17-3-2013 قداس في بيت شلالا عيد مار يوسف

       

عظة المطران منير خيرالله

في قداس عيد مار يوسف- رعية بيت شلالا

الأحد 17 آذار 2013، كنيسة مار يوسف- بيت شلالا

 

« ولما قام يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب» (متى 1/25).

 

حضرة الخوري الياس(صعب) خادم هذه الرعية الحبيبة،

أحبائي أبناء وبنات بيت شلالا.

 

        قلبي كبير وفرحتي كبيرة بكم اليوم وأنا أعيّد معكم مار يوسف شفيعكم، لكي أقول لكم من جديد كم أحبّ بيت شلالا، وأحبّ عائلاتها وكبارها وشبابها وصباياها وصغارها، وهذا منذ زمن بعيد. لأن علاقتي برعية بيت شلالا قديمة منذ بداية كهنوتي عندما كنت آتي إليها للمخيمات الرسولية والعمل الرسولي مع الأخويات والطلائع والفرسان. فكانت هي مركز الإشعاع للخدمة الرسولية في المنطقة الجردية من أبرشيتنا.

واليوم جئت، كمطران للأبرشية، أجدّد لكم محبتي وأذكّركم أن مسؤوليتكم كبيرة، وعلينا أن نحملها معاً في خدمة أبرشيتنا البترون.

إذا كان آباؤكم اتخذوا القديس يوسف شفيعاً لرعيتهم، ذلك لأنه كان عندهم هدف خاص وهو أن يتشبهوا بهذا القديس في حياتهم اليومية. وكل رعية تتخذ لها شفيعاً يكون مثلاً وقدوةً لمؤمنيها كي يستطيعوا أن يعيشوا التزامهم المسيحي.

والقديس يوسف، كما يقول عنه متى في الإنجيل، كان رجلاً بارّاً، أمام الله وأمام الناس. وكان بارّاً مع مريم خطيبته التي كتب عليها كتابه بحسب تقاليد الشعب اليهودي. ولما أراد أن يأتي بها إلى بيته اكتشف أنها حبلى. صدمة كبيرة ومشكلة إجتماعية وضميرية عليه. فاحتار كيف يتصرّف. تأملوا هذا المشهد يحصل اليوم بعد ألفي سنة. ومشاكلنا كثيرة اليوم من هذا النوع، وتعرفون كيف يتصرف الأزواج والأهل: تشهير ودعاوى وأخبار.

لكن يوسف فكّر أن يطلّقها سراً، ولم يرد أن يشهّر بها. فأوحى إليه الله في الحلم بواسطة ملاكه قائلاً له: « يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأخذ مريم إمرأتك، فالمولود فيها إنما هو من الروح القدس»، وهو ابن الله وعمانوئيل الله معنا. هو الخلاص الذي تنتظره البشرية منذ مئات وآلاف السنوات. إنه سرّ الله؛ الله الذي يريد أن يتمّم تدبيره الخلاصي بين البشر بواسطة مريم ويسوع المولود منها.

ويقول متى في إنجيله: « لما قام يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب». آمن ووضع ثقته بالله، وأخذ مريم إلى بيته وتابع معها مشوار الخلاص. ومعها ربّى يسوع بمحبة لا حدود لها، وكوّن العائلة المقدسة.

هذا هو مار يوسف الذي أصبح شفيعاً لكل الآباء وكل العائلات، وشفيعاً للكثير من رعايانا اتخذته مثالاً وقدوة.

آباؤنا وأجدادنا الذين عاشوا على هذه الأرض المقدسة تشبهوا بالقديس يوسف، وواجهوا الكثير من الصعوبات والتحديات. ونقلوا إلينا إرثاً عريقاً وعظيماً. ونحن مسؤولون أن نحمله اليوم وننقله إلى أولادنا وأجيالنا الطالعة. فمسيرة الخلاص لا تقف عندنا، والتاريخ لا يقف عندنا. إنها مسؤوليتنا. نواجه صعوبات وأزمات كبيرة، ولكنها لا تساوي شيئاً بالنسبة إلى ما قاسى آباؤنا وأجدادنا. وكما صمدوا هم، علينا نحن أيضاً أن نصمد في الثوابت التي تميّز تاريخ شعبنا وكنيستنا:

الثبات في إيماننا بالله أولاً. وهذا هو الأساس.

الثبات في أرضنا المقدسة ثانياً. إنها أرض الله، وقف لله ولا نملكها نحن، وعلينا أن نتمسّك بها ونبقى فيها.

الثبات في القيم التي تربّينا عليها في عائلاتنا، التي هي قيم كنيستنا المارونية المتجسّدة في المحبة والتضامن والتضحية والعطاء والخدمة المجانية والتواضع والصمت.

نحن مسؤولون عن الحفاط على هذه الثوابت وعن نقلها إلى أولادنا حتى ولو ابتعدوا ليعيشوا بعيداً عن لبنان.

لا تخافوا. نحن اليوم أقوى من كل يوم في تاريخنا. ولا أبيع كلاماً فارغاً. إنها حقيقة تاريخية وإيمانية. نحن أقوياء بوحدتنا وتضامننا وتجمهرنا حول رأس كنيستنا البطريرك، الذي، منذ يوحنا مارون البطريرك الأول في كفرحي حتى البطريرك السابع والسبعين ومن يأتي من بعده، هو الرأس والأب والراعي.

نحن أقوياء بثباتنا في أرضنا المقدسة. وسنبقى محافظين عليها ولا ننوي بيعها حتى ولو بأغلى الأثمان وبأكبر الإغراءات.

حافظوا على القيم في أولادنا وأجيالنا الطالعة. دعونا نعطيهم المثل الصالح بعيشنا اليومي ونشهد أمامهم لقيمنا المسيحية والمارونية.

قداسي اليوم أقدمه من أجل هذه الرعية التي أحبّها؛ من أجل كل عائلاتها وكبارها وشبابها وصباياها وصغارها، الحاضرين والغائبين والمنتشرين في العالم، وأعرف أنهم يصلّون معنا اليوم.

صلاتي إلى الله بشفاعة القديس يوسف، ومار مارون ومار يوحنا مارون، وجميع قديسينا، كي يمنحنا القوة لنبقى ثابتين في إيماننا وفي أرضنا وفي قيمنا، ونحمل رسالتنا، رسالة كنيستنا ووطننا لبنان، الأرض المقدسة والوطن الرسالة، في وجه العالم كله فيبقى وطن المحبة والمصالحة والسلام والإنفتاح واحترام الإنسان، كل إنسان، خلقه الله على صورته كمثاله. آمين.