عظة المطران منير خيرالله
في قداس الزيارة الرعائية لرعية السيدة- غوما
الأحد 7 تشرين الأول 2012
« إن الحصاد كثير، أما الفعلة فقليلون» (لوقا 1/1-10)
إخوتي الكهنة الخوري إيلي (سعاده) والخوري جورج (واكيم)،
أهلي وأحبائي.
أفتخر وأعتزّ أن أكون معكم اليوم في بلدتي غوما، وفي هذا اليوم بالذات، أحد الوردية، لكي أحتفل معكم بالقداس الأول كمطران الأبرشية وأفرح معكم بتدشين صالة الرعية.
إنها مناسبة تدعونا جميعاً إلى أن ندخل في تجدّد دائم مع المسيح وبشفاعة أمه وأمنا مريم، وإلى أن ندخل مع مريم في التأمّل بسرّ المسيح. لأننا مع مريم وفي صلاة المسبحة، والوردية، نتأمل كل مراحل سرّ المسيح ابن الله الذي صار إنساناً مثلنا وبيننا. ومريم رافقت إبنها يسوع في سرّ تجسّده وفي سرّ فدائه، أي في موته وقيامته. ومع مريم، ونحن نصلّي، نرافق يسوع في مسيرته الخلاصية على هذه الأرض.
فالله الآب هو حب مطلق؛ ومن فيض حبّه خلق الإنسان على صورته كمثاله، ثم أراد أن يخلّصه بعد أن سقط وأن يحرّره من عبودية الخطيئة؛ فأرسل ابنه يسوع المسيح الذي ارتضى أن يصير إنساناً ويحمل إنسانيتنا الضعيفة، ويحمل خطايانا، ويتبنّى أرضنا لكي يتجسّد فيها ويعيش فيها ويتمّم آياته وعجائبه عليها. إنها أرض مقدسة. ثم ارتضى أن يسير بإنسانيتنا حتى الصليب، حتى الموت على الصليب، وهي قمة المحبة لكي يفتدينا بموته ثم بقيامته يعطينا الحياة الجديدة.
فمريم اليوم وكل يوم، مريم التي رافقت يسوع ابنها ورافقت الكنيسة ولا زالت، هي ترافقنا جميعاً؛ ترافق بلدة غوما كما بلدة مراح الزيات اللتين اتخذنا شفيعة لهما السيدة العذراء. فهي تدعونا اليوم إلى أن نمشي مع يسوع ونقبل أن نحمل الصليب معه، حتى الموت. لا تخافوا من الموت، لأن الموت بعد موت وقيامة المسيح أصبح جسر عبور إلى الحياة الأبدية، إلى الملكوت. والموت هو مرحلة تجعلنا نعبر إلى الحياة، فنلتقي رب الحياة.
هذه هي مريم مثالنا، ومثال كل أم من أمهاتنا وشفيعة كل عائلة من عائلاتنا. فقداسنا اليوم نسلّمه إلى الله الآب وإلى السيد المسيح الابن بشفاعة أمه وأمنا مريم لكي نصبح كلنا ويصبح كل شيء فينا جديداً بالمسيح.
أنا اتخذت شعاراً لي في الأسقفية أن أخدمكم في المبحة، ووضعت برنامجي لخدمتي الأسقفية في أبرشية البترون، أبرشية القداسة والقديسين، في التجدّد. وهو برنامج كنيستنا المارونية في مجمعها البطريركي الذي عملنا له أكثر من خمس وعشرين سنة وعملنا فيه على صياغة النصوص وعلى أن تتجدّد كنيستنا لتصبح فعلاً وجه المسيح المحبّ والخادم في المحبة لجميع البشر. وهذا هو برنامج بطريركنا السابع والسبعين مار بشاره بطرس الراعي الذي تبنّى منذ انتخابه بطريركاً تطبيق المجمع البطريركي الماروني. وبدأ هو بشخصه وفي بكركي التجدّد، تجدّد الكنيسة في أشخاصها ومؤسساتها. وبرنامجي هو أن نتجدّد كلنا وأن نتجدّد معاً بالمسيح.
وضعت في أولوياتي التجدّد الروحي. لأن أبرشيتنا هي أبرشية القديسين، علينا نحن أن نعود إلى ينابيع روحانيتنا وإلى جذورنا الروحية في هذه الأرض المقدسة، أرض البترون، لكي نسمع صوت الله يدعونا من جديد إلى أن نتقدس. وكلنا نستطيع أن نكون قديسين. فإذا كانت منطقتنا أعطت قديسين لأن فيها كانت عائلات تربّي على القداسة، أي على القيم المسيحية والإنسانية وتحافظ على إرث الآباء والأجداد. فكان منها القديسون. ونحن أيضاً تربّينا في عائلات نعرفها ربّتنا على محبة الله وعلى محبة الإنسان وخدمته مجاناً وبدون أي مصلحة. ربّتنا على الحرية والكرامة. هذه هي القيم التي تدعونا إلى السلام، والسلام هو عطية الله المجانية لنا جميعاً؛ لكي، بعد أن يحل سلام الله في قلوبنا وفي عائلاتنا ورعايانا ووطننا، ننشر السلام من حولنا ونكون نتجدّد روحياً ونستطيع أن نكون قديسين.
ثانياً: تجدّد الأشخاص. وضعت أيضاً نصب عينّي أن نتجدّد، ابتداءً مني أنا كمطران الأبرشية، ثم بإخوتي الكهنة والرهبان وأخواتي الراهبات، لكي نكون نحن أمامكم مثالاً وقدوة في عيش التجدّد بأشخاصنا ونلبي دعوة الله لنا، لأنه دعانا أن نكون من رسله وتلاميذه. وهو الذي قال لنا: «إن الحصاد كثير، أما الفعلة فقليلون». يدعونا إلى أن نعيش دعوتنا في خدمتكم. هذا ما يفسّر أن عندكم كهنة جدداً ليسيروا معكم في مسيرة التجدّد في الأشخاص.
ثالثاً: التجدّد في المؤسسات. والتجدّد يطبّق عملياً في مؤسساتنا. بدءاً من مؤسسة الأبرشية والمطرانية ولجانها ومجالسها؛ ثم تجدّد الرعايا بجمعياتها وأخوياتها ومؤسساتها ولجانها.
فنجدّد كنيستنا وشعبنا، وتصبح أديارنا مراكز إشعاع روحي، وتصبح رعايانا واحاتٍ مصليّة تدعو الناس إلى الصلاة أولاً، وإلى عيش الإلتزام المسيحي ثانياً.
هذا البرنامج ليس إلا تطبيقاً لما أرادته كنيستنا، وما نريده كلنا. إننا نُنشد التجدد منذ سنوات. أعتقد أنه حان الوقت أن نبدأ بمسيرة التجدّد. فنلبّي كلنا معاً، نحن الكنيسة جسد المسيح السرّي، دعوة الله لنا وأن نلتزم بعيش إيماننا في حياة كل يوم.
الكنيسة ليست المطران وليست الكهنة وحدهم. الكنيسة هي نحن كلنا، جماعة شعب الله، نحن المعمّدين باسم الآب والابن والروح القدس الملتزمين بعيش التجدّد والولادة الجديدة التي اتخذناها نعمةً في سر المعمودية.
وعلينا أن نكون فعلاً ما يدعونا إليه السيد المسيح بشفاعة أمنا مريم العذراء.
هذا ما يجعلني أفرح معكم كثيراً اليوم؛ وبتأثر عميق، أدعوكم إلى عيش اللحظة بتجدّد الكنيسة، كنيسة غوما. كنا ننتظر معكم منذ سنوات أن يكتمل بناء الكنيسة. واليوم اكتمل بناء صالة الرعية. فأصبح كل شيء جديداً بالمسيح لخدمة شعبه. المجمّع الرعوي- بين صالة الرعية والكنيسة والساحة التي حولهما- هو مجمّع في خدمتكم. في خدمة العائلات، في خدمة الكبار والصغار، في خدمة أولادنا وشبابنا وصبايانا، في خدمة أخويتنا وفرساننا وطلائعنا. فبيت الله والمجمّع الرعوي هما في خدمة الجميع، لكي نلتقي فيهما بالمحبة والمصالحة والسلام.
أقدّم قداسي اليوم من أجلكم جميعاً، أنتم أهلي وأبناء بلدتي في غوما كما في مراح الزيات. من أجل الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم. وأعرف كم أعطت غوما في الماضي من كبار في خدمة الكنيسة والوطن. وكم تعطي اليوم من أشخاص يخدمون كنيستهم ووطنهم. إنهم يحملون في قلوبهم ما أخذوا من إرث بلدتهم، ونحن نحفظهم في قلوبنا. وأصلّي من أجل الذين ضحّوا وساهموا في بناء هذا المجمّع الرعوي.
نصلّي معاً إلى الله كي يحفظنا في ما عشنا عليه من القيم التي تشرّف تاريخ كنيستنا وشعبنا. وصلاتنا تصل إلى الله مباشرة بشفاعة مريم سيدة الوردية وسيدة لبنان التي وحدها تفهم بعاطفتها ما نحتاج إليه وما نحمله من هموم ومن آمال وتمنيات لمستقبلنا ومستقبل أولادنا، فتشفع بنا ونكون كلنا شهوداً للمسيح بالمحبة والسلام والحرية والكرامة. آمين.