عظة المطران منير خيرالله
في قدّاس تسليم الخوري أندراوس الطبشي رعيّة وادي تنورين
الأحد 8/10/2017 في كنيسة مار يعقوب- وادي تنورين
« من تُراه الوكيل الأمين الحكيم» (متى 24/45)
حضرة الخوري الياس (صعب)، أب الجميع وأب هذه الرعيّة
أبونا أندراوس، أهلاً وسهلاً بِكَ في رعية وادي تنورين
أحبائي جميعًا.
مناسبة مفرحة تجمعنا اليوم في قدّاس الشكر الذي نقدّمه لنشكر الله على كل النِعم التي أنعم بها علينا، من خلال الوكلاء الذين أوكلهم خدمتنا. نشكر الله على الخوري الياس الذي خدم هذه الرعية طوال خمس وأربعين سنة. أبونا الياس، بإسم هذه الرعية وأبنائها وعائلاتها جميعًا، أشكرك من كل قلبي على خدمتك التي أديّتها بكل إخلاص ومحبة وتضحية وعطاء. وأشكرك على الوكالة التي تسلمتها من الربّ يسوع المسيح وخدمت فيها بأمانة وحكمة. فأنت الوكيل الأمين الحكيم الذي يُجازيه سيّده المسيح ويجعل نصيبه مع الطوباويين في الملكوت السماوي.
وفي الوقت عينه، أُقَدِّم لكم الكاهن الجديد المؤتمن على خدمتكم ليُكمّل ما بدأه أبونا الياس. أقدّم لكم أبونا أندراوس الطبشي، إبن البترون، إبن الفرسان، وهو قد قدّم ذاته لكي يكون الوكيل الأمين في خدمتكم أنتم شعب الله.
أبونا الياس يُسَلِّم اليوم هذه الخدمة إلى الكاهن الجديد، أبونا أندراوس، ويُرافقه بالصلاة، ونحن مدعوون إلى الصلاة من أجله، كي يستطيع أن يؤدي خدمته بإخلاص وأمانة ومحبة كما أداها الخوري الياس طوال السنوات الخمسة والأربعين. أجيال وأجيال مرّت في هذه الرعيّة ورافقها الخوري الياس وخدمها من كل قلبه.
إنجيل اليوم يُطبّق على هذه المناسبة. يسوع المسيح يتكلّم عن الوكيل الأمين الحكيم المؤتمن على الخدمة وسيُحاسب عليها يوم الدين. ثلاث كلمات نتوقف عندها في تأملنا: الوكالة والأمانة والحكمة.
أولاً، الوكالة. يُسلِّمنا السيد المسيح بالكهنوت وكالة على شعبه لتأدية خدمة أهل البيت وتقديم الطعام في حينه، فنكون دائمًا مستعدين للخدمة في كل ساعة وفي كل وقت، في الليل وفي النهار، لأنه « متى يجيء سيّد ذلك العبد ويجده يودّي خدمته بأمانة وإخلاص، فطوبى له».
هذه الوكالة لا تعني الإمتلاك، إنما الخدمة. يُصبح الكاهن بالسلطان الكهنوتي الذي يتسلّمه من المسيح في الكنيسة مؤتمنًا على رعاية شعب الله وعلى تكريس ذاته للخدمة في كل ساعة وفي كل وقت. لذلك فالوكيل الأمين الحكيم هو العبد الخادم الذي يقيمه سيده « على أهل بيته ليعطيهم الطعام في وقته»؛ هو الكاهن الخادم على مثال المسيح الذي جاء ليَخدم لا ليُخدم. والكهنوت هو خدمة ، وليس تسلّطًا ولا تملُّكًا ولا استعبادًا.
ثانيًا، الأمانة. نحن الكهنة الوكلاء مدعوون إلى أن نكون أمينين حتى النهاية لوكالتنا التي تسلّمناها من السيد المسيح. والأمانة تفرض المحافظة على الوكالة وخدمتها بحكمة وتسليمها يومًا خالصةً من كل شائبة كما تسلّمناها. لا يحق لنا أن نغيّر فيها أو أن نبدّل في وجهتها، بل يجب علينا أن نخدم فيها بأمانة وتفانٍ وبذل الذات. وبمعنى آخر، الأمانة تفرض على الوكيل تكريس ذاته بكلّيتها لتأدية خدمته والحفاظ على الوكالة. وفي يوم الدين سيُسأل الوكيل، أي الكاهن، عن وكالته التي تسلّمها من الرب يسوع وسيحاسَب على الخدمة التي أدّاها لأهل بيت الله. وحسابه سيكون كبيرًا بقدر الوكالة الكبيرة التي تسلّمها.
ثالثًا، الحكمة. والخدمة تتطلب الحكمة. علينا إذًا أن نخدم هذه الوكالة بحكمة. والحكمة هي موهبة من مواهب الروح القدس التي يمنحها الله لوكلائه. وهي تساعد الوكيل على العمل بطواعية لإلهامات الروح فيصغي إليه من جهة ويسمع إلى شعبه من جهة ثانية. لذلك علينا نحن الوكلاء أن نكون « حكماء كالحيات وودعاء كالحمام». الحكمة تكمن في التعامل مع الناس بوداعة وتواضع وبالأخوّة التي يبنيها الكاهن مع شعب الله. ويستند الكاهن في حلّ مشاكل الناس والصعوبات التي تفترض خدمته إلى حكمة الله لا إلى حكمة البشر. وحكمة الله ليست حكمة البشر، ولا يهمّه إذا اعترض بعض الناس. عليه أن يتبنّى حكمة الله في تعامله مع شعب الله يؤكّد أنه في الطريق الصحيح؛ فيعمل على إرضاء الله، لا إرضاء الناس، وعلى تتميم مشيئته في التضحية بذاته لخلاص البشر. وحقيقة الله لا بدّ أن تظهر وتظهر معها صحة تعامل الكاهن مع أبناء رعيته.
أما من ناحية شعب الله، فعليه أن يحبّ الكاهن الذي يكرّس ذاته لخدمته وأن يعامله بالاحترام والتقدير والانفتاح. فالكاهن هو أب للرعية. وكما كان الخوري الياس أبًا لكم ولكل عائلة من عائلاتكم، وهو ربّ عائلة ويعرف كيف يتعامل الأب مع أولاده، كذلك الخوري أندراوس. فهو سيكون أبًا للرعية على مثال المسيح ومستعّدًا أن يبذل ذاته في سبيل خدمتكم. وسيكون لكم مرافقًا ومرشدًا، وسيهتمّ بنوع خاص بالشبيبة الذين سيمنحونه ثقتهم ويشاركونه في خدمة الرعية. رافقوه أنتم بصلواتكم لكي يؤدي خدمته بأمانة وحكمة. واعرفوا أنه يخدمكم باسم المسيح.
نقدم قداسنا اليوم شكرًا للرب على خدمة الخوري الياس وعلى كل تضحياته في السنوات التي تسلّم فيها الوكالة وأدّاها بأمانة. ونطلب من الله أن يمنح القوة والحكمة للخوري أندراوس ليكون الوكيل الأمين الحكيم في خدمتكم. إحملوه بصلواتكم وعاملوه باحترام ومحبة. فقد أصبح هو على مسؤوليتكم، وأصبحتم أنتم على مسؤوليته. والرب يسوع يبارككم.
وأنا أحملكم بصلواتي كي تبقوا رعية متماسكة وموحّدة ومُحِبّة للمسيح. آمين.