عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الراعوية لرعية مار إدنا- شبطين
السبت 13 تشرين الأول 2012
« أثبتوا فيّ وانا أثبت فيكم » (يوحنا 15/4).
حضرة الخوري جورج طنوس خادم هذه الرعية الحبيبة إلى قلبي، ولك كل محبتي وثقتي
إخوتي الكهنة الخوري إيلي سعاده والأب بيار سعاده،
أبناء وبنات شبطين، أحيّيكم جميعاً فرداً فرداً، وأحيّي فيكم سعادة النائب الصديق الأستاذ سامر سعاده، وحضرة رئيس البلدية وحضرة المختار.
جئتكم اليوم رسولاً للسلام وخادماً للمحبة، لأحتفل معكم بعيد شفيع بلدتكم شبطين مار إدنا، شفيع السمع والسامعين. وأنا متأثر كثيراً لأني اليوم، وأنا أحتفل بالقداس للمرة الأولى بينكم مطراناً خادماً لكم، تعود بي الذكرى إلى يوم صرت كاهناً جديداً منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة، لما كنت بين كل رعايا أبرشية البترون آتي إلى شبطين الأحبّ إلى قلبي. وكنت آتي لألتقي فيها كل أبناء وبنات شبطين، لا سيما الفرسان والزنابق والطلائع والأخوية. كنت آتي بقلب كبير وألقى بينكم القلوب الكبيرة التي كانت تفرح كما كنت أنا أفرح بلقاء كل واحد منكم وكل عائلة من عائلاتكم.
واليوم، بعد خمس وثلاثين سنة، آتي إليكم مطراناً لأبرشية البترون وخادماً للمحبة بينكم. هذا هو الشعار الذي اتخذته لخدمتي الأسقفية. والأسقفية، كما الكهنوت، هي خدمة لشعب الله. وأنا اردتها أن تكون خدمة في المحبة. لأني تربيت على عيش المحبة، وصرت كاهناً لأعيش المحبة. وأنا اليوم أسقف لأعيش بينكم المحبة.
فالمحبة هي الوصية الوحيدة التي تركها لنا السيد المسيح: «أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم»... «أثبتوا فيّ كما أنا ثابت في الآب، فتعطوا ثمراً كثيراً ويدوم ثمركم»... « وإذا عشتم المحبة بين بعضكم البعض يعرف العالم أنكم حقاً تلاميذي». هذه هي الشهادة التي نستطيع أن نؤديها ونحن تلاميذ المسيح. المحبة.
والمحبة هي تحدٍّ كبير لنا ولجميع المسيحيين. وعندما تركها المسيح وصية لكنيسته وشعبه كان يعرف أنها وصية صعبة العيش وصعبة الإلتزام. لأن المحبة، كما يقول القديس بولس، « تصبر وتخدم وتفرح بالحق، ولا تحسد ولا تتباهى ولا تبالي بالسوء؛ وهي تعذر كل شيء وتتحمّل كل شيء» (1 قور 13/4-6)، وتنظر بإيجابية إلى كل ما يبني الإنسان. هذه المحبة هي صعبة العيش. والمسيح طلب أكثر من ذلك قائلاً: « إذا أحببتكم من يحبّكم فأي أجر لكم؛ أحبوا أعداءكم وصلّوا من أجل مضطهديكم، لتصيروا أبناء أبيكم الذي في السماوات» (متى 5/44).
هذا ما تربّيت أنا عليه منذ طفولتي، وكلكم تعرفون، وبخاصة منذ أن فقدت والديّ شهيدين بعمر خمس سنوات؛ علّمتني عائلتي أن أعيش المحبة حتى النهاية. علّمتني خالتي الراهبة في دير القديسة رفقا ان أصلي من أجل من قتل والديّ وأغفر له. وهكذا فعلت منذ الطفولة. وهكذا كبرت على عيش المحبة. وصرت كاهناً على عيش المحبة بالرغم من أنها صعبة جداً. وما أقوله صادر عن شهادة حياة شخصية. فلا أبيع الكلام لأحد. وما طلبه المسيح عاشه قبلنا وأعطانا المثل وشهد بموته على الصليب لكي، بعد موته، يعطينا بقيامته القوة على عيش المحبة.
جئت اليوم أجدّد معكم إيماني ورجائي ومحبتي. محبتي لكم جميعاً دون استثناء. أنا لكم جميعاً. وأنا للجميع وخادم للجميع. للصغير والكبير، للشباب والصبايا، للأمهات والآباء، لكل عائلة ولكل رعية من رعايا الأبرشية. أنا خادم لكم وأنا بينكم دوماً الساهر على الرعية. هذه هي رسالتي وهذه هي مسؤوليتي التي سلّمني إياها السيد المسيح بواسطة الكنيسة. لا تعتبروني إلا واحداً منكم، كما كنت بينكم منذ سنوات.
وضعت لخدمتي الأسقفية برنامجاً يدور حول التجدّد، لأنه برنامج كنيستنا المارونية بعد مجمعها البطريركي الذي عملنا له أكثر من خمس وعشرين سنة، وكنت أنا أمين السرّ فيه، وبخاصة البطريرك السابع والسبعين مار بشاره بطرس الراعي الذي أعلن منذ انتخابه بطريركاً أنه سيطبّق المجمع البطريركي الماروني لتجدّد كنيستنا في دورها ورسالتها.
واتخذت أيضاً برنامجي من برنامج كنيستنا وبرنامج غبطة أبينا البطريرك. لذا فإني أدعوكم إلى أن تكونوا معي وأن تلتزموا بالتجدّد.
ومسيرة التجدّد تبدأ أولاً بالتجدّد الروحي. وبما أن أبرشيتنا هي أبرشية القداسة والقديسين، نحن مدعوون إلى أن نتجدّد روحياً وأن نكون قديسين. فنتجدّد في علاقتنا مع الله وفي علاقتنا مع بعضنا البعض بالعودة إلى الكتاب المقدس وكلمة الله، وإلى الصلاة في العائلة وفي الكنيسة وفي كل مكان، وإلى الشهادة في عيش المبحة. هذا هو التجدّد الروحي الذي يدعونا إليه السيد المسيح نحن أبناء أبرشية البترون. وإذا كانت عائلاتنا في الماضي ربّت وأعطت قديسين، هذا يعني أنها كانت عائلات قديسة. وهذا يعني أننا نحن اليوم من عائلات ربّتنا أن نكون قديسين ونستطيع أن نربّي أولادنا وأجيالنا الطالعة على أن يكونوا قديسين. فنلبّي كلنا دعوة الله لنا إلى القداسة.
ثانياًَ التجدّد في الأشخاص. نحن مدعوون إلى أن نتجدّد بأشخاصنا، بدءاً مني أنا مطران الأبرشية، ثم بإخوتي الكهنة ومعهم بدأت مسيرة التجدّد. وكاهنكم الجديد يشهد على ذلك، وخوري إيلي ابن هذه الرعية يشهد أيضاً على التجدّد الذي التزم به إخوتي الكهنة في الأبرشية. ومع إخوتنا الرهبان وأخواتنا الراهبات في الأبرشية نتجدّد لنكون مثالاً وقدوةً أمامكم. ثم ندعوكم أنتم إلى التجدّد في عيشكم المسيحي وفي الإلتزام بعيش إيمانكم بالسلام والمحبة.
ثالثاً التجدّد في المؤسسات. أبرشيتنا مدعوة إلى أن تجدّد مؤسساتها بدءاً بالمطرانية والمؤسسات التي ترتبط فيها من لجان ومجالس وهيئات، ثم بالرعايا بكل مؤسساتها من لجان أوقاف وأخويات وطلائع وفرسان وجمعيات ومجالس ولجان.
فنسير معاً على طريق التجدّد بالمسيح. والتجدّد بالمسيح لا يتمّ إلا إذا كنا ثابتين في الكرمة، يسوع المسيح، ونحن فيها الأغصان. وإذا كان المسيح اتخذ مثل الكرمة، ذلك لأن الكرمة هي الشجرة التي تنتشر بسرعة وتتوسّع، وطالما تبقى أغصانها متحدة بالكرمة وتتغذى منها، فهي تحمل رسالتها إلى العالم. هذه هي رسالة كنيستنا في ثباتها بالمسيح تحملها في لبنان، أرض القداسة، وفي الشرق وفي الغرب. كنيستنا شهدت للمسيح في مسيرتها التاريخية الطويلة وبقيت ثابتة، بالرغم من كل الإضطهادات والإحتلالات والتحديات، في إيمانها وفي أرضها وفي القيم التي ربّت عليها عائلاتنا.
إني أدعوكم اليوم إلى أن نتحمّل معاً مسؤولية بناء الكنيسة ونحمل رسالة كنيستنا المارونية إلى العالم كله ونحن ثابتون في إيماننا بالله وثابتون في أرضنا أرض الله وثابتون في القيم التي ربّت عليها عائلاتنا وميّزتنا وميّزت شعبنا وكنيستنا، في التضامن والمحبة والإنفتاح والإحترام، إحترام الآخر واحترام التعددية. هكذا بنينا وطننا لبنان، ونحن مسؤولون عن إعادة بنائه كل يوم ليبقى « الوطن الرسالة» « والنموذج» كما قال لنا الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني وكما قال لنا منذ أسابيع قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر عندما كان بيننا.
قداسي اليوم أقدّمه من أجلكم جميعاً، الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم. وأحملكم في قلبي وأحملكم إلى مذبح الرب. فنكون كلنا أبناء وبنات شبطين رعية واحدة وراعيها الواحد يسوع المسيح وكلنا فيها ملتزمون بعيش إيماننا في المحبة والسلام والإنفتاح على بعضنا البعض. آمين.