عظة المطران خيرالله في قداس أحد الشعانين في آسيا 13-4-2014

كلمة المطران منير خيرالله

في قداس أحد الشعانين

كنيسة مار جرجس آسيا- 13/4/2014

 

« هوشعنا، مبارك الآتي باسم الرب».  

حضرة الخوري زياد (اسحق) خادم هذه الرعية الحبيبة،

أحبائي جميعاً أبناء وبنات آسيا

        رعية آسيا لها مكانة خاصة في قلبي منذ زمن بعيد. لذا أحببت أن أكون معكم اليوم في أحد الشعانين، أحد المجد مع يسوع المسيح، المجد الذي سيُدخلنا في أسبوع الآلام لنرافق يسوع حتى القيامة.

لماذا هو يوم المجد ؟ لأن يسوع قرّر أن يدخل للمرة الأخيرة إلى أورشليم ليحتفل بعيد الفصح مع شعبه. ولكن، بعد أن أقام لعازر صديقه من بين الأموات، لاقاه الشعب بفرح كبير وبعلامات النصر إذ اعتبره هو الملك. لاقاه بأغصان النخل التي تعبّر عن استقبال الملك المنتصر وبأغصان الزيتون التي تعبّر عن السلام الذي يحمله الشعب في قلبه.

استقبله الكبار والصغار، وبخاصة الأطفال والرضّع. دخل يسوع أورشليم ملكاً. والشعب اعتبره كذلك، لكنه لم يفهم أن يسوع ليس ملكاً زمنياً ولم يدخل أورشليم ليحرّرها من حكم الرومان ولا ليعيد المُلك إلى إسرائيل. فحاول يسوع أن يشرح لهم ذلك مرات عديدة قائلاً: ملكوتي ليس من هذا العالم. لم يفهموا ذلك، بل استقبلوه كملك ووضعوا آمالهم فيه طالبين منه تحريرهم من الحكم الزمني وسرعان ما خابت آمالهم المادّية، فنادوا به مصلوباً.

دخل يسوع بتواضع كبير، ومشى بين الناس وزرع حبّه وسلامه في قلوبهم. لكن الأحبار والرؤساء والفريسيين والكتبة استشاطوا غيظاً من هذا الاستقبال الشعبي الكبير وخافوا أن يخسروا مصالحهم وامتيازاتهم وكراسيهم، فراحوا يقولون لبعضهم البعض: « أنظروا؛ إنكم لا تنفعون شيئاً ! ها هو العالم قد ذهب وراءه !». نحن خسرنا كل شيء أمام يسوع النبي والملك الآتي. لذا وجب علينا أن نقتله ونستعيد سلطاننا.

بينما كان يسوع يوضح لهم أنه داخل بصفته ابن الله، المخلّص المنتظر، ليمنحهم جميعاً الخلاص. فيربحون كل شيء. قال لهم: إني داخل إلى أورشليم لأُصلب فيها وأموت وفي اليوم الثالث سأقوم وأعطي الحياة لجميع الناس. حتى رسله وتلاميذه لم يفهموا ما كان يقوله، إنما فهموا ذلك بعد قيامة يسوع وحلول الروح القدس.

نحن اليوم، كمسيحيين في العالم وكمسيحيين في لبنان، نعيّد دخول المسيح إلى أورشليم، دخول المسيح إلى وطننا لبنان، هذه الأرض التي قدّسها، ودخول المسيح إلى قلوبنا. فكيف نستقبله ؟ بأي منطق نستقبله ؟ هل نستقبله كملك زمني ونضع فيه كل آمالنا ونقول له هوشعنا، هذه العبارة التي تعني هَلُمّ خلّصنا ؟

نعم، يا رب خلّصنا من الأزمات التي نتخبّط فيها اليوم؛ خلّصنا من الحروب التي ندفع ثمنها غالياً منذ سنوات وسنوات؛ خلّصنا من التقاتل والتحارب؛ خلّصنا من الفقر والتعتير. فإذا كنا نطلب الأمور المادّية، سنصاب بالخيبة. أما إذا كنا نستقبله كأطفالنا الأطهار الأنقياء، فنحن مدعوون إلى أن نتوب إليه ونطهّر نفوسها ونصفّي قلوبنا، أي أن نزيل منها كل حقد وحسد وضغينة. ساعتئذ نستحق أن نستقبل يسوع كابن الله الذي سيموت على الصليب حبّاً بنا جميعاً؛ ابن الله الملك الذي يقبل أن يضحّي بذاته في سبيل خلاص شعبه، وأن يرفعه من مجد العالم الباطل إلى مجد السماوات الأبدي.

وإذا استقبلنا يسوع بقلوب نقيّة صافية وترفّعنا عن مهاتراتنا يغتاظ المسؤولون عندنا ويستشيطون غضباً وحقداً وحسداً، ويقولون لبعضهم البعض: أنظروا، إنكم لا تنفعون شيئاً، لأن الشعب الذي خسر ثقتكم وخاب أمله فيكم يتبع يسوع إلى مجدٍ لا تملكونه أنتم.

في أحد الشعانين هذا، نريد أن نقول لجميع المسؤولين، في لبنان وفي العالم: كفاكم متاجرة بمصالح الشعب! كفاكم تمادياً في صراعاتكم السياسية من أجل مصالحكم الشخصية والضيّقة ! يسوع، مخلّصنا الوحيد وملكنا الأوحد الذي ضحّى بذاته في سبيل خلاص شعبه، يعطيكم أمثولة؛ فتشبّهوا به لتربحوا ثقة شعبكم. أخرجوا من أنانياتكم وحساباتكم الشخصية واقبلوا التضحيات في سبيل الخير العام وخلاص شعبكم الذي لم يَعُدْ قادراً على الإحتمال.

نقول لكم: آنَ لنا أن نعيش بسلام وحرية وكرامة. دعونا نتحاور ونتقارب ونتصافح باسم محبة الله اللامتناهية لنا وباسم القيم المشتركة التي تجمعنا. دعونا نتوحّد ونتضامن من أجل إعادة بناء بيتنا المشترك الذي تهدّم جرّاء حروب الآخرين على أرضنا وجرّاء حرب مصالحكم.

دعونا نستحقّ الدخول مع يسوع إلى مجد أورشليم السماوية بعد أن نكون قد حملنا معه الصليب وارتضينا أن نموت عن خطايانا لنستحق أن نقوم معه إلى حياة جديدة.   

صلاتي اليوم من أجلكم جميعاً؛ من أجل هذه الرعية وأهلها الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم. وأتمنى أن تكون مسيرتنا مع المسيح تصل بنا إلى القيامة، قيامتنا وقيامة وطننا لبنان، الوطن الرسالة. آمين.  

Photo Gallery