عظة المطران منير خيرالله في قداس يوبيل أخوية سلطانة البحار كاتدرائية مار اسطفان- البترون، الأحد 22/4/2018 « وقف يسوع على الشاطئ... لكن التلاميذ لم يعرفوا أنه يسوع» (يوحنا 21/4) نجتمع اليوم، وبكل وفاء، لنحتفل بمرور مئة وعشرين عامًا على تأسيس « أخوية الميتة الصالح» للنساء في البترون، التي أصبحت فيما بعد « أخوية سلطانة البحار»، ولنجدّد إيماننا بالرب يسوع القائم من الموت وتسليم ذواتنا لشفاعة العذراء مريم. نتأمل أولاً بإنجيل اليوم الذي فيه يتراءى يسوع لرسله على شاطئ بحيرة طبرية وهم غير مصدّقين حدث القيامة. لم يستطع الرسل والتلاميذ أن يصدّقوا أن يسوع قام من بين الأموات، مع أنه كان تراءى لهم عدة مرات. لماذا ؟ هل لأن يسوع القائم من الموت هو غير يسوع الذي عاش بينهم ومات من أجلهم على الصليب ؟ ماذا تغيّر فيه حتى أنهم لم يصدّقوا ؟ إنها حقيقة سرّ المسيح الإنسان والإله. إنه نور القيامة الذي لم تقدر عيونهم أن تنظر إليه فتعرفه. تمامًا مثل تلميذي عماوس اللذين لاقاهما يسوع في الطريق، ومشى معهما، لكن أعينهما حُجبت عن معرفته. نور القيامة يُبهر عيون البشر، لكن الخوف يحجب الرؤية. فالرسل كانوا لا يزالون يعيشون في الخوف على مصيرهم، لذا أختبأوا في العلّية. وراح سمعان بطرس يدعوهم للعودة إلى الحياة الأولى، إلى صيد السمك، متناسيًا أن يسوع كان قد دعاه إلى أن يتحوّل من صياد سمك إلى صياد بشر. وعند طلوع الفجر، وإذ كانوا عائدين حزينين يائسين لأنهم « لم يصيبوا في تلك الليلة شيئًا»، سبقهم يسوع وانتظرهم على شاطئ البحيرة، لكنهم لم يعرفوه لشدة خوفهم ويأسهم. فأمرهم أن « يلقوا الشبكة إلى يمين السفينة، فجمعت سمكًا كثيرًا» (يوحنا 21/6). هذا يرمز إلى صيد البشر، إلى الكنيسة التي تجمع من كل الشعوب والملل والأجناس، ويرمز إلى مسؤولية كل من الرسل والتلاميذ ورسالتهم في حمل بشارة الخلاص إلى العالم. نظر إليهم يسوع ووبّخهم على قلّة إيمانهم وأعطاهم علامة حسّية لحضوره إذ بارك الخبز والسمك وناولهم. نحن البترونيين نفهم حزن الرسل ويأسهم لأننا بحّارة، ولكننا نؤمن بالمسيح القائم من الموت والحاضر بيننا ونقبل معه المغامرة في الحبّ حتى النهاية، حتى بذل الذات. في مسيرة هذه المغامرة تأسست في البترون أخوية الميتة الصالحة للنساء سنة 1898، كما كانت قد تأسست من قبلها أخوية قلب يسوع للرجال سنة 1888، على يد الأب اليسوعي جورج أنجليل الذي كان مرشدًا لراهبات القلبين الأقدسين، وقد سلّم إليهنّ إدارة أخوية النساء. وتابعت هذه الأخوية مسيرتها الروحية والكنسية بحسب قانون الأخويات وإرشادات السلطة الكنسية والمرشدين في خدمة الرعية والبترون. وسنة 1966، عمل الخوري فرنسيس البيسري (المطران في ما بعد)، خادم رعية البترون ومرشد الأخوية، على تحويل إسمها إلى « أخوية سلطانة البحار» محافظًا بذلك على دور شفاعة العذراء في الأخوية وعلى رمز البحر لتبقى المغامرة هي هدف أعضاء الأخوية، كما هي هدف كل مسيحي ملتزم بحمل البشارة وبعيش القيم المسيحية. وأنتنّ يا أخواتي في أخوية سلطانة البحار قد أردتنّ في هذه الافخارستيا الاحتفال بمرور ماية وعشرين عامًا على تأسيس أخويتكنّ وفاءً لمن سبقكنّ وللخدمات التي قامت بها الأخوية. فالأخوية ليست جزءًا من الكنيسة، بل هي قلب الكنيسة، وهي خميرتها وركيزتها. ودوركنّ في الأخوية وفي الكنيسة كما في المجتمع هو دور المرأة والأم والمعلّمة، وعليها تقوم مسؤولية العائلة وتربية الأولاد، إذ عليها أن تكون، مثل العذراء مريم، القدوة والمثال لزوجها وأولادها بالمحبة والتضحية والخدمة الصامتة. ولا أنسى المرأة المكرّسة؛ وهنا لا بدّ من ذكر راهبات القلبين الأقدسين اللواتي لهنّ الفضل الكبير في مرافقة مسيرة الأخوية وفي مساعدة الأمهات على تعليم أولادهن. وأنا اليوم أشهد، بعد مرافقتي لأخوية سلطانة البحار لمدة عشرين سنة كنت فيها خادمًا لرعية البترون، أنها لا تزال خميرة في الرعية والأبرشية وتحمل أعضاءها على نقل الإيمان وتربية عائلات مسيحية وأجيال طالعة قادرة أن تشهد للمسيح المحبة بالرغم من كل تحديات هذا العصر. وأشهد أنها لا تزال منفتحة على سائر الأخويات والمنظمات والحركات الرسولية في الرعية للعمل معًا على بناء ملكوت الله في مجتمعنا، ملكوت المحبة والعدالة والسلام. نرى يسوع، في إنجيل اليوم، ينتظر الرسل العائدين خائبين من الصيد لكي يقوّيهم ويشدّ عزيمتهم ويطمئنهم على مستقبلهم ومستقبل الكنيسة. ويسوع ينتظرنا نحن اليوم على مفترق كل طريق، وعلى شاطئ كل بحر، ليسمعنا نقول: لقد تعبنا سنوات طويلة ولم نحصد نتيجة. إنه ينتظرنا، وأمه مريم واقفة إلى جانبه، ليقول لنا: تحرّروا من الخوف الذي يسكن قلوبكم وانطلقوا إلى حيث أرسلكم حاملين بشارة الخلاص إلى جميع الناس وشاهدين بعيش المحبة في ما بينكم أولاً. لا تخافوا ! أنا غلبت العالم. لا تخافوا ! أنا معكم إلى منتهى الدهر. آمين.