراح، وتحوّل الضعف إلى قوة والخيبة واليأس إلى أمل ورجاء، وتُدخل الفرح والسلام إلى كل مريض أو مسنّ أو منبوذ أو مظلوم. إني أتوجه باسمكم إلى جميع هؤلاء العاملين في نطاق أبرشيتنا في مستشفى البترون ومستشفى تنورين، وفي المستوصفات والمراكز الطبية ودور الراحة والمياتم، وعلى رأسهم أخواتنا راهبات العائلة المقدسة المارونيات، وإلى المسؤولين عن التنشئة في معهد التمريض في جامعة العائلة المقدسة في البترون، لأشكر الله على الخدمات والتضحيات التي يقدمونها، طالباً من الله أن يباركهم بشفاعة العذراء مريم ويقودهم على طريق القداسة، ولأقول لهم: أنتم تفتحون باب الرحمة في سنة الرحمة أمام كل من يطلب الرحمة. وأتوجه إلى اخوتنا المرضى والمتألمين بالنفس والجسد، وبخاصة الموجودين معنا في هذه الذبيحة الإلهية، ومعهم أدعوكم إلى التضرّع إلى الله من هذا المكان بالذات، حيث ضريح البطريرك الياس الحويك رجل العناية الإلهية، وابن العذراء مريم، وأب لبنان الكبير، ومؤسس جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات لتعليم الفتاة اللبنانية والنشأ وللعناية بالأيتام والمرضى والمتألمين، فنقول: أيها الرب يسوع، أنت ابن الله الرحيم، إقبل برحمتك وتحننك آلامنا وأوجاعنا التي نقدمها في سنة الرحمة كفارة عن خطايانا وعن الخطايا التي ترتكب بحق الإنسان والإنسانية على أرضنا، الأرض التي اخترت أن تولد فيها وتموت فيها وتقوم لتعطي الخلاص لكل إنسان. امنحنا فرحك وسلامك وقوتك لنعيد بناء وطننا لبنان وطناً رسالة في المحبة والحرية واحترام التعددية. آمين.