عظة المطران خيرالله في قداس رسامة الخوري فرانسوا حرب

عظة المطران منير خيرالله
في قداس رسامة الخوري فرانسوا حرب
الجمعة 14/12/2012، في كاتدرائية مار اسطفان البترون
 
صاحب السيادة المطران بولس آميل سعاده السامي الإحترام
إخوتي الكهنة والرهبان، أخواتي الراهبات
أيها الأحباء أبناء وبنات تنورين وأبرشية البترون العزيزة
 
        بفرح كبير أحتفل معكم اليوم برسامة كاهن جديد هو الثاني منذ بداية خدمتي الأسقفية في أبرشية البترون، أبرشية القداسة والقديسين، أعني به الشماس فرانسوا حرب ابن تنورين. ونعرف أن تنورين حاملة تاريخ عريق كانت ولا زالت كريمة في عطاءاتها للوطن وللكنيسة إذ أعطت كهنة كباراً ورهباناً ورؤساء عامين وراهبات.
ونشكر الله لأننا نعيش في زمن الروح في قلب العاصفة التي تهبّ على وطننا وعلى منطقتنا الشرق أوسطية، إذ ننعم بدعوات كهنوتية ورهبانية زاهرة. ونحن في سنة الإيمان التي أعلنها قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر وفي مسيرة تطبيق الإرشاد الرسولي «الكنيسة في الشرق الأوسط- شركة وشهادة» الذي سلّمه إلينا قداسته عندما كان بيننا في لبنان في أيلول الماضي خارطة طريق لمستقبل وجودنا وحضورنا الشاهد في المحبة في شرقنا المعذب.
أيها العزيز فرانسوا،
رعيتك تنورين تقدمك اليوم لخدمة شعب الله في أبرشية البترون وتحملك في صلواتها كي تدخل في سلسلة الكهنة الذين سبقوك إلى وليمة الحمل في الملكوت، وآخرهم المونسنيور يوسف مرعب حرب، وكي تعيش بوفاءٍ روحانيةَ كهنوتك وتلتزم بإخلاص ما تتطلّبه خدمتك الكهنوتية.
والكهنوت في مفهوم كنيستنا الأنطاكية السريانية المارونية، كما تعلّم طقوسنا وكتبنا الليتورجية ومجامعنا، وآخرها المجمع البطريركي الماروني، «ينطلق من يسوع المسيح إلهنا الذي هو مصدر الكهنوت الأوحد ومبدؤه». (المجمع البطريركي النص السابع، عدد 3). «إنه الكهنوت الذي بدأه المسيح الإبن قبل الدهور وتمّمه بتجسّده وموته على الصليب، مكمّلاً بذلك كهنوت العهد القديم، ولا يزال يواصله وهو عن يمين الآب حيث هو جالس يشفع لنا على الدوام. إنه الكهنوت المسيحاني الذي يصبح بالمسيح تقدمة قربان أو إفخارستيا حيث المسيح ابن الله، الذي صار إنساناً، يقدم ذاته الإنسانية بكاملها قرباناً لأبيه وفداءً عن البشر لخلاصهم. وهو الكهنوت عينُه الذي وكَلَه المسيح إلى كنيسته بقوة الروح القدس، وهو يستمرّ في الكنيسة عبر الرسل وخلفائهم الأساقفة الذين يمنحونه لمن هم أهلٌ ليقوموا بخدمة الثالوث بالنقاوة ويتفرّغوا لها كل أيام حياتهم» (عدد 5).
إني سأمنحك بعد لحظات، أيها الشماس فرانسوا، بفعل موهبة الروح القدس التي ستنالها مني أنا خليفة الرسل وبوضع يديّ الحقيرتين، سرّ الكهنوت وأسلّمك الخدمة الكهنوتية لتخدم في الأبرشية بدءاً من رعية البترون حيث ستكون معاوناً للخوري بيار صعب لخبرة راعوية قصيرة. وإنك بذلك ستشترك في كهنوت المسيح وتدخل في شركة خاصة ومميزة مع الآب والإبن والروح القدس. وستشترك من ناحية ثانية بمهمّتي الأسقفية في أبرشية البترون بصورة تربطك دوماً بي لتصبح معاوناً لي في الخدمة التي أئتمنك عليها. وستصبح مؤتمناً على «وديعة تتسلّمها من الله الآب والإبن والروح بواسطة الكنيسة المقدسة لأجل بنيانها وثباتها وتمجيداً للثالوث الأقدس ولنشر البشارة، وخدمة المذبح، ورعاية شعب الله الموكل إليك. (عدد 6).
فالخدمة الكهنوتية هي إذاً خدمة مثلثة للتعليم والتقديس والرعاية.
-       في خدمة التعليم وبشارة الملكوت، أنت مدعوّ إلى أن تركّز على التعمّق بكلمة الله من أجل إعلانها والتبشير بها في كل مناسبة.
-       في خدمة التقديس، أنت مدعوّ إلى أن تجعل من المذبح مركز خدمتك الكهنوتية، ومن الإفخارستيا المبدأ الذي يولد منه الكاهن والجماعة، ومن الإرتباط الأسراري بالمسيح الحيّ العمقَ الأساسي لحياتك.
-       في خدمة الرعاية، أنت مدعوّ إلى أن تتشبّه بالمسيح الراعي الصالح الذي أراد أن يكون كلاًّ للكلّ، والذي جاء ليَخدم لا ليُخدم حتى إنه غسل أرجل رسله وبذل نفسه في سبيل خرافه.
وكي تنجح في تأدية خدمتك المثلثة، لا بُدّ أن تعيَ أن كهنوتك ينبع من كهنوت المسيح ويكوّن فيك وثاقاً جوهرياً مميزاً يربطك بالمسيح من خلال الأسقف ويجعل منك صورة حقيقيةً له وممثلاً له في رعاية شعبه. إني أدعوك إذاً إلى أن تعمّق إتحادك الروحي بالمسيح لكي تكون علامةً لحضوره في حياتك، وأن تشدّ ارتباطك الكنسي بالأسقف وبإخوتك الكهنة الذين ستدخل معهم في الجسم الكهنوتي الذي يجمعكم حول الأسقف.
وأدعوك هنا إلى أن تتبنّى معنا البرنامج الذي وضعتُه لخدمتي الأسقفية في المحبة في أولوياته الراعوية الثلاث: التجدّد الروحي والتجدد في الأشخاص والتجدّد في المؤسسات. فتساهم معنا نحن أبناء أبرشية القديسين، أسقفاً وكهنةً ورهباناً وراهبات وعلمانيين، في ورشة التجدّد هذه بالعودة إلى ينابيعنا الروحية وروحانيتنا النسكية، وبالتمسّك بأرضنا المقدسة وبوحدتنا حول البطريرك رأس كنيستنا، وبالثبات في القيم التي ميّزت كنيستنا وشعبنا وعائلاتنا على مرّ العصور.
وأعتقد أنك ستكون على قدر النعمة التي وُهبت لك من السيد المسيح بالروح القدس وعلى مستوى الثقة التي أمنحك إياها بوضع يديّ الحقيرتين؛ ذلك لأني أعرفك عن قرب وقد رافقتك طيلة سنوات تنشئتك الست في إكليريكية مار أغسطينوس في كفرا إذ كنت مسؤولاً عن لجنة الدعوات وراعوية المدعوين في الأبرشية.
وهنا لا بدّ لي من أن أشكر الله عن جميع الذين رافقوك في تنشئتك من كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين، وأخصّ منهم العزيز المونسنيور عصام أبي خليل الذي كان رئيسك وهو اليوم رئيسُ الإكليريكية البطريركية في غزير وعرابُك ويقدّمك إلى الكهنوت.
وإني، إذ أسلّمك الكهنوت وخدمة شعب الله في أبرشية البترون وأستودعك نعمة الله التي تحلّ عليك اليوم، أصلي من أجلك كي تكون كاهن المسيح تعمل أولاً على تقديس نفسك ثم على تقديس النفوس الموكلة إليك.
وأصلّي من أجل عائلتك، وبخاصة من أجل والديك روبير ونبيهة وإخوتك وأخواتك عاطف وريما ورانيا الراهبة الساليزيانية وكاتيا وماريو، طالباً من الله أن يجمعكم دوماً في المحبة والتضحية والإنفتاح. كما أصلّي من أجل كل عائلاتنا كي تبقى منبتاً للدعوات الكهنوتية والرهبانية.
وأصلّي من أجل إخوتك الإكليريكيين في الأبرشية، وعددهم اثني عشر، الذين يتوقون إلى تذوّق طعم النعمة التي توهب لك اليوم وإلى الخدمة في كنيسة المسيح في البترون.
وأصلّي من أجل كنيستنا، بمؤمنيها ورعاتها وعلى رأسهم غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، كي تبقى وفيّة للرسالة التي من أجلها أبقاها السيد المسيح على هذه الأرض المقدسة في المحبة والحرية والكرامة. آمين.