عظة المطران خيرالله في قداس الزيارة الراعوية لرعية اده 16-2-2014

عظة المطران منير خيرالله

في قداس الزيارة الراعوية لرعية إده

الأحد 16 شباط 2014، كنيسة مار سابا

 

« كل ما صنعتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي أنا قد صنعتموه» (متى 25/40)

 

أخي الخوري إيلي (سعاده)، خادم هذه الرعية الحبيبة،

سعادة القائمقام،

حضرة رئيس البلدية،

حضرة المختار،

أحبائي أبناء وبنات إده.

 

        بفرح كبير أحتفل معكم اليوم بهذا القداس الإلهي الذي يفتتح زيارتي الراعوية الأولى لرعية إده الحبيبة إلى قلبي. إنه ذبيحة شكر لله على ما عشته معكم، يا أبناء وبنات إده الأحباء، منذ زمن بعيد في خدمة الكنيسة حجرًا وبشرًا.

وتعود بي الذكرى إلى السنة 1977-1978، إلى الأيام التي كنت آتي فيها، بعد رسامتي الكهنوتية، إلى هذه الرعية لتنشيط الحياة الروحية والعمل مع الأخوية والطلائع والفرسان. وأذكر أيضًا كم كنّا نعمل مع الرعايا المجاورة في تنظيم الحفلات والزياحات والتطوافات لطلب شفاعة العذراء مريم ومار شربل والقديسة رفقا.

        أنطلقُ أولًا من إنجيل اليوم، أحد الأبرار والصدّيقين الذي يهيئنا لدخول الصوم الكبير، لأتأمل معكم في عمل المحبة الذي يطلبه منا يسوع المسيح. سيحاسبنا ابن الإنسان- ابن الله يوم يأتي في مجده على أعمالنا التي ستكون القوة الوازنة في دينونتنا.

سيقول لنا: كنت جائعًا، كنت عطشانًا، كنت غريبًا، كنت عريانًا، كنت مريضًا، كنت محبوسًا، كنت مهجرًا، كنت مظلومًا.... فساعدتموني وأتيتم إليّ وآسيتموني وكنتم بقربي. فنقول له: لم نصادْفك يا رب في حياتنا. فأنت غادرتنا منذ ألفي سنة ! فيقول لنا: « كل ما صنعتموه إلى إحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي أنا قد صنعتموه»! هذه هي شريعة المحبة، وهذه هي الوصية التي تركها لنا، لنفهم أنه باقٍ معنا وبيننا إلى الأبد، وأنه في كل واحد منا، وبخاصة في الذين هم يحتاجون إلى خدمة محبة.

ويومُ الدينونة آتٍ، ولا أحد يُفلت منه، عندما نقف أمام ملك المجد لنقدم له أعمالنا. فأعمال المحبة التي نكون قد قمنا بها في خدمة إخوة يسوع وخدمة بعضنا البعض هي التي تفتح لنا أبواب الملكوت. « وإذا أحببتم بعضكم بعضًا، يعرف العالم أنكم حقًا تلاميذي». شهادة عيش المحبة هي وصية يسوع الأولى والأخيرة لرسله وتلاميذه ولنا جميعاً من بعدهم.

هذا ما جعلني أختار لخدمتي الأسقفية في أبرشية البترون شعار « الخدمة في المحبة» (أنا بينكم خادم المحبة)، لكي يكون لي ولأبناء وبنات أبرشيتي طريقًا نسلكها معاً للشهادة ليسوع المسيح.

وهذا ما جعلني بعد ذلك أدعو إلى مجمع أبرشي يهدف إلى التجدّد على كل المستويات: التجدّد الروحي والتجدّد في الأشخاص والتجدّد في المؤسسات، ويعمل على تطبيق توصيات المجمع البطريركي الماروني الذي عقدته كنيستنا المارونية (2003-2006) ووضعت من خلاله استراتيجية مستقبل دورها ورسالتها في لبنان وفي بلدان الشرق والغرب.

وفي أولوية التجدّد أضع التجدّد الروحي الذي علينا أن نقوم به معًا- أسقفًا وكهنةً ورهبانًا وراهبات وعلمانيين- عبر العودة إلى جذور روحانيتنا الأنطاكية النسكية التي وضعها القديس مارون أبونا الروحي وقد عيّدنا له منذ أيام، وعاشها آباء وأجداد لنا قديسون، وعلى رأسهم تلاميذ مار مارون ومار يوحنا مارون البطريرك الأول ومؤسس الكنيسة المارونية، وبطاركة ومطارنة ونسّاك. وعاشها شعبنا على مدى خمسة عشر قرنًا.

إنها الروحانية النسكية التي امتازوا فيها بالعيش في العراء على قمم الجبال أو في قعر الوديان، وبالصلاة والصوم والسهر والتقشف، وبالوقوف المستمرّ الذي سمح لهم بأن لا ترتخوا فيرضخوا فيُستعبَدوا. وبالعمل في الأرض الصخرية الوعرة التي حوّلوها إلى جنّات تعطيهم الغلاّت الوافرة. وكل ذلك بفضل القيم المسيحية التي مارسوها في عيشهم، أي المحبة والتضامن والكرامة والحرية.

أما اليوم، وفيما انطلقت المسيرة المجمعية في أبرشيتنا، إني أجدّد الدعوة إليكم جميعًا، ومن خلالكم، إلى جميع أبناء وبنات الأبرشية، للسير معًا وللتجدّد في التزامنا المسيحي، بدءًا بالتجدّد الروحي.

فالله أنعم علينا بأن تكون أبرشيتنا البترونية هي أبرشية القداسة والقديسين وأن نعيش في جوارهم: من تنورين إلى حردين، إلى كفرحي حيث هامة مار مارون والكرسي البطريركي الأول، إلى كفيفان حيث ضريحا القديس نعمة الله والطوباوي اسطفان، إلى جربتا حيث ضريح القديسة رفقا التي اتخذتها شفيعة لي في خدمتي الأسقفية، إلى عبرين حيث ضريح البطريرك الياس الحويك وقد بدأنا مسيرة الدعوى لتطويبه، إلى البترون التي تنعم بشفاعة مار اسطفان شهيد المسيحية الأول.

وأنتم يا أبناء وبنات إده بالذات تعرفون أنكم تحملون تراثًا كنسيًا وحضاريًا وثقافيًا عريقًا. فدير مار ماما الذي بني حول كنيسةٍ هي الأقدم في كنائس لبنان إذ بُنيت في القرن السادس على أنقاض معبد وثني. وكنيسة مار سابا الصليبية التي تعود إلى أواسط القرن الثالث عشر وتحمل جدرانيات فريدة ومميزة تمّ ترميمها مؤخراً.

إن رعيتكم اليوم حاملة هذا التراث تذكّرنا بما قدّم لها المطرانان الياس شديد وحنا شديد والأستاذ جاك شديد وغيرهم الكثيرون في خدمة الكنيسة والمجتمع، وتسير على طريق التجدّد مواكبةً لمسيرة التجدّد في الأبرشية.

خادمكم الجديد الخوري إيلي سعاده يعمل جاهداً على تحقيق هذا التجدّد مستكملًا ما قام به المونسنيور سمير الحايك في خدمتكم لحوالي الخمسة والثلاثين سنة. وهو يعمل اليوم مع لجنة وقف جديدة على تنشيط الفرسان والطلائع والأخوية والجوقة والشبيبة.

وآمل أن يعمل أيضًا وبنوع خاص على العائلة التي وضعتُ همومها في أولوياتي الراعوية. لأن العائلة هي نواة الكنيسة والمجتمع وتحتاج إلى توعية وتوجيه وإرشاد وسهر ومرافقة.

تعالوا إذًا نعود إلى القيم التي ميّزت مسيرة كنيستنا وشعبنا، والتي تربّينا عليها في عائلاتنا.

تعالوا نجدّد إيماننا بالله وثقتنا الكاملة به ونعمل على خدمة بعضنا البعض في المحبة.

تعالوا نجدّد تمسّكنا بأرضنا المقدسة لأنها وقفٌ لله وليست ملكًا لنا، ولأنها شكّلت عنصرًا هامًا من عناصر هوّيتنا المارونية واللبنانية ودعمًا أساسيًا لخصوصيتنا ووجودنا الحرّ. فلا يحق لنا أن نفّرط بها أو أن نتركها للبور أو أن نبيعها حتى ولو بأغلى الأثمان.

تعالوا نشبك الأيدي ونتعاون في تحمّل مسؤولياتنا الكنسية والإجتماعية والثقافية والسياسية والوطنية من أجل كنيسة مارونية متجدّدة أبدًا بالشهادة للمسيح في الحق والحرية والكرامة وخدمة المحبة لبعضنا البعض، ولإخوتنا اللبنانيين، ولكل إنسان.

نحن لسنا خائفين، لأنك باقٍ معنا أيها الرب يسوع إلى أبد الآبدين. آمين. 

Photo Gallery