عظة المطران منير خيرالله في قداس عيد مار نوهرا- سمارجبيل

 

عظة المطران منير خيرالله
في قداس عيد مار نوهرا - سمار جبيل
الأحد 22/7/2012
 
الرسالة: 2 تسا 1/3: « يجب أن نشكر الله من أجلكم، لأن إيمانكم ينمو جداً، ومحبة كل واحد منكم للآخرين تزداد كثيراً».
الإنجيل: متى 11/3: « أأنت الآتي أم ننتظر آخر ؟ إذهبوا وبلّغوا يوحنا ما تسمعون وما ترون....
                        وطوبى لمن لا يشك فيّ !»
 
أحبائي وأهلي أبناء سمارجبيل،
        بفرح كبير أحتفل معكم اليوم بعيد شفيعكم، وشفيعي لأني أحمل اسمه- ونوهرا بالسريانية هو منير بالعربية، وشفيع هذه المنطقة التي تعرفه منذ مئات السنوات شفيع البصر والبصيرة. فاسمه يحمل لنا مشروع حياة، وحياته ترشدنا إلى أن نستنير بنور الرب يسوع.
بتأثر عميق أحتفل معكم بهذا القداس وأدعوكم إلى أن نوحّد قلوبنا ونوايانا ونحمل عائلاتنا لنقدمها قرابين على مذبح الرب بشفاعة مار نوهرا.
وفي العودة إلى حياة مار نوهرا نعود إلى جذور المسيحية في القرون الثلاثة الأولى.
كان نوهرا من عائلة ثريّة ومعروفة في بلاد فارس. وصار له أن يتعرّف إلى المسيح ويعتمد ويمارس تعاليم المسيح ووصاياه في الإنجيل. فقصد أن يأتي إلى منطقة فينيقيا حيث مراكز الديانة الفينيقية، التي كانت لا تزال وثنية، ليبشر بالمسيح ويدعو الناس إلى اتبّاعه لخلاص نفوسهم. ومن هنا ربما بدأت قصته مع منطقة البترون وسمارجبيل حيث قصد معبداً فينيقياً إلى جانب القلعة ليحوّله إلى كنيسة. كل ذلك يحتاج طبعاً إلى إثبات تاريخي. لكن الثابت هو أن نوهرا بشّر الساحل الفينيقي الذي كان تحت سلطة الامبراطورية الرومانية. فبدأ الحكام ورؤساء الجنود يحاربونه لأنه كان بدأ يردّ الكثيرين إلى الديانة المسيحية كانوا ينضمّون إلى الجماعات التي كانت تأسست في المدن الساحلية مع الرسل.
فسلّموه إلى الحاكم. وفي مواجهة الحاكم كان جوابه واحداً: «أنا مسيحي». وعلى كل الأسئلة التي كانت تطرح عليه كان يجيب: «أنا جئت باسم المسيح لأبشر بالخلاص لجميع الناس. المسيح هو نور العالم، وأنا جئت أرشد الناس إلى هذا النور». «كنت مثلكم وثنياً لا أعرف الله ولا أعرف ابنه يسوع المسيح الذي صار إنساناً وحمل إنسانيتنا وقبل أن يموت على الصليب من أجلنا لكي بقيامته يعطينا الحياة الجديدة. ولكني اليوم أعرفه وأدعوكم إلى أن تتبعوه فتنالوا الخلاص».
فحكموا عليه بالإعدام؛ ربطوه على دولاب خشبي ودار به على أسنان حديدية حتى تكسّرت أعضاؤه. ولكنه بقي ثابتاً في إيمانه. فأمر الحاكم بقطع رأسه؛ فاستشهد سنة 290.
أما قصة استشهاده في البترون ورَمْيِه في بئر سمارجبيل قرب القلعة فهي لم تثبّت بعد ببراهين تاريخية. لكن منطقة سمارجبيل كانت منطقة فينيقية بامتياز وفيها معابد فينيقية كما في منطقة أفقا-العاقورا. ومن المحتمل أن يكون مار نوهرا قد بشر فيها بالمسيح واستشهد فيها.
لكن الأهم هو أن نتساءل نحن اليوم، بعد ألف وسبعماية سنة على استشهاد مار نوهرا، أين نحن من حياة هذا الشهيد الكبير الذي ثبت في إيمانه في وجه كل التحديات ؟ أين نحن اليوم من الكلام الذي سمعناه من القديس بولس إلى كنيسة تسالونيقي ؟ هل نستطيع أن نشكر الله من أجلكم لأن إيمانكم ينمو جداً، ولأن محبة كل واحد منكم للآخر تزداد كثيراً ؟
أترك الجواب إلى كل واحد منا.
كم نحن قادرون أن نعود إلى اكتشاف تاريخنا وتاريخ كنيستنا وتاريخ قديسينا لكي نعود إلى الإلتزام بعيش إيماننا في مواجهة التحديات الآتية علينا ؟
وما نعيشه اليوم من صعوبات ونواجهه من تحديات لا يساوي إلا القليل مما عاناه مار نوهرا في أيامه ومار مارون وتلاميذه وكنيسته على مرّ أجيال وأجيال. ومع هذا كله نرى أننا ضعفاء ونتراجع ونستقيل أحياناً من القيام بدورنا وحمل رسالتنا التي حمّلنا إياها السيد المسيح على الأرض التي وُلد فيها وعاش فيها ومات عليها وقام وقدّسها.
إذا كان الفينيقيون دُعُوا وثنيين لأنهم لم يتعرفوا إلى المسيح، فالمسيحيون من بعدهم أفادوا من معتقداتهم وطرق حياتهم وهياكلهم ليحوّلوها إلى كنائس تشهد للمسيح. وهذه الكنيسة هي شاهدة على ذلك. والمسيح بعد مار نوهرا أعطانا قديسين كثراً في هذه المنطقة ومن هذه المنطقة. وآخرهم القديس نعمة الله والقديسة رفقا والأخ اسطفان وغيرهم كثيرون على الطريق.
إنها دعوة لنا جميعاً كي نوحّد قلوبنا ونزداد بإيماننا ونعيش المحبة بين بعضنا البعض؛ فنلاقي ذاتنا في المسيح وفي تعاليمه في الإنجيل. وهو يشجعنا على القيام برسالتنا وعلى الثبات في أرضنا المقدسة لنكون شهوداً له في المحبة، مهما قَسَت علينا الأيام، وفي الانفتاح على كل الناس وخدمتهم. فنتطلع برجاء كبير إلى مستقبل كنيستنا في هذا الشرق وفي العالم لأنها كنيسة المسيح وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. آمين.