عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الراعوية لرعية مراح شديد
الأحد 3/11/2013
« أنت هو الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متى 16/18)
حضرة الأب أنطوان (الدرجاني)، يا من بدأت تخدم هذه الرعية العزيزة على قلبي بمحبة وتضحية،
وهذه الرعية ليست بعيدة عن جمعية المرسلين اللبنانيين التي تنتمي أنت إليها،
أحبائي أبناء وبنات مراح شديد.
فرحتي كبيرة أن أكون معكم اليوم لنفتتح السنة الطقسية الجديدة بأحد تقديس البيعة، ولنجدّد معاً إيماننا وعيشنا المسيحي ولنلبّي دعوتنا إلى القداسة.
أنطلق من إنجيل اليوم، حوار يسوع مع رسله وتلاميذه، لأتوقف عند ثلاث محطات تأمل.
- أولاً، يسوع يتساءل ويسأل رسله وتلاميذه: « من هو ابن الإنسان في قول الناس ؟
فأجابوه: « بعضهم يقولون: يوحنا المعمدان، وآخرون: إيليا، وغيرهم: إرميا أو أحد الأنبياء». أنت نبيّ عظيم لأنك تقوم بأعمال كبيرة قدامهم.
فقال لهم: « وأنتم من تقولون إني أنا ؟». قال له سمعان: « أنت هو المسيح ابن الله الحيّ. فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يونا ! لأنه لا لحم ولا دم أظهرا لك ذلك، بل أبي الذي في السماوات»؛ لأنك لا تفهم الآن ما تقول وما معنى هذه الكلمات، بل أبي السماوي أوحى لك بها. « وأنا أيضاً أقول لك: أنت هو بطرس، أي الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني بيعتي، وأبواب الجحيم لن تعوى عليها».
يسوع يسألنا نحن أيضاً اليوم: من أنا بالنسبة إليكم ؟ ما هو جوابنا إذاً ؟
- ثانياً، سنتوقف عند جواب بطرس: أنت هو المسيح ابن الله الحي. ماذا تعني هذه الكلمات التي لم يفهما سمعان بطرس ولا إخوته الرسل. ولم يكن في استطاعتهم فهمها لأن يسوع لم يكن بعد قد افتداهم بموته وقيامته، ولم يكن بعد قد أرسل إليهم الروح القدس.
« أنت هو المسيح»، أي المخلّص المنتظر منذ آلاف السنوات. أنت المسيح الذي سيكمل العهد القديم، حيث كان شعب الله يقدم القرابين على المذبح. أنت المسيح ستلخّص في شخصك العهد القديم، وستقدّم القرابين بذاتك. ستكون أنت القربان، وستفتدي البشر بموتك على الصليب.
أنت هو « ابن الله»، وهذا تعبير جديد. شعب الله كان ينتظر المسيح المخلّص، ملكاً يأتي بقوته وجنوده ليحرّره من احتلال الرومان. أي أن الله الآب أرسل ابنه، من فيض محبته، ليصير إنساناً ويفتدي جميع البشر.
أنت « ابن الله الحيّ»، أي أنك الحيّ قبل البشر وبعد البشر، وستبقى حيّاً إلى الأبد مع شعبك وكنيستك.
هذه الكلمات عبّرت عن إيمان شعب الله والكنيسة. لذلك قال له يسوع: أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي.
- ثالثاً، نحن اليوم، وبعد ألفي سنة على إعلان إيمان بطرس وإيمان الكنيسة، كيف نعيش هذا الإيمان في حياتنا كل يوم كما عاشته الكنيسة منذ تأسيسها وكما عاشه المسيحيون فيها وارتضوا حتى أن يستشهدوا في سبيل هذا الإيمان ؟
هل نحن قادرون على الإلتزام بعيش هذا الإيمان وعلى تربية أولادنا بموجبه ؟ هذه هي مسؤوليتنا، إذ لا يكفي أن نقول إننا مسيحيون.
منذ أن تعمّدنا باسم الآب والابن والروح القدس وصرنا أبناء الله وأعضاء في الكنيسة، حملنا هذه المسؤولية، وسيحاسبنا عليها المسيح يوماً.
أنا كلي ثقة بأن أبناء وبنات هذه الرعية قادرون على قبول هذا التحدي وعلى عيش إيمانهم. لأني أعرفهم منذ زمن، منذ بداية خدمتي الكهنوتية. هنا بدأت خدمتي منذ ست وثلاثين سنة، ومعهم جددت التزامي. معهم وضعت مشروع بناء كنيسة السيدة الجديدة وكنت أول ضحية إذ وقعت في جورة أساس العامود الأول لها ليلة عيد الميلاد سنة 1977. والجميع يذكرون ذلك؛ والآباء أخبروا أولادهم. وها هي الكنيسة اليوم تعجّ بحضورهم ونشاطهم، وأصواتُهم الحلوة تخدم القداس. وهم مستعدون أيضاً لبناء كنيسة البشر مع كنيسة الحجر.
أنا اليوم أفتخر برعية مراح شديد وبجميع أبنائها وبناتها. أطلب منكم دوماً أن تملأوا الكنيسة، ولكن أيضاً أن تكونوا كنيسة في بيوتكم إذ تعلّمون أولادكم على الصلاة، كما علّمكم آباؤكم وأجدادكم على الصلاة؛ وأن تلتزموا مع أولادكم بأن تكونوا كنيسة؛ بأن تربوهم على القيم المسيحية والإنسانية، لأن وطننا ومجتمعنا يفتقدان اليوم إلى عيش القيم.
أين نحن المسيحيين من التزامنا بعيش القيم من أجل إعادة بناء لبنان وطن الرسالة ؟ أين نحن من عيش هذه القيم بين بعضنا البعض، أي التضامن والوحدة والمحبة والتضحية والإحترام وحبّ الله وحبّ الإنسان، كل إنسان ؟ إنها القيم التي بفضلها استمرّ شعبنا واستمرّت كنيستنا.
أخيراً التجدّد مطلوب منا جميعاً. وبخاصة نحن في أبرشية البترون لأننا افتتحنا السبت الماضي المجمع الأبرشي، الذي يجمع أبناء منطقة البترون- أبرشية القداس والقديسين، ليسيروا معاً نحو تجديد النفوس والأشخاص والمؤسسات. هذا هو هدف مجمعنا الأبرشي كما هو هدف المجمع البطريركي الماروني الذي سعى ويسعى إلى تجديد كنيستنا المارونية.
أقدّم قداسي اليوم على نيتكم جميعاً، أنتم الحاضرين، وعلى نية الغائبين والموتى الذين سبقونا إلى ملكوت الآب السماوي. وأصلي من أجل أن نلبّي جميعاً دعوة الله لنا كي نكون قديسين، ونحن قادرون أن نكون قديسين. آمين.