عظة المطران خيرالله في قداس الميلاد منتصف الليل في مار اسطفان البترون 24-12-2012

عظة المطران منير خيرالله
في قداس الميلاد- منتصف الليل
كاتدرائية مار اسطفان البترون، 24-25/12/2012
 
« وُلد لكم اليوم مخلص، هو المسيح الرب».
 
إخوتي الكهنة،
أحبائي جميعاً،
 
        في ما نحن نعيّد اليوم ميلاد يسوع المسيح ابن الله إنساناً بيننا، نريد أن نتأمل في هذا السرّ العظيم الذي كُشف لنا بولادة يسوع.
صحيح أن يسوع وُلد في مذود حقير، لكنه، ولأنه ابن الله، هزّ العالم في التاريخ والجغرافيا اللذين دخلهما.
لوقا، في خبره عن الميلاد، بدأ من أغسطوس قيصر الامبراطور في روما الذي أصدر أمراً بإحصاء كل المعمورة؛ إلى قيرينيوس الذي كان والياً على سوريا؛ إلى يوسف الذي كان من نسل داود، ولأنه يريد أن يعود إلى أصله، كان عليه أن يصعد من مدينة الناصرة في الجليل إلى مدينة بيت لحم في اليهودية.
هذه المسيرة في التاريخ وفي الجغرافيا جعلت ابن الله يهزّ العالم؛ حتى الرعاة، يهتمون بحدث هذه الولادة. لكنه هو ابن الله أراد أن يولد في مذود حقير. لأن يوسف ومريم ذهبا إلى بلدتهما ولكن كالغرباء عن أرضهما وأهلهما. لم يجدا مكاناً ينزلا فيه. وكان مصير يسوع أن يولد في مذود.
والشهود الأولون على هذا الحدث كانوا الملائكة في السماء، الذين ظهروا يبشرون بولادة المخلص المسيح الرب؛ والرعاة على الأرض؛ وهم أبسط البشر ولكن أهمّ البشر لأنهم كانوا يتناوبون السهر على قطيعهم في الليل كي يبقى القطيع في أمان.
وبولادته، جمع يسوع ليس فقط الجغرافيا والتاريخ، بل أيضاً السماء والأرض. وراح الجند السماويون يرتلون التمجيد والتسبيح لله: المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام. ولا زلنا نردّد هذا النشيد منذ ألفي سنة.
إنها علامة على أن كل شيء سيتغيّر بولادة يسوع. وكل البشرية ستقف أمام هذا الحدث كي تتأمل فيه وتكشف سرّه الذي كان غامضاً. بولادة يسوع ابن الله في أحقر حالة من الإنسانية وفي أحقر مكان، جعل كل البشر يهتمّون به، وجعل البشرية تتساءل: ما عساه أن يكون هذا الصبي ؟ لأنه ابن الله وسيملك على عرش داود أبيه، لكن ملكوته ليس من هذا العالم بل في السماء.
لم يفهم الناس هذا السرّ. شخص واحد كان يفهم ما يجري هو مريم التي كانت تحفظ كل هذه الأمور وتتأملها بصمت في قلبها.
في ميلاد 2012، لا نستطيع إلا أن نستعيد هذه الأحداث في التاريخ وفي الجغرافيا ونضعها في مكان اليوم وزمان اليوم.
تعالوا ننظر إلى سلاطين العالم اليوم والأباطرة الذين يصدرون الأوامر من عواصمهم، عواصم القرار، وإلى حكّام هذه المنطقة التي كانت سوريا، وهي اليوم سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر، والذين عليهم أن ينفذوا الأوامر. ولكن مع هؤلاء كلهم، ابن الله يولد من جديد، في متناول كل إنسان. يولد في أحقر حالة من الإنسانية كي يشمل كل البشر، من الامبراطور إلى أفقر إنسان، ويغمرهم جميعاً ويولد عنهم ويعطيهم بولادته حياة جديدة، ويزرع في قلوبهم السلام والمصالحة والحب الذي لا حدود له، وهو حب الله للبشر الذي جعل الابن يصير إنساناً ويقبل الموت على الصليب.
هذا هو سرّ الله، وهذا ما علينا أن نفهمه كي نهزّ الكون بإعلانه. لا نستطيع إلا أن نفكر، مع يسوع الذي يولد، بكل شعوبنا وبلداننا في هذه المنطقة التي عرفت ولادة يسوع في التاريخ والجغرافيا. ونتأمل في الحالة التي تعيشها شعوبنا، في الحروب التي تغوص فيها، في الحقد والبعض والضغينة وكل ما ينتج عنها؛ وأن ننظر إلى شعوبنا التي تدفع ثمن القرارات الكبرى التي تصدر من خارجها وتهرب من هستيريا الإنفجارات، وتتهجّر إلى أمكنة غريبة لا أحد فيها يستقبلها.
نحن في ميلاد 2012 نريد أن نذكرهم جميعاً، من الكبار إلى الصغار، من الحكّام إلى آخر مواطن بريء يموت أو طفل يتهجّر، وأن نصلّي من أجلهم. كنيستنا تحمل هذا الهمّ الذي حمله قبلها يسوع المسيح وسلّمها هذه المسؤولية، همّ شعوبنا في الشرق الأوسط التي لا زالت تفتش عن الإستقرار والسلام وحرية تقرير المصير.
يسوع يولد اليوم من أجلهم جميعاً. ونحن نريد أن نولد مع يسوع من أجلهم أيضاً، وأن نقرأ في وجه كل واحد منهم وجه يسوع المسيح المولود في مذود حقير.
ومع الملائكة والرعاة نريد أن نبشر العالم بفرح عظيم، وهو أن شعوبنا لا زالت تحافظ على إيمانها وعلى كرامتها وحريتها لترفع رأسها وترفع صوتها وتقول: وُلد اليوم ملك السلام. لن تستسلم للعنف والحقد والضغينة والحروب، ولا لليأس والخوف والهرب من المصير.
نعم، نحن أقوياء بيسوع المسيح الذي يولد في كل عائلة من عائلاتنا كما وُلد في عائلته المقدسة. نحن أقوياء برجائنا بيسوع المسيح الذي لا بدّ له أن يغيّر هذا الكون، وأن يدخل ضمائر الحكام ويليّنها؛ ولا بدّ من أن يدخل المسيح من جديد في تاريخ شعوبنا وبلداننا ويصوّب المسار والمصير. ونكون كلنا باسم يوسع المسيح شهوداً للمحبة وللسلام وللحرية.
رجاؤنا أن أولادنا سيبقوا ثابتين في إيمانهم وصامدين في أرضهم المقدسة ومثابرين على عيش المحبة بين بعضهم البعض. آمين.