الرسالة الراعوية الأولى للمطران خيرالله 2-3-2013

مقدمة

أحبائي أبناء وبنات أبرشية البترون المارونية،

كهنة ورهباناً وراهبات وعلمانيين،

أولاداً وشباباً وبالغين ومسنّين،

مسؤولين وملتزمين كنسياً وإجتماعياً ومدنياً وسياسياً وثقافياً وإقتصادياً وإنمائياً،

إخوتي وأخواتي في منطقة البترون أصحاب الإرادات الطيّبة،

أتوجه إليكم في نهاية السنة الأولى من خدمتي الأسقفية التي حاولت أن أكون فيها بينكم خادم المحبة، لأقول لكم من جديد:

نحن معاً شركاء في الكنيسة ومعنيون بعمل الخلاص، الذي تمّمه سيدنا يسوع المسيح بموته على الصليب وقيامته من بين الأموات، وبتلبية دعوة القداسة الموجهة إلينا على خطى آبائنا القديسين.

ونحن شركاء في عمل إنماء منطقتنا التي تحتاج إلى تضافر كل إمكاناتنا ومقدراتنا.

ونحن شركاء في ورشة إعادة بناء وطننا لبنان في دعوته التاريخية ليكون دوماً « الوطن الرسالة » و« الوطن النموذج ».  

1-               سنة مرّت على تسلّمي الخدمة الأسقفية من سيادة أخي وأبي الروحي المطران بولس آميل سعاده بعد أن انتخبني آباء السينودس المقدس مطراناً على أبرشية البترون، أبرشية البطريرك الأول مار يوحنا مارون، أبرشية القداسة والقديسين ومنشأ البطريرك العظيم الياس الحويك رجل العناية.

فاخترت «الخدمة والمحبة» شعاراً لخدمتي الأسقفية: « أنا بينكم خادم المحبة»، بعد أن كنت قد اختليت مع أخويّ المطران الياس والمطران ميشال في رياضة روحية مع الأب الحبيس يوحنا الخوند، ووجّهت إليكم ندائي الأول من رحم وادي قنوبين حيث كنا نسعى أن نولد من جديد في روحانية آباء قديسين، بطاركة وأساقفة وكهنة ورهبان، قدّسوا هذا الوادي وقدسوا شعبهم وكنيستهم، وطلبتُ فيه صلواتكم لكي أكون «أيقونة حية للرب يسوع»([1])، وأكون على مثاله «السيد الذي يخدم» (لوقا 22/27) و« الراعي الصالح الذي يحب خرافه ويبذل نفسه في سبيلها» (يوحنا 10/11).

أتوجه إليكم برسالتي هذه لأطلعكم على مجمل التوجهات والخطوات متوخياً إعلامكم المستمر بدورة حياة الأبرشية اقتناعاً مني بأن لكل منكم الحق وعليه الواجب بأن يطّلع ويلتزم. إنها أبرشيتنا جميعاً. إنها كنيستنا.     

2-               سنة مرّت وكانت زاخرة بأحداث كنسية لافتة وملفتة برمزيتها ومعانيها.

أ‌-     أولها كان إعلان سنة الإيمان للكنيسة جمعاء من قبل قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر التي بدأت في 11 تشرين الثاني 2012 وتنتهي في 24 تشرين الثاني 2013، لمناسبة مرور خمسين سنة على افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني ومرور عشرين سنة على نشر كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية. وهدفها التعمق في إيماننا المسيحي، واللقاء الشخصي بيسوع المسيح مبدأ إيماننا وطريقنا إلى الله الآب بالروح القدس([2]).

ب‌-   ثم كانت زيارة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان لإعلان الإرشاد الرسولي « الكنسية في الشرق الأوسط- شركة وشهادة». وهو حصيلة أعمال الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط التي التأمت في روما من 10 إلى 24 تشرين الأول 2010([3]). وكان تعليم قداسة البابا في خطاباته ومواعظه التي ألقاها في أثناء زيارته للبنان من 14 إلى 16 أيلول 2012 مكمّلاً لتعليمه في الإرشاد الرسولي.

ج- ثم كانت الجمعية العامة لسينودس الأساقفة التي انعقدت في روما في خلال شهر تشرين الأول 2012 حول موضوع الكرازة الجديدة بالإنجيل؛ وشارك فيها رأس كنيستنا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الذي منحه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في ختام أعمالها الرتبة الكاردينالية.   

د- أما محلّياً فكانت الرسالة العامة الأولى لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي لمناسبة الذكرى الأولى لتسلّمه الخدمة البطريركية في 25 آذار 2012 بعنوان «شركة ومحبة»([4]) محطة هامة في مسيرة كنيستنا المارونية على طريق تطبيق المجمع البطريركي الماروني الذي وضعه غبطته برنامجاً لبطريركيته ([5]). هذا مع التوقف عند المنهجية التي يتّبعها غبطته في تحقيق الشركة والمحبة عبر مأسسة الكنيسة وفي ممارستها عبر علاقاته مع قداسة البابا والكرسي الرسولي ومع رؤساء الدول والسلطات اللبنانية ورؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية وعبر الزيارات الراعوية التي يقوم بها في لبنان وفي بلدان المشرق وبلدان الإنتشار. وكان لأبرشية البترون حصة في هذه الزيارات إذ زار غبطته في 29 تموز 2012 بعض رعايا الأبرشية وبيت البطريرك الياس الحويك وبارك تمثال مار مارون على مدخل دير مار يوحنا مارون الكرسي الأسقفي في كفرحي.

هـ- وآخر هذه الأحداث كان إعلان قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر المفاجئ وغير المسبوق في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في 11 شباط 2013 أنه «سيتخلّى عن مهماته في الساعة 20,00 من نهار 28 شباط 2013». وقال قداسته في خطابه: «بعد مراجعة ضميري أمام الله توصلت إلى إقتناع بأنني لم أعد قادراً بسبب تقدمي في السن على القيام بواجباتي على أكمل وجه على رأس الكنيسة الكاثوليكية». وأضاف: « في عالمنا اليوم الذي يشهد تغيرات متسارعة وتساؤلات مهمة متعلقة بالإيمان، يجب التمتع بالقوى الجسدية والعقلية اللازمة لرئاسة الكنيسة الكاثوليكية»([6]).

3-               كل هذه الأحداث تضفي قيمة مضافة على الرسالة الراعوية الأولى التي أوجّهها إليكم اليوم لمناسبتَيْ الذكرى الأولى على تسلّمي خدمة أبرشية البترون وعيد مار يوحنا مارون البطريرك الأول وشفيع أبرشيتنا.

تتضمّن هذه الرسالة أربعة فصول: في الأول أتناول مفهوم الخدمة والمحبة؛ وفي الثاني أتوقف عند مشروع خدمتي الأسقفية في أبرشية البترون الذي يهدف إلى عيش الخدمة والمحبة في التجدد؛ وفي الثالث أعرض تحقيق الخدمة والمحبة في ممارستي الراعوية؛ وفي الرابع أعرض رؤية مستقبلية لأبرشية البترون في دورها ورسالتها ضمن الكنيسة المحلية في البترون وضمن الكنيسة المارونية في النطاق البطريركي وبلدان الإنتشار وضمن الكنائس في الشرق الأوسط وضمن الكنيسة الجامعة في انفتاحها على رسالة الخلاص الكونية.


 


الفصل الأول

مفهوم الخدمة والمحبة

 

أولاً: مفهوم الخدمة

4-            ينطلق مفهوم الخدمة في المسيحية من شخص يسوع الخادم الذي « جاء ليَخدم لا ليُخدم» (لوقا 22/27).

لفظة «خدمة» تقابلها باليونانية «diakonia»، ولفظة «خادم» تقابلها باليونانية «diakonos» وباللاتينية «minister» وبالعبرية « مشاريت» وهي تطلق على الكهنة خدام المذبح (إشعيا 61/6 وحزقيال 44/11).

والعهد القديم يوضح حقيقة الخدمة الدينية التي يقوم بها أصحاب بعض الوظائف المقدسة داخل شعب الله: الملوك والأنبياء المؤتمنون على الكهنوت، وهم جميعاً خدام الله ويمارسون وساطة بينه وبين شعبه. ويقول بولس الرسول أن موسى كان خادم العهد الأول (2 قور 3/7-9).

أما العهد الجديد فيعتبر أن يسوع المسيح هو الوسيط الأوحد بين الله والناس، والكاهن الأوحد الذي يقدم ذاته ذبيحة الخلاص، والمبشر الأوحد بالوحي من حيث هو كلمة الله الذي صار بشراً (يوحنا 1/1 و14).

وجاء يسوع الابن يكلّل عمل عبيد الرب وخدامه في العهد القديم بتقدمة ذاته مثالاً وقدوة في ما هي الخدمة. جاء يخدم الناس ويبذل ذاته فداءً عنهم ليتمّم مشيئة الله الآب لخلاصهم أجمعين. وهو يعلن منذ حداثته أنه يجب أن يكون في ما هو لأبيه (لوقا 2/49). وعندما يخدم يسوع الله الآب إنما يعمل من أجل خلاص البشر، إذ يكفّر عن رفضهم للخدمة ويكشف لهم كيفية الخدمة التي يريدها الآب. والسلطة بالنسبة إليه هي خدمة. فيقول لرسله: « إن ملوك الأمم يسودونها وأصحاب السلطة فيها يريدون أن يُدعوا محسنين. أما أنتم فليس الأمر فيكم كذلك، بل ليكن الأكبر فيكم كأنه الأصغر، والمترئس كأنه الخادم». ويتابع شرحه لمفهوم الخدمة قائلاً: « فمن الأكبر ؟ أمَن جلس للطعام أم الذي يخدم ؟ أمَا هو الجالس للطعام ؟ ومع ذلك فأنا بينكم كالذي يخدم» (لوقا 22/24-27).

وهو يريد منهم أن يبذلوا ذواتهم في سبيل خدمة إخوتهم، كما صنع هو نفسه، وهو الربّ والمعلّم. وأوصاهم أن يحبوا بعضهم بعضاً كما أحبّهم هو (يوحنا 15/12)، إذ قاده الحب إلى أن يخدمهم ويغسل أرجلهم ليجعل من نفسه لهم قدوة (يوحنا 13/4-12)، وأن يقبل بالآلام والموت على الصليب باذلاً ذاته من أجلهم.

5-               أما الخدمة في الكنيسة فهي خدمة للكلمة وخدمة للجماعة. هكذا نقرأ في كتاب أعمال الرسل عندما « دعا الاثنا عشر جماعة التلاميذ وقالوا لهم: لا يحسن بنا أن نترك كلمة الله لنخدم على الموائد. فابحثوا أيها الاخوة عن سبعة رجال منكم لهم سمعة طيبة، ممتلئين من الروح والحكمة، فنقيمهم على هذا العمل، ونواظب نحن على الصلاة وخدمة كلمة الله» (أعمال 6/2-4).

خدام المسيح هم إذاً قبل كل شيء خدام الكلمة الذين يعلنون الإنجيل، فيقومون هكذا بخدمة مقدسة. إنها أولاً خدمة الرسل التي يُدعى متّيا إلى أدائها مع الأحد عشر، ثم يدعى إليها في ما بعد بولس ويؤديها بجدارة، وبفضلها يمنح الرب الخلاص للوثنيين. وإذ يعي أنه خادم الله وخادم المسيح، يشعر شعوراً حاداً بعظمة هذه الوظيفة التي تفوق وظيفة موسى نفسه لكونها خدمة للعهد الجديد وللبرّ وللروح (2 قور 3/6). وإنها ثانياً خدمة الشمامسة السبعة الذين اختارهم الرسل (أعمال 6/5-6).

ثم تأتي الخدمات على أنواعها، كما يفصلها القديس بولس: « فمن له موهبة النبّوة فليتنبأ وفقاً للإيمان، ومن له موهبة الخدمة فليخدم، ومن له التعليم فليعلّم، ومن له الوعظ فليعظ» (روما 12/6-8 و1 قور 12/4-11). وتعتبر الكنيسة أن جميع المسيحيين قد انتقلوا بالمعمودية من خدمة الخطيئة والشريعة التي كانت عبودية، إلى خدمة البرّ والمسيح التي هي الحرية (يوحنا 8/31-36). فالمسيحيون يخدمون الله كأبناء وليس كعبيد (غلاطيه 4/1-9 و5/1-6) لأنهم يخدمون في نظام الروح الجديد (روما 7/6).

 

ثانياً: مفهوم المحبة.

6-                  ينطلق مفهوم المحبة في المسيحية من جوهر إيماننا بأن الله محبة، وهو الذي من فيض حبّه خلق الإنسان على صورته كمثاله ودعاه إلى عيش كمال الحب.

في العهد القديم لا ترد لفظة « محبة». إلا أن روايات الخلق (تكوين 1-3) تشير إلى محبة الله من خلال العطف الذي يبديه نحو آدم وحواء. فقد أراد الله أن يعطيهما ملء الحياة طالباً منهما إذعاناً حراً لإرادته. وعن طريق الوصية أنشأ الله حوار المحبة. لكن آدم خالف الوصية فأخطأ. أما الله إله المحبة فعامله بالرحمة ووعده بالخلاص.

ومع ابراهيم، أوضح الله مسيرة الخلاص باختياره صديقاً له، وعبّر له عن محبته له ولشعبه. وأصبح ابراهيم خليل الله (تكوين 18/17) لأنه تجاوب مع مطالب الحب الإلهي فانطلق من أرضه ملبياً نداء الله (تكوين 12/1)، ثم رضي أن يضحي بابنه الوحيد إسحق (تكوين 22/2). أما حوار الحبّ مع موسى فكان صراعاً دائماً ونزاعاً قائماً بين القداسة الإلهية والخطيئة. فموسى كان ممزقاً بين الله الذي يرسله والشعب الذي يمثله (خروج 32/9-13). وصمد في حواره مع الله لأنه كان يكلّمه كما كان يكلم المرء صديقه. ومع الأنبياء صار الحوار شخصياً، وأظهر لهم الله أن حبّه لشعبه هو أقوى من الخطيئة، مهما كلفه ذلك من آلام (هوشع 11/8). فالله يصفح ويخلق ثانية قلباً جديداً قادراً على الحب (إرميا 31/3، حزقيال 16/60).

7-               أما في العهد الجديد فقد كُشفت محبة الله للبشر بتجسد الابن يسوع المسيح وبموته على الصليب وبقيامته من بين الأموات. إنها قمة المحبة التي تتجلى ببذل الذات الإلهية. « وما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه» (يوحنا 15/13).

جاء المسيح وكشف لنا أن الله محبة وأنه هو الذي أخذ المبادرة و« أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لنحيا به. وما تقوم عليه المحبة هو أنه لسنا نحن أحببنا الله بل هو أحبّنا فأرسل ابنه كفارة لخطايانا» (1 يوحنا 4/9-10). في ملء الزمن تذكّر الله رحمته (لوقا 1/54) وأظهر محبته في شخص الذي هو ليس فقط المسيح المخلص المنتظر (لوقا 2/11) بل أيضاً ابنه بالذات الذي يحبه (يوحنا 3/35).

محبة الله للبشر هي هبة مجانية محضة (روما 5/6 ويوحنا 4/10) ونهائية لا رجعة فيها. وهي تتجاوز حياة المسيح على الأرض، إذ إن المسيح باق معنا إلى نهاية العالم (متى 28/20)، وتصل إلى أقصى حدّ إذ إن الله الآب يرتضي بموت الابن لكي تكون الحياة للعالم (روما 5/8). « فإن الله أحبّ العالم حتى إنه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا 3/16)، ولكي يصبح البشر أبناء الله» (1 يوحنا 3/1).

8-                وبدوره يسوع عاش على الأرض محبة الله للبشر حتى النهاية، حتى أنه بذل ذاته وارتضى أن يموت على الصليب ليتمّم مشيئة الله الآب بالحب المتفاني؛ وما ذلك إلا «ليعرف العالم أني أحب الآب وأني أعمل كما أوصاني الآب» (يوحنا 14/31). « فأحبّ يسوع خاصته الذين في العالم، وبلغ به الحبّ لهم إلى أقصى حدوده» (يوحنا 13/1). وكما أحبّه الآب كذلك أحبّهم هو أيضاً وطلب منهم أن يثبتوا في محبته وأن يحبوا بعضهم بعضاً كما هو أحبّهم (يوحنا 15/9-12). وفيما يذكّرهم يسوع بالوصيتين الكُبريَين وهما: «الوصية الأولى: أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك وكل قوتك. والثانية: أحبب قريبك حبك لنفسك» (مرقس 12/29-31)، يشدّد على أنه يترك لهم وصية وحيدة، « أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم»، وعليهم أن يعيشوها فيعرف العالم أنهم حقاً تلاميذه. إنها محبة الإخوة، محبة القريب. إنها المحبة « كمال الشريعة» (روما 13/10).

9-               المحبة إذاً هي جوهر حياة المسيحيين اليومية وديناميتها. فالحياة البشرية قائمة على تبادل الحب بيننا وبين الله. « إذا قال أحد إني أحب الله وهو يبغض أخاه كان كاذباً، لأن الذي لا يحبّ أخاه وهو يراه لا يستطيع أن يحبّ الله وهو لا يراه» (1 يوحنا 4/20). إنها محبة القريب التي تعيدنا إلى قراءة مثل السامري الصالح (لوقا 10/25-37). فالقريب هو الذي عامله بالرحمة. وكانت أمثولة يسوع ووصيته: «إذهب واصنع أنت أيضاً كذلك».

المحبة التي فينا وعلينا أن نعيشها هي جواب على محبة الله لنا وهي مناسبة لنبادله تلك المحبة من خلال إخوة يسوع هؤلاء الصغار. وأعمال المحبة هي التي ستديننا يوم يدعونا الله إليه (متى 25/31-46). تقتضي منا المحبة إذاً أن نتضامن مع الجائع والعطشان والغريب والمريض والسجين والمهمّش والمظلوم وأن نعمل من أجل إحلال العدالة والسلام في مجتمعاتنا.

 

ثالثاً: الخدمة والمحبة مرتبطتان.

10-           نستنتج أخيراً أن الخدمة والمحبة مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً في حياة يسوع المسيح وفي حياة الكنيسة وفي حياة كل مسيحي يريد أن يتبعه وأن يثبت في محبته.

و« خدمة المحبة هي عنصر مكوّن لرسالة الكنيسة ومعبّر عن جوهرها. فلا تستطيع التخلّي عن هذه الخدمة لأنها تندرج في وصية يسوع المسيح الجديدة: « هذه وصيتي أن تحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم» (يوحنا 15/12). وتقع المسؤولية الأولى لتنظيم خدمة المحبة وممارستها على مطران الأبرشية بوصفه من خلفاء الرسل»([7]).

لذلك اخترت أن أكون بينكم كالخادم، وأن أخدمكم مجاناً ودون أن أنتظر مكافأة سوى أني أعمل مشيئة الذي أوكلني رعاية شعبه؛ وأن أحبّكم كما يحبّكم الرب يسوع، حتى بذل الذات، وأن « أصبر في المحبة على كل شيء، وأعذر كل شيء وأستر كل العيوب» (1 قور 13/4-7)، وأن أغفر وأسامح كما تربيت منذ صغري في عائلتي الكهنوتية والرهبانية. هدفي أن أخدمكم في المحبة وأن أصبح بالمسيح « كلاًّ في الكلّ» (قولسي 3/11).

  

الفصل الثاني

مشروع خدمتي الأسقفية في أبرشية البترون

 

11-          المشروع الذي وضعته لخدمتي الأسقفية في أبرشية البترون هو مشروع  كنيستنا المارونية للقرن الحادي والعشرين، أي المشروع الذي صاغه آباء المجمع البطريركي الماروني – وقد كنت أمين السرّ فيه منذ بدء أعماله التمهيدية في تموز 1985 مع الخوري يواكيم مبارك والرابطة الكهنوتية وحتى اختتامه في حزيران 2006 – لتجدُّد الكنيسة في أشخاصها ومؤسساتها ورسالتها الريادية في الشرق والغرب، وذلك بالعودة إلى الينابيع الروحانية وإلى عناصر هويتنا الأنطاكية السريانية وبالإلتزام بعيش التجدّد في كل الميادين الدينية والكنسية والتربوية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية والإعلامية. وهذا ما دعانا إليه الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي «رجاء جديد للبنان»([8]) وفي رسائله ونداءاته المتكررة. وهو المشروع الذي تبنّاه غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي وأخذ على عاتقه العمل على تطبيقه تحت شعار « شركة ومحبة». وقد عبّر عن إرادته هذه في رسالته العامة الأولى التي وجهها إلى «المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات وسائر المؤمنين أبناء وبنات كنيستنا المارونية وإلى ذوي الإرادات الصالحة» في 25 آذار 2012، عيد بشارة العذراء مريم.([9]) ولا عجب في ذلك لأنه رافق مسيرة المجمع البطريركي منذ بدايتها إذ كان عضواً في اللجنة المجمعية.

وأنا مقتنع أن أي تجدّد في كنيستنا لا ينطلق إلا بالعودة إلى روحانية قنوبين النسكية، كما كان يردّد العلاّمتان الكبيران الخوري يواكيم مبارك والخوري ميشال الحايك.

وانطلاقاً من هذا المشروع، وضعت في سلّم أولوياتي الراعوية نقاطاً ثلاثاً: التجدّد الروحي والتجدّد في الأشخاص والتجدّد في المؤسسات.

 

أولاً: التجدّد الروحي

12-           نبني تجدّدنا الروحي على ركائز ثلاث: كلمة الله في الكتاب المقدس والصلاة وشهادة الحياة. والسنة الماضية كانت في الكنيسة سنة الكتاب المقدس كما أن هذه السنة هي سنة الإيمان. وكما طالبنا السنة الماضية أن يدخل الكتاب المقدس كل بيت وأن يكون مرجعاً لكل مؤمن ولكل الجماعات والمنظمات والحركات في الكنيسة، كذلك نطالب اليوم أن تكون سنة الإيمان مناسبة « للتعمّق في إيماننا المسيحي، وللّقاء الشخصي بيسوع المسيح مبدأ إيماننا وطريقنا إلى الله الآب بالروح القدس» على المستويات كافة ([10]).

والصلاة، كما علّمنا السيد المسيح وكما عاشها كلما كان يبتعد إلى مكان قفر ليصلّي (مرقس 1/35)، هي حاجة الإنسان إلى الله؛ هي صِلة مع الله؛ هي وسيلة لكي يوطّد كل مؤمن علاقته بالله الآب بيسوع المسيح الذي أعاد بناء العلاقة بين الإنسان والله. لذا فإننا نطلب أن تكون الصلاة أولوية في بيوتنا وعائلاتنا ورعايانا وجماعاتنا فنبتعد ولو لوقت عن همومنا لنختلي مع الله.

و« تجدُّدُ الكنيسة يمرّ أيضاً من خلال الشهادة التي يُقدّمها المؤمنون في حياتهم»([11])، والتي هي «جزء من دعوة الكنيسة الأصلية وأولى أشكال الرسالة»([12]).

« والشهادة تجد في الصلاة مصدرها، كما أظهر يسوع نفسه عندما اختلى بذاته للصلاة خلال الأوقات المصيرية من حياته»([13]).

لذا إني أعطي للتجدّد الروحي أهمية كبرى، وبخاصة أن أبرشيتنا تحوي ذخائر وضرائح القديسين: هامة مار مارون في كفرحي، ضريح القديسة رفقا في جربتا، ضريحي القديس نعمة الله والطوباوي الأخ اسطفان في كفيفان، وضريح البطريرك الياس الحويك في عبرين، ونأمل أن يُعلن مكرّماً وطوباوياً في القريب العاجل. وأطلب أن تكون أديارنا مراكز صلاة وفكرٍ وإشعاع روحي؛ وأن تكون رعايانا واحاتٍ روحيةً يصلّي فيها المؤمنون ويضجّ فيها النشاط الرسولي وتنمو فيها الحركات والمنظمات الرسولية والدعوات الكهنوتية والرهبانية.

 

ثانياً: التجدّد في الأشخاص.  

13-          عقدتُ العزم أن أبدأ مسيرة التجدّد بنفسي، على أن تشمل إخوتي الكهنة والرهبان والراهبات، ثم تنسحب على العلمانيين وبنوع خاص على الشبيبة والطلاب الإكليريكيين والعائلة، الذين أوليهم أهمية كبرى، لنتجدّد بالعودة إلى أصالة الدعوة التي دعانا إليها المسيح؛ فنلتزم معاً في خدمة شعبنا بالتجدّد والتضحية والعطاء والتضامن مع سائر العلمانيين بحيث نشهد لحضور المسيح في أبرشيتنا.

الأسقف

14-          في خدمتي الأسقفية المثلثة في التعليم والتقديس والتدبير، أنا مقتنع بأن التجدّد « ينبع قبل كل شيء من عمل الروح القدس» وأعتبر أن « الإنجيل المقدس هو ينبوع كل تجديد في حياتي، وهو تشبّه وتمثّل واقتداء بالراعي الأوحد يسوع المسيح، راعي الرعاة، الذي بذل نفسه عن الخراف»([14])، وأن كنزي الذي لا ينضب أجده في « كلمة الله في الكتاب المقدس وفي نصوص ليتورجيتنا الأنطاكية السريانية»([15]).

لذا فإني سأجتهد من أجل تحقيق تجدّدي الشخصي في حياتي الروحية والرسولية، والسير على خطى الآباء القديسين بعيش الزهد في ملذات هذه الدنيا والالتزام بالروح المجمعية مع إخوتي الأساقفة حول رأس كنيستنا ومرجعها البطريرك، والتعاطي بمحبة أبوية مع الجميع، بالاتكال على مريم والدة الإله وأم الكنيسة التي اتخذتُها أماً لي وأعهد إليها ذاتي وأبرشيتي.

وأتعهد أن أعيش بحسب ما يطلب قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في إرشاده الرسولي الكنيسة في الشرق الأوسط أن « يعمل الأساقفة دوماً من أجل التجدّد الشخصي لأنفسهم. ويقظة القلب هذه تتحقق أولاً عبر حياة قوامها الصلاة والتجدّد والبذل والإصغاء؛ ومن ثم، بصفتهم رسلاً ورعاة، في البساطة والفقر والتواضع، وأخيراً بحرصهم المتواصل على الدفاع عن الحقيقة والعدل والأخلاق وقضايا الضعفاء»([16]). 

الكهنة.

15-          التجدّد يشمل إخوتي الكهنة الذين أكوّن وإياهم الجسم الكهنوتي الواحد في الكنيسة المحلية، جسد المسيح السرّي في البترون. وإنهم، إذ « يشاركون في مهمة الأسقف بصورة تربطهم دوماً به»([17])، يتحمّلون معه مسؤولية تعليم شعب الله وتقديسه ورعايته. فأصبح من الضروري أن « يعمّقوا حياتهم الإيمانية لخير المؤمنين» وأن يعيشوا كهنوتهم « كينبوع تقديس للمعمدين ولرقيّ كل إنسان»([18]).

لذا فإني سأعمل معهم على تحقيق ما يوصيهم به المجمع البطريركي الماروني، أي « أن يعمّقوا اتحادهم بالمسيح لكي يكونوا شهوداً له وعلامة لحضوره عبر القيام بخدمتهم الرعوية، والمثابرة على قراءة الكتاب المقدس والصلاة الفردية والجماعية والتأمل والاسترشاد»، وأن يعتنقوا « حياة بسيطة تكون بعيدة عن مظاهر الترف وتؤدي شهادة للمسيح»، وأن يعملوا على « عيش الأخوّة والتضامن في ما بينهم وعلى تعزيز الحياة المشتركة وتنمية روح المسؤولية المشتركة مع العلمانيين»([19]).

ولكي يقوم الكهنة بالخدمة الرعوية المطلوبة والمتطلبة في أيامنا، يوصي المجمع البطريركي – كما يوصي المجمع الفاتيكاني الثاني والقوانين الكنسية – بأن يتفرغوا للإهتمام بالمؤمنين والعناية بهم ومرافقتهم؛ ويوصي في المقابل بأن تؤمّن لهم معيشة لائقة وكريمة.

هذا ما جعلني أعمل جاهداً على تعزيز صندوق تعاضد الكهنة، الذي أسسهُ سلفي سيادة المطران بولس آميل سعاده، بالتعاون مع المؤمنين ولجان الأوقاف من أجل تأمين الضمان الصحي وضمان الشيخوخة ومعاش شهري يسمح لهم بعيش كريم.

وإني أعمل على تشجيع تنشئة الكهنة المستمرّة وإرسال بعضهم للتخصص لكي يسهموا في مواكبة التقدّم الثقافي والعلمي الذي يحظى به أبناء منطقة البترون.

الرهبان والراهبات

16-          إني أعتبر أن الحياة الرهبانية، بمواهبها المتنوعة، هي عطية من الله لشعبه وكنز ثمين في الكنيسة. وبما أن كنيستنا المارونية تعتبر « تجدّد الحياة الرهبانية المتواصل فيها عنصراً يسهم في تجديدها بأسرها، تقرّ الرهبانيات بأن كل ازدهار للكنيسة المارونية هو ازدهار لحياتها نفسها»([20]). والتجدّد في رهبانياتنا يمرّ عبر ما يوصي به المجمع البطريركي الماروني « بتعزيز الحياة الديرية المشتركة لإبراز روح الإنجيل وكاريزما الرهبانية»، «بالتوازن بين الصلاة والتأمل والعمل»، و«بالاهتمام بالأرض واستثمارها ومواصلة جهودها في تنمية القطاع الزراعي، بحيث تسهم في إنماء المجتمع وفي الحدّ من الهجرة المتنامية»([21]).

هذا ما جعلني أبدأ خدمتي الأسقفية بالإنفتاح على الرهبان والراهبات والمكرّسين، الذين اعتبر حضورهم نعمةً وعطيّة خاصة من الله، والمكرّسات في الأبرشية داعياً إياهم إلى عيش مواهبهم في التجذّر الإنجيلي وفي النسك والحياة الجماعية وفي الصلاة والعمل بحيث تكون أديارهم محجّة للمؤمنين الذين ينشدون اللقاء مع الله والعودة إلى الذات والتعمق في الإيمان.   

الشبيبة والطلاب الإكليريكيون.

17-          إنهم مستقبل الوطن والكنيسة ورجاؤهما، ويستحقون مني كل اهتمام.

يعيش شبابنا اليوم صعوبات كبيرة وتحديات جمّة. اختصرها قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في لقائه معهم في بكركي في 15 أيلول 2012، قائلاً لهم:

« أعرف الصعوبات التي تعترضكم في حياتكم اليومية وهي تتجلّى في غياب الاستقرار والأمن أو في صعوبة إيجاد عمل أو في الشعور بالوحدة والإقصاء. في عالم دائم الحركة، تجدون أنفسكم أمام تحديات كثيرة وعسيرة. وحتى البطالة والأخطار يجب ألا تدفعكم إلى تذوّق العسل المر للهجرة مع الاغتراب والغربة من أجل مستقبل غير أكيد».

ويدعوهم إلى الرجاء قائلاً:

« كونوا شباباً في الكنيسة، كونوا شباباً مع الكنيسة، والكنيسة تحتاج إلى حماسكم وإبداعكم. لا تخافوا. إفتحوا أبواب أرواحكم وقلوبكم للمسيح»([22]). ويدعوهم إلى أن « ينمّوا على الدوام صداقة حقيقية مع يسوع بقوة الصلاة، وإلى المواظبة الدائمة على الأسرار التي تتيح لقاءً حقيقياً مع الله ومع الاخوة في الكنيسة»([23]).

وبما أن الكنيسة هي « معلّمة الشبيبة وخادمتهم، فلا بدّ لها من أن ترافقهم على دروب الحياة وتنشّئهم لتساعدهم على أن يكونوا شهوداً أصيلين للمسيح. ولن تتمكن الكنيسة من القيام برسالتها هذه ما لم يعش الرعاة المنشّئون حياة شهادة أمامهم»([24]).

لذا فإنه لا بدّ من « إعداد كهنة ومرشدين قادرين على فهم الشبيبة وتنشئتهم في المحبة والحقيقة، فيكونون بمثابة الأب الروحي الذي يرافقهم في الرعية والمدرسة والجامعة والحركات الرسولية»([25]).

من هنا أهمية أن يكون طلابنا الإكليريكيون – وهم كهنة الغد ويحملون مسؤولية ما ستكون عليه كنيستنا في العقد الثاني والثالث والرابع من الألفية الثالثة – قريبين من معاصريهم الشباب وأن يحملوا همومهم وآمالهم، ويكونوا جسر التواصل بين الشبيبة والرعاة في الكنيسة، ويلفتوهم إلى إنتمائهم إلى الكنيسة، ويلتزموا معهم في الرعايا والجمعيات والجماعات الكنسية وفي القضايا الإنسانية والإجتماعية، ويتحمّلوا مسؤولياتهم في بناء حضارة المحبة والعدالة والسلام ويتحلّوا بروح التضامن والمشاركة. 

العائلة.

18-          إني أولي أهمية خاصة لراعوية العائلة نظراً إلى ما تعاني العائلة اليوم من صعوبات وما تواجه من تحديات وأخطار تتجسّد في « حياة عائلية تتفكك من جراء هجرة الأب أو الأبناء سعياً وراء عمل أو تحصيل مهارة إضافية، أو حياة عائلية تتفسّخ من جراء صعوبات مادية متفاقمة، أو حياة عائلية تتآكل من جراء مفهوم خاطئ لاستقلال الأزواج فيما بينهم أو ذهنية معادية للإنجاب»([26]). كما تواجه تحديات ثقافية ودينية وإجتماعية وأخلاقية من جراء «التحولات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وتطور الظروف الحياتية وواقع الهجرة»([27]).

ولدرء هذه المخاطر، عملنا على تأسيس مركز الإعداد للزواج والإرشاد العيلي في رعية البترون منذ سنة 1994، ما لبث أن تحوّل مركزاً أبرشياً، يلتزم فيه فريق من أزواج مؤهلين ومختبرين يعملون بالتنسيق مع الكهنة.

وبما أن الكنيسة تعلّم أن « الأسرة هي الكنيسة الصغرى، ومدرسة الحب والموقع الأول للشهادة المسيحية والرسولية»([28]) وأنها « مؤسسة إلهية مبنية على الزواج كما أراده الخالق نفسه»([29])، كان من واجبنا أن ننشئ لجنة العائلة في الأبرشية لتسهر على العائلات وتنشر القيم المسيحية وتعاليم الكنيسة.

وإني، مع قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، أدعو عائلاتنا المسيحية إلى أن « تتجدّد دوماً بقوة كلمة الله والأسرار، لتكون أكثر فأكثر الكنيسة البيتية التي تربي على الإيمان والصلاة، ومشتل الدعوات، والمدرسة الطبيعية للفضائل والقيم الأخلاقية، والخليّة الحيّة والأولى للمجتمع»([30]). وأقول لها مع الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني: « إن مستقبل البشرية يتوقف على العائلة»([31]).    

العلمانيون.

19-          أما العلمانيون بشكل عام الذين أصبحوا بفعل سرّ المعمودية « أعضاء في الكنيسة جسد المسيح السرّي ويكوّنون، مع الذين هم أعضاء في الدرجة المقدسة والحالة الرهبانية، شعب الله، وأصبحوا شركاء في وظائف المسيح الكهنوتية والنبوية والملكية»، فإنهم يمارسون «رسالة الشعب المسيحي كله، في الكنيسة وفي العالم، كل حسب موهبته»([32]).

لذا فإنهم مدعوون، من خلال كهنوتهم العام، إلى القداسة أولاً، ليتقدسوا ويقدسوا العالم الذي يعيشون فيه، وإلى الالتزام الفاعل والمسؤول ثانياً في كنيستهم وفي مجتمعهم. والكنيسة تفتح لهم مجالات واسعة ليقوموا بدورهم في البنى الكنسية كما يقومون به في البنى المدنية.

« ويتطلّب الالتزام الفعلي الحقيقي في البنى الكنسية من كل علماني عدم الاكتفاء بالانتساب الإجتماعي الطائفي، بل التعمق في الإيمان الحيّ من خلال الحياة الإيمانية العميقة والتنشئة المستمرّة والتمتع بروح الشركة الكنسية والإستعداد لوضع مؤهلاته في خدمة الكنيسة»([33]).

وإيماناً مني بأن للعلمانيين دوراً في بناء الكنيسة وتحقيق الملكوت، دعوت عدداً كبيراً منهم ومنحتهم ثقتي وأوكلت إليهم مسؤوليات في المجالس واللجان الأبرشية والرعائية؛ وبالمشاركة مع إخوتي الكهنة والرهبان والراهبات، بدأنا نعمل معاً بروح كنسية متجدّدة ومنهجية علمية. وبدأنا معاً مسيرة المأسسة في الأبرشية.     

 

ثالثاً: التجدّد في المؤسسات

20-          إني مقتنع أن ورشة المأسسة في الأبرشية تتطلب مسيرة طويلة. ولكني، عملاً بالقوانين الكنسية - الشرع العام ومجموعة قوانين الكنائس الشرقية والشرع الخاص بالكنيسة المارونية- التزمتُ بما وضعتُ في أولويات برنامجي وأخذت على نفسي أن أعمل على مأسسة الأبرشية والرعايا تماشياً مع متطلبات العصر مستفيداً من التقنيات الحديثة بهدف أن تكون شاهدة لحضور المسيح في خدمة المحبة. فالقوانين تنظم الأبرشية في هيكلية مؤسساتية متكاملة وتحدّد حقوق الأسقف الأبرشي وواجباته، كما ترسم أطر التعاون بين الأسقف والكهنة والعلمانيين لخدمة شعب الله.

تشكّل الهيكليات المؤسساتية في الأبرشية « وسيلة تمكّن الأسقف من تحقيق التزامه الدائم بإعلان إنجيل المسيح لخلاص العالم وسط حاجات ماسّة وجديدة تدعو إلى مشاركة جميع قوى شعب الله الحيّة». وتجسّد الشركة في الكنيسة، التي تقود الأسقف إلى اعتماد نهج راعوي منفتح على التعاون مع الجميع فيتمكّن حقاً من « أن يسوس أبرشيته بممارسة سلطته وسلطانه المقدس، وبمشوراته وتوصياته ومثله».

و« تتخذ هذه الشركة صورة الدائرة المتمحورة حول الأسقف الذي يشكّل نقطتها المركزية في ما يتخذ من قرارات، بحكم مسؤوليته الشخصية، لخير الكنيسة الموكولة إليه»([34]).

والمجمع البطريركي الماروني يضعنا في «عنصرة جديدة وأمام تحدٍّ كبير هو استحقاق مارونية الأزمنة الجديدة الذي يتطلب استحداث جميع الوسائل الممكنة للحفاظ بأمانة على الهوية المارونية ونقل الوديعة من جيل إلى جيل وبسطها وشرحها والعيش بموجبها. لكل هذه الأسباب باتت الهيكلية المؤسساتية في كل أبرشية ضرورة على الصعيدين الراعوي والقانوني في كنيسة السرّ والشركة والرسالة»([35]).

الأشخاص

21-          وتتألف الهيكلية المؤسساتية من أشخاص ومجالس محدّدة في القوانين. وقد وضع أنظمتها الداخلية الشرع الخاص بالكنيسة المارونية.

بدأتُ ورشة المأسسة، بعد إجراء مشاورات مع الكهنة والعلمانيين، أولاً بتعيين الأشخاص الذين يؤلفون دائرة الأبرشية ويقومون بوظائف خاصة بها، ثم بتعيين المجالس واللجان التي هي مؤسسات قانونية لها صلاحيات إستشارية.

في ما يتعلق بالأشخاص عيّنت أولاً النائب العام، و«وجوده واجب في الأبرشية لأنه يتمتع بحكم وظيفته بسلطان مألوف ونيابي، يمارسه بالنيابة عن الأسقف وفق أحكام الشرع العام؛ وهو بذلك يساعده بإدارة الأبرشية بكاملها»([36]).

ثم عيّنت القيّم الأبرشي، الذي « يدير بتوكيل من الأسقف أموال الأبرشية الزمنية ويضبط إدارة الأموال في رعاياها ويعتني بحفظها وحمايتها وتنميتها، ويتعاون مع مجلس الشؤون الإقتصادية»([37]). وهو يعمل على إنشاء دائرة مالية يتعاون فيها مع علمانيين من أجل ضبط المحاسبة وتأمين الشفافية اللازمة.

ثم عيّنت علمانياً رئيساً للقلم الذي «يحمل صفة مسجل رسمي، ومهمته السهر على تسجيل الأعمال وتبليغها وحفظها في خزانات الدائرة. ويعنى بشكل خاص بأعمال الدائرة ومحفوظاتها، وبجميع المستندات والصكوك الخاصة بالأبرشية والكنائس»([38]).

وعيّنت أخيراً أشخاصاً لوظائف عائدة إلى الدائرة الأبرشية، ومنها: شؤون الكهنة، الدعوات، الشؤون الطقسية، التعليم المسيحي، تعزيز رسالة العلمانيين والمنظمات الرسولية، راعوية العائلة، حفظ التراث والفن الكنسي.

في ما يتعلق بالمجالس واللجان، باشرتُ بإنشاء المجلس الكهنوتي ثم مجلس الشؤون الإقتصادية فاللجان.

المجلس الكهنوتي

22-          وهو يمثل الجسم الكهنوتي الملتف حول الأسقف و« يساعد بمشورته الأسقف في تأمين حاجات العمل الراعوي وخير الكنيسة»([39]).

يتألف المجلس الكهنوتي من كهنة ورهبان يعملون في الأبرشية، وهم معاونو الأسقف ويمدّونه بالمشورة والمؤازرة في ما يتعلق برعاية الأبرشية»([40]). أكثر من نصف أعضاء المجلس ينتخبهم إخوتهم الكهنة. أما الباقون فهم إما أعضاء بحكم المنصب وإما يعيّنهم الأسقف.

وفي مؤازرتهم للأسقف، يعمد أعضاء المجلس الكهنوتي في الأبرشية إلى تعزيز الخير الراعوي لجميع أبناء الأبرشية، وتأمين النموّ الروحي للكهنة وتعزيز وحدتهم ورسالتهم المشتركة، وإحياء حوار مستمر بين الكهنة والأسقف، ودرس الحاجات الراعوية واقتراح برامج ومبادرات تساهم في حيوية الكنيسة المحلية([41]).

مجلس الشؤون الإقتصادية.

23-          وأنشأتُ بعد ذلك مجلس الشؤون الإقتصادية، وفقاً للقوانين، بهدف أن يعاونني في «إدارة أموال المطرانية الزمنية، والرعايا والأشخاص القانونيين التابعين للأبرشية، وفي رسم سياسة مالية عامة للأبرشية»([42]). وعيّنت في هذا المجلس، بالإضاقة إلى النائب العام والقيّم الأبرشي، عشرة أعضاء علمانيين « يتصفون بالنزاهة والخبرة والفطنة والغيرة والأمانة» والإلتزام الكنسي، وفيهم المحامي ومدير البنك والمهندسون في مختلف الإختصاصات وخبراء في التخطيط والإنماء والإعمار والشؤون العقارية والشؤون الإقتصادية([43]).

وبدأنا العمل معاً على إجراء مسح شامل لكل ما تملكه أبرشية البترون من أملاك وعقارات بغية الإفادة منها في دراسة إمكانيات الأبرشية ووضع سياسة مالية وخطة إنمائية لأبرشيتنا ومنطقتنا.

ثم رحنا نشجع أبناء منطقتنا ومواطنينا ونضع في تصرّفهم العقارات الشاسعة من أجل إنشاء مشاريع استثمارية وزراعية تعود بالفائدة عليهم وعلى المنطقة وعلى المطرانية.

 

المجلس الراعوي الأبرشي

24-          أما المجلس الراعوي الأبرشي، وهو «هيئة كنسية استشارية تعضد مطران الأبرشية في رسالته، وتسهم معه في التبشير بالإنجيل وتقديس النفوس وتدبير رعاية الجماعة المؤمنة، بالتعاون بين الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين»([44])، فقد تركت مسألة إنشائه إلى حين الإنتهاء من تعيين المجالس والهيئات واللجان في الأبرشية.

يتألف هذا المجلس من «كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين يمثلون المجالس واللجان ومختلف الفئات والمنظمات الرسولية والجمعيات الثقافية والإجتماعية. ولذلك فهو خير وسيط للقيام بالعمل الرسولي المشترك وتجسيد الشركة الكنسية التي يشكّل الأسقف مبدأ وحدتها»([45]). ويعنى هذا المجلس بإطلاق الأعمال الراعوية في الأبرشية وتنشيطها وتقييمها واقتراح مبادرات عملية بشأنها، منها ما يتعلق مثلاً بشؤون الأسرة والشبيبة، والتربية، والنشاط الراعوي والإجتماعي والثقافي والتربوي، والتوثيق والإعلام، والعلاقات العامة، والتخطيط والمشاريع.

اللجان

25-          ثم بدأت بتعيين اللجان، الواحدة تلو الأخرى، على رأس كل واحدة منها مرشد أو رئيس، عاهداً إليها الرسالة الخاصة بها على أن تعمل بجدّ ونشاط مستلهمة دوماً تعليم الكنيسة الجامعة والباباوات وتعليم كنيستنا المارونية لا سيما في المجمع البطريركي الماروني. وطلبت منها أن تقدم موازناتها إلى مجلس الشؤون الإقتصادية لنستطيع أن ندعمها في تفعيل نشاطاتها.

واللجان هي التالية: لجنة التعليم المسيحي، لجنة الطقوس، الفريق الرسولي، لجنة الدعوات، لجنة الشبيبة، اللجنة الإقليمية لرابطة الأخويات، اللجنة الإقليمية لأخويات طلائع العذراء، اللجنة الإقليمية لأخويات فرسان العذراء، لجنة التوأمة، لجنة راعوية الخدمات الصحية، لجنة المعوّقين وذوي الحاجات الخاصة، لجنة مرافقة المساجين والمهجرين والعمال الأجانب، لجنة إدارة صندوق تعاضد الكهنة.

ثم عيّنت مكتباً جديداً لرابطة كاريتاس التي هي جهاز الكنيسة الإجتماعي وتعمل بحسب القيم التي تستلهمها من تعاليم الكنيسة في الشأن الإجتماعي. وهي تتلخص في احترام كرامة الإنسان وتعزيز حقه في الحياة الكريمة، وفي التضامن في محبة الفقراء، وفي تشجيع الإعتماد على الذات. وكلَّفنا رئيس وأعضاء المكتب الجديد، الذين تبنّوا شعاري وبرنامجي في خدمة المحبة، أن يسيروا في هذا التوجه وأن يعملوا بإشراف راعي الأبرشية وبالتنسيق الكامل مع الكهنة خَدَمة الرعايا كي يكونوا جهاز الكنيسة المحلية الإجتماعي التي تريد أن « ترافق إعلان الإنجيل بأعمال المحبة وفقاً لطبيعة المحبة المسيحية نفسها، وتلبيةً للحاجات المباشرة للجميع من دون تمييز ديني أو عرقي أو إتني أو إجتماعي أو سياسي، وذلك فقط بهدف أن تحيا على الأرض محبة الله للبشر»([46]).

26-          ولكنه يبقى عليّ أن أنشئ لجنة خدمة المحبة في الأبرشية التي أجمع فيها، إلى جانب كاريتاس، المؤسسات الكنسية التي تخدم في الشأن الإجتماعي بهدف أن نقوم بعمل كنسي وبخدمة أشمل تطال العدد الأكبر من المحتاجين إلى محبة، تماماً كما فعلت في رعية البترون.

ويبقى عليّ كذلك أن أنشئ لجنة الخدمة التربوية التي تجمع رئيسة جامعة العائلة المقدسة ورؤساء ومدراء المدارس الخاصة والرسمية في الأبرشية لتساندني في تحمّل رسالتي التعليمية. ولأن « الكنيسة مدعوة إلى أن تكون مربّية الأشخاص والشعوب»، إني سأدعو مدارسنا إلى أن تشارك بفعالية في رسالة الكنيسة وأن تتابع أعمالها في خدمة أولادنا وشبابنا « المحتاجين إلى الحصول على الأسس الثقافية والروحية والخلقية التي ستجعل منهم مسيحيين ناشطين، وشهوداً للإنجيل، ومواطنين مسؤولين في بلدهم»([47]).

الرعية والعمل الرعوي. 

27-          والتجدّد في الكنيسة يمرّ بالتأكيد عبر الرعية التي « تمثّل نوعاً ما الكنيسة المنظورة القائمة على الأرض»([48])، والتي « تكوّن الخليّة في الأبرشية وتقدم نمطاً رائعاً للعمل الرسولي الجماعي، لأنها تجمع في الوحدة كل ما فيها من تنوع إنساني، وتدخله في جامعية الكنيسة»([49]).

والرعية «تضمّ جماعة المعمدين وتكوّن جسد المسيح السرّي الذي يجتمع بقوة الروح القدس من خلال ارتباطها الجذري بالكنيسة المحلية، أي الأبرشية، ومن خلال اتحادها بالأسقف الذي يمثل المسيح الرأس، وذلك عبر الخوري الذي يقوم برسالته بالشركة والاتحاد التامّين مع أسقف الأبرشية». وهي « الرحم الذي يلد أبناء الله لا سيما في أسرار التنشئة المسيحية. إنها بالدرجة الأولى جماعة إفخارستية لكونها المكان الذي يجتمع فيه المؤمنون للاحتفال بالإفخارستيا يوم الأحد»([50]).

لذلك أرى أنه من واجبي أن أعمل، مع كهنة الرعايا، على تعزيز الإنتماء الرعوي وتشجيع التنشئة المسيحية لأبناء الرعايا ودعوتهم إلى المشاركة في الاحتفالات الدينية وفي قبول الأسرار وإلى الانضمام إلى المؤسسات والمنظمات الرسولية.

وكي تقوم رعايانا برسالتها، كان لا بد من العمل على تجديدها بكهنتها وبمؤسساتها، لا سيما لجان الوقف والمجالس الرعائية. فبدأت بمشاورات توصلت بعدها إلى إجراء بعض التبديلات في كهنة الرعايا بما يتناسب مع مواهب الكهنة وحاجات الرعايا.

 

لجان الوقف

28-          ثم باشرتُ، بالتنسيق مع مجلس الشؤون الإقتصادية، بالعمل على تجديد لجان الوقف نظراً إلى ما لها من دور أساسي في إدارة شؤون الرعية.

« وبما أن المسؤوليات والحاجات في الرعية باتت في عصرنا كبيرة ومتشعبة فإن الواقع يفرض علينا مأسسة لجنة الوقف بطريقة علمية تبدأ بتوعية أعضائها على المسؤولية الكنسية بأبعادها كافة من خلال اجتماعات على مستوى القطاعات في الأبرشية وعلى مستوى الأبرشية بشكل عام، على أن تتوافر المتابعة من خلال دائرة مالية في المطرانية للتدقيق العلمي في الحسابات وتطبيق القوانين، إضافة إلى اعتماد نظام محاسبيّ موحّد ومتطور»([51]).

وبعد أن نظم القيّم الأبرشي الدائرة المالية ووضع نظاماً محاسبياً متّبعاً في البطريركية المارونية وبعض الأبرشيات، دعونا لجان الوقف بحسب القطاعات الثلاثة- الساحل والوسط والجرد- إلى إجتماعات عامة شرحنا في خلالها روحية الخدمة الكنسية التي نعمل بوحيها وتصوُّرَنا للتجدّد بحسب ما تتطلبه القوانين الكنسية التي تنصّ على أن واجبات لجنة الوقف هي « معاونة كاهن الرعية في تحقيق الغايات من الأموال الكنسية وهي: تنظيم العبادة العمومية، وتأمين معيشة لائقة للكهنة وسائر الخدام الكنسيين، والقيام بأعمال الرسالة، وممارسة المحبة لا سيما تجاه الفقراء». وتقضي بأن يعيّن مطران الأبرشية أعضاء اللجنة من أبناء الرعية المقيمين فيها، ومن ذوي السيرة الحسنة، وممارسي الواجبات الدينية، والمتحلّين بالفطنة والخبرة»([52]). ثم وزعنا على الحاضرين كتيّب النظام الداخلي للجان الوقف في الرعايا. وكان التفهّم والتجاوب كبيرين من قبل لجان الوقف. وعقدنا العزم على التعاون البنّاء في سبيل تجدّد رعايانا وتأمين معيشة لائقة لكهنتنا.

المجالس الرعوية

29-          أما المجالس الرعوية، التي يُعتبر تأسيسها وتفعيلها من « الأولويات لتجديد الأعمال الرعوية وتطويرها وتعميقها»([53])، فهي موجودة في بعض رعايا الأبرشية الكبيرة وغائبة عن أكثرية رعايانا نظراً إلى صغر حجمها وإلى نزوح أبنائها إلى المدن والسواحل. لكن القوانين الكنسية تأمر([54])  والحاجة تقضي بأن ننشئ في كل رعية مجلساً أو هيئة تجمع مندوبين من « الرهبانيات ومن مختلف الجماعات والمنظمات الكنسية العاملة في الرعية ومن ذوي الكفاءات وأصحاب الاختصاص الملتزمين برسالة الكنيسة»([55]). لذا فإني سأسعى مع إخوتي الكهنة إلى إنشاء مثل هذا المجلس في إطار كل رعية بهدف الإسهام في « إنعاش حياة الرعية، والإفساح في المجال أمام مختلف أبناء الرعية ليتعاونوا في القيام برسالتهم، وتنظيم هذا التعاون، وتفعيل العمل الرعوي»([56]).

 

 

الفصل الثالث

الخدمة والمحبة في الممارسة.

أولاً: المنهج الرسولي

30-          إن شعار الخدمة والمحبة يكتمل بالممارسة. لذلك أخذت على نفسي أن أعيشه في ممارسة خدمتي الأسقفية متّبعاً منهج الرب يسوع الرسولي، أي:

-       أن أطوف في المدن والقرى لأعلّم وأعلن للناس بشارة الملكوت (متى 9/35) وأعلن لهم أن الله يحبّهم وأنهم معنيون بتحقيق الملكوت. وأنا أعرف تمام المعرفة أن أبرشيتي تتنفّس برئتيها، البترون وتنورين، وبين الرئتين قلب نابض بالحيوية والنشاط، كفرحي، المقرّ البطريركي الأول ومزار هامة مار مارون.

-       وأن أمنح الأسرار للمؤمنين والتائبين فيتقدسوا، وأعطيهم ليأكلوا جسد الرب ويشربوا دمه فينالوا الحياة الأبدية (يوحنا 6/53).

-       وأن أرعى بعين ساهرة كل الذين أوكلهم الرب إليّ « كي لا يهلك أحد منهم» (يوحنا 6/39). وأن أسعى وراء الخروف الضال، وأمنح عناية خاصة للجائعين والعطشى والمرضى والمعوّقين والمحبوسين والغرباء والمهجرين والنازحين والمنتشرين، وأشارك الفارحين أفراحهم والمحزونين أحزانهم.

 

ثانياً: الزيارات الراعوية.

31-          وعملاً بهذا المنهج، وبعد قداس التسلّم في كاتدرائية مار اسطفان البترون (26 شباط 2012)، بدأت أطوف في رعايا الأبرشية. مبتدئاً بالبترون في قداس الشكر (2 آذار 2012)، ثم بكفرحي بقداس عيد شفيع الأبرشية مار يوحنا مارون في المقرّ البطريركي الأول والكرسي الأسقفي (4 آذار 2012)، ثم بتنورين بقداس العودة إلى الجذور (11 آذار 2012).

وبعد أن تنفسّت الأبرشية بالرئتين الروحيتين وضخّت دماً جديداً في القلب النابض، رأيت من واجبي ومن منطلق الأخوّة الكنسية والمشاركة في الوحدة أن أزور الأبرشية التوأم في سان إتيان الفرنسية لأردّ الزيارة إلى راعيها المطران دومنيك لوبرون الذي حضر إلى لبنان مع وفد أبرشي للمشاركة في احتفالات رسامتي الأسقفية وتسلّمي رعاية الأبرشية وأثبّت معه عملية التوأمة القائمة بيننا منذ الأيام العالمية للشبيبة سنة 1997. رافقني في هذه الزيارة وفد من اثني عشر شخصاً يمثلون الأبرشية ولجنة التوأمة (17 و18 آذار 2012).

32-          ثم رحت بعد ذلك أطوف القرى والمدن وأزور الناس وأصلّي معهم وأستمع إليهم وأشاركهم كل مناسباتهم وأحمل همومهم. فكانت زياراتي كالآتي:

(1 نيسان) عبرين، للاحتفال بأحد الشعانين. (2-6 نيسان) كفيفان وبجدرفل وكفرعبيدا وتحوم وكفرحتنا وزان وتنورين الفوقا والبترون وحردين، للمشاركة في احتفالات أسبوع الآلام. (8 نيسان) سمارجبيل وكور، للاحتفال بأحد القيامة. (15 نيسان) جاج بلدتي الأصلية، للعودة إلى جذوري. (22 نيسان) دير مار جرجس راشكيدا، للاحتفال بليلة العيد مع أبناء رعية عبرين واخوتنا أبناء راشكيدا. (28 و30 نيسان) المشاركة في عشاء رعايا البترون والدوق واجدبرا. (5 أيار) كفرعبيدا، في زيارة رعائية وتسلّم المونسنيور بطرس خليل خدمة الرعية. (5 أيار) كور، لترؤس قداس تكريم الخوري الياس فارس. (19 أيار) دير كفيفان، لترؤس قداس الأخويات في الأبرشية لمناسبة ذكرى إعلان قداسة مار نعمة الله. (20 أيار) حردين، في زيارة رعائية للمناسبة نفسها. (9 حزيران) دير مار يوسف جربتا، لمناسبة ذكرى إعلان قداسة الراهبة رفقا. (16 حزيران) كفرحي- الكرسي الأسقفي دير مار يوحنا مارون، للمشاركة في إطلاق دليل البترون السياحي مع « لقاء الشباب البتروني» ووزارة السياحة. (17 حزيران) جربتا، في زيارة رعائية، وتحوم لتكريس كابيللاّ مار مخائيل. (23 حزيران) دير مار يوسف جربتا، لترؤس الخلوة السنوية لمعلّمي التعليم المسيحي في الأبرشية ثم زيارة رعائية لرعية زان لمناسبة ليلة عيد شفيعها.

(26 حزيران) باريس فرنسا، للمشاركة في مؤتمر مؤسسة « مبرّات الشرق Œuvre d’orient» حول دور المسيحيين في لبنان وفي الشرق في رؤية قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر.

(30 حزيران) بيت مار يوسف لراهبات القديسة تريزيا الطفل يسوع في جران، للاحتفال بالقداس وإطلاق جمعية « دعم» للعائلة، ثم المشاركة مساءً في عشاء رعية بستان العصي السنوي. (1 تموز) البترون، لترؤس قداس البحر السنوي. (15 تموز) دريا، في زيارة رعائية لمناسبة عيد شفيعها مار نوهرا. (19 تموز) البترون، للمشاركة في زيارة صاحب الغبطة مار بشاره بطرس الراعي إلى جامعة العائلة المقدسة والاحتفال باليوبيل المئوي لمدرسة مار الياس لراهبات العائلة المقدسة المارونيات. (21 تموز) المشاركة في عشاء رعية نحلا السنوي. (22 تموز) سمارجبيل، للاحتفال بعيد شفيع الرعية مار نوهرا. (26 تموز) بجدرفل، في زيارة رعائية لمناسبة عيد شفيعها مار بنديليمون. (29 تموز) المشاركة في زيارة صاحب الغبطة مار بشاره بطرس الراعي لبعض رعايا الأبرشية في كفرعبيدا وكور وكفرحتنا وزان وحلتا ودير مار يوحنا مارون كفرحي. (4 آب) المشاركة في عشاء رعية مراح شديد السنوي. (5 آب) بشعله، في زيارة رعائية لمناسبة عيد شفيع الرعية مار اسطفان. (6 آب) تولا، في زيارة رعائية لمناسبة ليلة عيد شفيعها مار دوميط. (7 آب) جران، في زيارة رعائية لمناسبة عيد شفيعها مار دوميط. (12 آب) تنورين- اللقلوق، لتكريس كنيسة سيدة عين الذهب الأثرية المرمّمة. (15 آب) تنورين الفوقا، للاحتفال بعيد سيدة الإنتقال شفيعة الرعية. (18 آب) شاتين، في زيارة رعائية لمناسبة عيد السيدة شفيعة الرعية والمشاركة في العشاء القروي. (19 آب) محمرش، في زيارة رعائية لمناسبة عيد شفيع الرعية مار روكز. (24 آب) كفرحي، في زيارة رعائية لمناسبة ليلة عيد شفيع الرعية مار سابا ثم المشاركة في العشاء القروي. (26 آب) كفرحتنا، في زيارة رعائية. (28 آب) عبرين، للاحتفال بعيد مار يوحنا المعمدان. (31 آب) بقسميا، في زيارة رعائية لمناسبة ليلة عيد شفيع الرعية مار سمعان العمودي ثم المشاركة في العشاء القروي. (1 أيلول) عبدللي، في زيارة رعائية. (2 أيلول) كفيفان، في زيارة رعائية لمناسبة عيد شفيع الرعية مار عبدا. (5 أيلول) جبلا، في زيارة رعائية لمناسبة ليلة عيد شفيع الرعية مار ميخائيل ثم المشاركة في العشاء القروي. (8 أيلول) عبرين، للاحتفال برسامة الخوري جورج واكيم في كنيسة مار شربل. (9 أيلول) راشانا، في زيارة رعائية. (13 أيلول) المشاركة في مسيرة عيد الصليب ثم قداس على جبل الصليب-عبرين مع الرعايا اجدبرا وعبرين وبجدرفل. (22 أيلول) صغار، في زيارة رعائية لمناسبة عيد شفيعة الرعية القديسة صوفيا. (23 أيلول) بيت كساب، في زيارة رعائية لمناسبة ليلة عيد شفيعة الرعية القديسة تقلا. (7 تشرين الأول) البترون، للاحتفال مع حركة فرسان العذراء بعيد تأسيسها السابع والأربعين، ثم زيارة رعائية لرعية غوما وتدشين صالة الرعية. (13 تشرين الأول) شبطين في زيارة رعائية لمناسبة عيد شفيع الرعية مار إدنا.

(15-30 تشرين الأول) فرنسا وإيطاليا في جولة راعوية شملت زيارات البترونيين المنتشرين ولقاءات كنسية وثقافية وإجتماعية.

(3 تشرين الثاني) كنيسة مار يوسف للآباء الكبوشيين البترون، لقداس الإرسال لمعلّمي التعليم المسيحي في الأبرشية، و(4 تشرين الثاني) رسامة الشدياق الكبوشي عقل ابو نادر.

(9-19 تشرين الثاني) الولايات المتحدة الأميركية في جولة راعوية شملت لقاءات مع البترونيين المنتشرين في مينيابوليس وفيرجينيا وجورجيا وفلوريدا.

(22 تشرين الثاني) المشاركة في مسيرة الأبرشية السنوية التي تنظمها رابطة الأخويات إلى ضريح القديسة رفقا في دير مار يوسف جربتا.

(23-27 تشرين الثاني) روما، للمشاركة في احتفالات منح الرتبة الكاردينالية لغبطة أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي التي شارك فيها فخامة رئيس الجمهورية ووفود نيابية ورسمية وديبلوماسية وشعبية.

(1 كانون الأول) كفرعبيدا، للاحتفال برسامة الشدياق نسيب الفغالي، والمشاركة ليلاً في العشاء السنوي لجمعية مار منصور الخيرية البترون.

(3-5 كانون الأول) المشاركة في المؤتمر الثاني لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك وأساقفته في بيت عنيا حريصا حول موضوع تطبيق الإرشاد الرسولي « الكنيسة في الشرق الأوسط». (6-8 كانون الأول) المشاركة في الدورة السادسة والأربعين لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان في بكركي.

(8 كانون الأول) البترون لتمثيل صاحب الغبطة والنيافة مار بشاره بطرس الراعي في ندوة الرابطة المارونية حول إطلاق مشروع « المنطقة الاقتصادية الحرة في البترون». (12 كانون الأول) دير مار يوحنا مارون كفرحي- الكرسي الأسقفي، في لقاء روحي ميلادي لفرق السيدة وعائلات مريم- البترون. (14 كانون الأول) البترون، للاحتفال برسامة الخوري فرنسوا حرب في كاتدرائية مار اسطفان. (19-24 كانون الأول) بشعله ودوما وتنورين الفوقا، للمشاركة في زياحات تساعية الميلاد. (25 كانون الأول) البترون، للاحتفال بقداس منتصف الليل، ودير مار يوحنا مارون كفرحي، للاحتفال بقداس الميلاد. (27 كانون الأول) البترون، للاحتفال بعيد شفيع الرعية مار اسطفان.

(3 كانون الثاني 2013) دير مار يوحنا مارون كفرحي للاحتفال بقداس السنة الجديدة مع كهنة الأبرشية ثم لقاء محبة وفرح. (6 كانون الثاني) تنورين الفوقا، للاحتفال بقداس عيد الغطاس منتصف الليل، ودير مار يوحنا مارون كفرحي، للاحتفال بقداس العيد. (12 كانون الثاني) البترون في صالة الرعية، للمشاركة في لقاء لجنة الشبيبة في الأبرشية. (17 كانون الثاني) تنورين التحتا، في زيارة رعائية لمناسبة عيد شفيع الرعية مار انطونيوس الكبير، ثم بعد الظهر زيارة دير كفيفان ودير مار يوسف جربتا لمعايدة الرهبان والراهبات.

(24 كانون الثاني) أميون، للمشاركة مع إخوتي مطارنة الشمال في الصلاة المسكونية التي دعا إليها مطرانا طرابلس، الماروني والارثوذكسي في كاتدرائية القديس جاورجيوس الدهليز الأثرية.

(2 شباط) البترون، لترؤس قداس رابطة كاريتاس وإطلاق هيئة المكتب الجديد لكاريتاس في الأبرشية. (8 شباط) طرابلسن للمشاركة في قداس عيد مار مارون الذي ترأسه صاحب الغبطة والنيافة مار بشاره بطرس الراعي، والمشاركة مساءً في بكركي بحضور رسيتال سرياني ماروني من تقديم معهد القديسة رفقا للموسيقى، والمشاركة ليلاً في العشاء السنوي لرعية مراح الزيات. (9 شباط) بيروت، للمشاركة في قداس عيد مار مارون السنوي بحضور فخامة رئيس الجمهورية، والمشاركة ليلاً في العشاء السنوي لرعية البترون. (15 شباط) كور وزان وكفرحتنا، للمشاركة في زياحات جمعات الصوم. (23 شباط) دير مار يوحنا مارون الكرسي الأسقفي، للمشاركة في خلوة لجنة العيلة الجديدة في الأبرشية.

تذكير بالثوابت

33-          وكنت أذكّر، في كل هذه المناسبات، بالإضافة إلى مشاركتي في الأعراس والمآتم والجنازات، بأننا مدعوون إلى القداسة في أبرشية القداسة والقديسين، وبأننا نستطيع أن نكون قديسين.

كنت أدعو أبناء وبنات أبرشيتي البترونية للعودة إلى جذورنا الروحانية الأنطاكية التي ورثناها عن آباء وأجداد قديسين. إنها الروحانية النسكية التي امتاز فيها آباؤنا على مدى خمسة عشر قرناً بالعيش في العراء على قمم جبال لبنان أو في قعر الوديان، والتي جعلتهم، كما المسيح على الصليب، معلّقين بين الأرض والسماء. وبالوقوف المستمرّ الذي سمح لهم بأن لا يرتخوا فيرضخوا فيُستعبدوا. وبالصلاة والصوم والسهر والتقشف مترفعين عن كل مغريات الدنيا. وبالعمل في الأرض الصخرية الوعرة التي حوّلوها إلى جنّات تعطيهم الغلات الوافرة. وذلك بفضل القيم المسيحية التي مارسوها في عيشهم، كالمحبة والتضامن والكرامة والحرية، بذهنية الخدمة المجانية والتضحية والعطاء.

وكنت أحثهم دوماً على العودة إلى تلك القيم وعلى التمسّك بالأرض. لأن أرضنا هي أرض قداسة اقتطعها الله وقفاً له. وفَهِم أجدادنا ذلك، فحافظوا عليها حفاظهم على عائلاتهم وتعبوا عليها وسقوها من عرق جبينهم، واعتبروها دوماً وقفاً لله. فكانت عنصراً هاماً من عناصر هويتهم وسبب خصوصيتهم ووجودهم الحر في هذا الشرق. فلا يحقّ لنا أن نفرّط بها أو أن نتركها للبور أو أن نبيعها حتى ولو بأغلى الأثمان.

 

 

الفصل الرابع

رؤية مستقبلية

 

34-          إني مقتنع أن كنيستي المحلية، أبرشية البترون، التي هي جزء من الكنيسة المارونية وجزء من الكنيسة المشرقية وجزء من الكنيسة الجامعة، مدعوة إلى تلبية دعوتها المميزة وإلى حمل رسالتها الخاصة إذ إنها أبرشية القداسة والقديسين. ومسيرة التجدّد التي وضعتُها في أولويات خدمتي الأسقفية هي كفيلة بأن تساعدها على تلبية هذه الدعوة وحمل هذه الرسالة.

لذا فإن رؤيتي المستقبلية لأبرشيتي تتجلّى في متابعة مسيرة التجدّد في الخدمة والمحبة التي انطلقت في الكنيسة الأبرشية، وفي مواكبة هذه المسيرة في الكنيسة المارونية وفي كنائس الشرق الأوسط وفي الكنيسة الجامعة.

 

أولاً: في الكنيسة الأبرشية

35-          إننا في أبرشية البترون نحظى بنعمة مميزة لأن الله أعطانا أن نعيش على أرض مقدسة وأن نكون جيران القديسين في كفيفان وجربتا وكفرحي وحردين وتنورين. فلأي من الناس أعطيت هذه النعمة أن يكون لهم في محيط بضعة كيلومترات مربّعة أربعة ضرائح قديسين أصبحوا منارةً للكنيسة الجامعة وللعالم ومراكز حج ومزارات دينية عديدة ؟

هذا بفضل أديارنا وكنائسنا ورهباننا وراهباتنا، وبفضل عائلات تقيّة تربّينا فيها على يد آباء وأمهات وأجداد ساروا أمامنا على درب القداسة وارتضوا كل التضحيات ليربّوا الأجيال الطالعة على القيم المسيحية والمارونية بنوع خاص ويعطوا قديسين وقديسات.

هذا ما يجعلنا نقول إن كل ما تربّينا عليه وكل ما عشناه معاً طَبَع تاريخ كل بيت من بيوتنا وكل عائلة من عائلاتنا. إنها الذاكرة التاريخية التي علينا أن ننقلها بدورنا بصدق وأمانة إلى أجيالنا الطالعة.

من هنا سنتابع ورشة التجدّد الروحي والتجدّد في الأشخاص والمؤسسات التي بدأناها معاً وقطعنا فيها شوطاً كبيراً، وسنعمل على متابعة عملية المأسسة في تحديث الهيكليات وإنشاء المجالس وتعيين اللجان وتجديد الرعايا.

ولما كان الجميع قد أبدى استعداده للعمل وتجاوبه مع متطلبات الورشة التجدّدية، فإني أتطلّع إلى كنيسة البترون حاملة مشعل القداسة والملتزمة بعيش قربها من الله ومن الإنسان، كل إنسان، لتحبّه وتخدمه في المحبة.  

36-          أما منطقتنا، منطقة البترون، التي عانت طويلاً من تقطيع أوصالها ومن قطع وسائل التواصل بين جردها وساحلها، فهي تنعم اليوم بطريق سريع يربط البترون بتنورين. من هنا فكرت بافتتاح مشروع جديد، ألا وهو الطريق الروحي السريع الذي يربط وادي جربتا بوادي تنورين، وكفيفان بحردين وقمة حريصا وأرز تنورين. إنها طريق القداسة والقديسين.

ومنطقة البترون، التي هي من المناطق الأكثر حرماناً إقتصادياً وإنمائياً، فهي تحظى اليوم باهتمام الكثيرين. ذلك لأنها تحمل تراثاً عريقاً وتختزن كنوزاً طبيعية وإنسانية وثقافية وروحية مفتوحة على مستقبل سياحة دينية وبيئية واعدة. فهي أرض التاريخ والتراث والثقافة والقداسة.

من هنا رأيت أنه من واجبي أن أدعو مجلس الشؤون الإقتصادية إلى وضع خطة إنمائية شاملة لأبرشيتنا ومنطقتنا بالتعاون مع أركان الدولة ومؤسساتها ومع المسؤولين السياسيين ومع الجمعيات الثقافية والمدنية والأهلية. ومن أهم بنود هذه الخطة:

أ‌-     تشجيع الاستثمارات والمشاريع في المنطقة بطريقة تؤمّن إنماءها وتحافظ على دعوتها وبيئتها. ولهذه الغاية فنحن لا نحجب أملاك الأبرشية والأوقاف التابعة لها عن أي مشروع إنمائي مدروس بشكل دقيق وعلميّ يُقدَّم إلينا ويبيّن الجدوى الإقتصادية ويكون من أهدافه خلق فرص عمل لأبناء المنطقة.

ب‌-   الإهتمام بالسياحة الدينية عن طريق التعريف بما تزخر به المنطقة من ثروة دينية وسياحية، وتنظيم نشاطات ثقافية ومسارات سياحية مختلفة تمرّ بالأماكن المقدسة والأثرية ليس فقط للسياح الوافدين من بلدان الشرق الأوسط أم من أوروبا أم من أميركا، بل للبنانيين الوافدين من بلدان الإنتشار أيضاً.

ج- متابعة الإدارات المسؤولة لوضع دراسة شاملة لمنطقة البترون لتكون كلاً متكاملاً يلحظ، حيث يجب، المناطق السكنية والسياحية والتجارية والصناعية وغيرها.

د- متابعة مشروع المنطقة الاقتصادية الحرّة الذي طرحته الرابطة المارونية([57]) والعمل على تنفيذه؛ لا سيما أن منطقتنا تزخر بالكفاءات لإدارة مثل هذه المشاريع وهي المكان الأمثل لاستقبال المشاريع الاستثمارية كونها منطقة هادئة وآمنة ووادعة.

وقد تسمح هذه الخطة بخلق فرص عمل لشبابنا وصبايانا فيثبتون في أرضهم ويخدمون وطنهم بتفانٍ وإخلاص ويسهمون في بنائه على أسس الكفاءة والعدالة واحترام القانون.   

37-          وفي رؤيتي هذه أطمح إلى اتّباع خطة آبائنا المستندة إلى ثلاثة: الإيمان والمعول والقلم.

أولاً: هم الذين ثبتوا في إيمانهم بالله وضحّوا بالغالي والنفيس كي لا يحيدوا عنه، وواجهوا كل التحديات بشجاعة وصبر.

ثانياً: هم الذين جاهدوا وتعبوا في أرضهم وحوّلوا الجبال الوعرة والصخرية إلى جنّات يعتاشون منها بكرامة وحرية.

ثالثاً: هم الذين سهروا الليالي ليؤمّنوا لأولادهم ثقافة عالية كانت سرّ نجاحهم وفتحت أمامهم أبواب الحداثة. فكانوا رواد النهضة في الشرق والغرب وتركوا لنا تراثاً عريقاً وجب أن نحافظ عليه.

مسؤوليتنا إذاً هي أولاً في توعية أولادنا وأجيالنا الطالعة على دعوة منطقتنا المميزة وحثّهم على اكتشاف تراثها والمحافظة عليه. وهي ثانياً في التعاون على تضافر جهودنا في سبيل إنماء منطقتنا بطريقة تحافظ على طابعها وبيئتها.

ثانياً: في الكنيسة المارونية

38-          ولأن أبرشية البترون ملتزمة بالمسيرة المجمعية التي انطلقت في الكنيسة المارونية منذ سنة 1985 وتكلّلت بانعقاد المجمع البطريركي الماروني (2003-2006)، فهي تجدّد التزامها اليوم بمواكبة مسيرة تطبيق هذا المجمع من خلال الخطة التي وضعتها لجنة المجمع البطريركي وتبنّاها صاحب الغبطة والنيافة مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى مشروعاً لبطريركيته.

وكانت لجنة المجمع قد حدّدت أولويات كنيستنا المارونية وحاجاتها كما يلي: الحاجة إلى تجدّد روحي وتغيير في الذهنيات، والحاجة إلى مأسسة على مستوى البطريركية والأبرشيات والرعايا، والحاجة إلى إعادة اكتشاف الهوية. ووضعت خطة خمسية (2012-2016) تتوزع على خمس ورشات عمل مستوحاة من توصيات المجمع البطريركي الماروني؛ وقد بدأت بتطبيقها في أبرشيتي. والورشات الخمس هي:

-       التنشئة على التعمق في الكتاب المقدس وتوثيق العلاقة مع المسيح.

-       التجدّد الروحي المبني على كلمة الله في الكتاب المقدس والصلاة وشهادة الحياة. 

-       التجدّد في الأشخاص على مستوى المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين بكل فئاتهم.

-       المأسسة والتجدّد في الهيكليات البطريركية والأبرشية والرعائية.

-       العودة إلى الجذور لإعادة اكتشاف هوية كنيستنا المارونية ودورها ورسالتها في الشرق وفي بلدان الإنتشار.

39-          إذا عدنا إلى الجذور، نكتشف أن هوية أبناء مارون متجذرة في هذا المشرق الإنطاكي وترتشف من معينه وتغتني بتراثه وتقاليده، وأن إيمانهم هو في النهاية ما فتح لهم مجال التاريخ وهو الذي يصونهم بثقة وقوة لا تتعثران بمصاعب التاريخ وأحداثه. واتخذ هذا الإيمان عندهم شكلاً تاريخياً وحضارياً يقوم على الأمانة لمارون والأمانة للكنيسة الرومانية، أتبعوه اجتماعياً بالأمانة لجبل لبنان، على حدّ قول البطريرك اسطفان الدويهي([58]).

وإذا حاولنا أن نكمّل فكر البطريرك الدويهي في ما يتعلق بصحة إيمان الموارنة وبتمسّكهم بثوابت هويتهم، نستنتج مع الخوري يواكيم مبارك أن علامات المارونية هي خمس:

الأولى: النسكية التي تطبع كنيستنا بطابعها الخاص، والتي تبدأ بمارون وتمتدّ إلى شربل وشينا والخوند وإسكوبار في يومنا.

الثانية: الأنطاكية في وجهيها السرياني واليوناني، تلك التي تردّنا إلى دعوتنا الأولى في أنطاكية حيث تَسمّى التلاميذ أول ما تسمّوا بمسيحيين، وإلى تلك الكنيسة التي تحرّرت من اليهودية وانطلقت إلى الأمم. فكانت «جماعة الصلبوت في كنيسة الناسوت».

الثالثة: الرومانية، تلك التي تبرز علاقتنا المميزة بالكنيسة الرومانية، أي بالكرسي البطرسي وبمركزيته، والتي تعبّر عن مسلكنا المسكوني في الانفتاح على الغرب كما على الشرق، والتي تكشف عن حركيّتنا في الحداثة.

الرابعة: الحرية، تلك التي هي في صميم معاناتنا على مرّ الأجيال. فنحن قوم يُنشد الحرية تجاه كل قوة قامعة لها في محيطنا، مسيحية كانت أم غير مسيحية. والحرية في المارونية تشبه النسك في جذورنا.

الخامسة: المريمية. فالعلامة المريمية هي العلامة المرفوعة في مارونيتنا وهي في قلب العلامات الأخرى وفي صُلبها. إنها في قلب النسك الذي جُبلنا عليه. وإنها في قلب الهوية الكنسية التي ندعى بها سرياناً وأنطاكيين ورومانيين على حد سواء. وإنها في قلب الحرية التي نُنشدها كعلامتنا الخاصة، لأنها في قلب لبنان؛ ومريم هي سيدة لبنان، كما هي سلطانة الرسل وأم الكنيسة([59]).

40-          أما رؤية كنيستنا المارونية في تطلعاتها المستقبلية فقد حدّدها آباء المجمع البطريركي الماروني بالتشديد على ركائز ثلاث ثابتةٍ وبالمحافظة عليها. وهي:

-       التمسّك بالبطريركية وبشخص البطريرك الضامنَيْن لوحدة الموارنة.

-       ترسيخ الهوية المارونية، سريانية أنطاكية بكل أبعادها اللاهوتية والنسكية والليتورجية والتراثية والفكرية.

-       التشبّث بلبنان الأرض، والوطن الرسالة في الحرية والديمقراطية واحترام التعددية، ومركز البطريركية، وموقع الينابيع الروحانية ومراكز القديسين، وأرض الشهادة والصمود في حرية أبناء الله، وحامل دور الريادة في الشرق والغرب.

 

ثالثاً: في كنائس الشرق الأوسط

41-          وأبرشية البترون هي في قلب كنائس الشرق الأوسط الملتزمة بتطبيق الإرشاد الرسولي « الكنيسة في الشرق الأوسط- شركة وشهادة» الذي وقّعه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في خلال زيارته إلى لبنان (14-16 أيلول 2012) وتركه لها خارطة طريقٍ لمستقبل المسيحيين في « هذا المكان من العالم الذي كان شاهداً على ميلاد يسوع ونموّ المسيحية»([60]) وعلى « هذه الأرض التي اختارها الله بطريقة فريدة وسار عليها البطاركة والأنبياء، وكانت المكان الذي تجسّد فيه المسيح ورأت ارتفاع صليب المخلص، وكانت شاهدة على قيامته من الموت وعلى حلول الروح القدس»([61]).

وفي خلال القداس الإحتفالي الذي ترأسه في بيروت، سلّم قداستُه الإرشاد الرسولي إلى أصحاب الغبطة رؤساء الكنائس وإلى الأساقفة الشرقيين، داعياً إياهم إلى « البدء بدراسته وتطبيقه من قبل جميع العاملين في الكنيسة، رعاةً وأشخاصاً مكرسين وعلمانيين». « وليجدْ فيه كل شخص فرحةً جديدة للاستمرار في رسالته، مرتكزاً على الشجاعة والقوة اللتين سيحصل عليهما، كي يبدأ بتطبيق رسالة الشركة والشهادة المنبثقة من هذا الإرشاد»([62]).

42-          تلبيةً لهذه الدعوة، ومن أجل العمل على تقبّل وتطبيق الإرشاد الرسولي، التقى بطاركة وأساقفة الشرق الأوسط الكاثوليك في مؤتمرهم الثاني في دار بيت عنيا- حريصا من 3 إلى 5 كانون الأول 2012 ووضعوا خطة في أربعة محاور باشرنا العمل على تطبيقها على مختلف المستويات في أبرشيتنا:

-       في عيش الشركة بين المسيحيين الكاثوليك. أعتبر أن كنيستنا « مدعوة إلى تجدّد روحي يعيدها إلى دعوتها الأولى مستندين إلى كلمة الله والصلاة والحياة الليتورجية والأسرارية، وأننا جميعاً مدعوون إلى توبة صادقة وتغيير في الذهنيات».

-       في عيش الشركة مع الأخوة المسيحيين. أتعهّد أني سأعمل على مضاعفة عيش الشركة مع إخوتنا المسيحيين غير الكاثوليك الحاضرين معنا على أرض البترون المقدسة « في تنوع تقاليدنا في الاعتراف بالآخر واحترامه والانفتاح على الحوار في الحقيقة»، وأسهر على تنمية « المسكونية الروحية في كل مجالات العمل الرعوي».

-       في عيش الشهادة مع المؤمنين من الديانات الأخرى. أتعهّد بأن أتابع العمل في أبرشيتي على تنمية الحوار مع إخوتنا المسلمين الذين تجمعنا بهم « الرغبة في وحدة تناغم العائلة البشرية» و« القيم الإنسانية المشتركة التي تتجلّى في الحرية والسلام والكرامة الإنسانية وفي قيم الأسرة والحياة» والنضال الوطني الواحد من أجل « إعادة بناء لبنان في دعوته التاريخية».

-       في التجدّد وبناء السلام. وهنا أؤكد على « أولوية التجدّد الروحي كي تصبح كنيستنا بالفعل « مساحة شركة وشهادة»، وأدعو « جميع البترونيين إلى نبذ العنف والتعصب والعمل على بناء السلام الحقيقي والدائم»([63]).

 

رابعاً: في الكنيسة الجامعة  

43-          وتلتزم أبرشيتنا أيضاً بسنة الإيمان التي أعلنها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر والتي وضعت برنامجاً لها اللجنةُ المنبثقة عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان في خلال دورته السادسة والأربعين التي عقدت في بكركي من 6 إلى 8 كانون الأول 2012. ويتضمن هذا البرنامج محورين. المحور الأول يركّز على إعادة اكتشاف طريق الإيمان بتبنّي موضوع الإيمان في مختلف النشاطات والمشاريع الكنسية وتوضيح العقائد المسيحية والتعريف عن إله الإيمان المسيحي. ويركّز المحور الثاني على إبراز الفرح والحماس المتجدّدَين للّقاء مع يسوع داعياً إلى تنظيم أيام حج ومسيرات صلاة وتوبة وسهرات إنجيلية وحلقات تنشئة حول الإيمان المسيحي.

44-          والتزاماً بتطبيق هذا البرنامج في أبرشيتي، إني أدعو الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين الملتزمين، ومن خلالهم الرعايا والأديار والمؤسسات التربوية والإجتماعية والمنظمات والحركات الرسولية لا سيما الشبابية منها وفرق السيدة وعائلات مريم والجماعات العيلية والعائلات المسيحية، إلى أخذ المبادرات لتعليم مبادئ إيماننا المسيحي، انطلاقاً من إله إيماننا يسوع المسيح، كلمة الله المتجسّد ومحور تاريخ البشر. وأدعوهم إلى تنظيم لقاءات وندوات وحلقات تنشئة وخلوات روحية وسهرات إنجيلية تهدف إلى التعمّق في العقائد المسيحية الأساسية، وكان إخوتي كهنة الأبرشية سبّاقين في اتخاذها موضوعاً لاجتماعاتهم الشهرية. كما أشجعهم على تنظيم رحلات حجّ ومسيرات صلاة إلى المزارات والأماكن الدينية في منطقتنا وفي لبنان وخارج لبنان.  

 

خامساً: دعوة إلى مجمع أبرشي

45-          ومن أجل وضع هذه الرؤية موضع التنفيذ لإكمال مسيرة التجدّد في كنيسة المسيح في البترون، رأيت أن أدعو أبناء وبنات أبرشيتي، كهنةً ورهباناً وراهباتٍ وعلمانيين ملتزمين في مختلف المجالات، إلى عقد مجمع أبرشي ينطلق في تشرين الأول 2013 ويستمرّ حتى تشرين الأول 2015. ويهدف إلى تطبيق المجمع البطريركي الماروني في أبرشيتنا آخذاً في الاعتبار تعاليم المجامع والباباوات، لا سيما المجمع الفاتيكاني الثاني والإرشادين الرسوليين « رجاء جديد للبنان» و« الكنيسة في الشرق الأوسط- شركة وشهادة».

وفي المهلة التي تفصلنا عن إطلاق المجمع الأبرشي، سأعمل على إنجاز مسيرة إنشاء اللجان والمجالس وعلى تعيين لجنة مركزية تتولّى الإعداد للمجمع وتنظيمه بحسب ما تقتضيه القوانين الكنسية([64]).

خاتمة

 

46-          بعد انقضاء سنة على خدمتي الأسقفية، على أبواب سنة جديدة، وفي يوم عيد مار يوحنا مارون البطريرك الأول وشفيع الأبرشية، إني أعود إلى عمق وادي قنوبين لأجثو أمام الله الآب وأصلي مع يسوع المسيح الابن وبنعمة الروح القدس قائلاً:

يا أبتِ أشكرك عن أبناء وبنات أبرشيتي الذين وهبتهم لي لكي أخدمهم في المحبة على مثال إبنك يسوع وأكرّس ذاتي من أجلهم كي لا يهلك أحد منهم. أشكرك عن كلٍ منهم وعن كل عائلة من عائلاتهم؛ وإن لكلٍ منهم مكانةً في قلبي.

يا أبتِ قدّسهم في الحق ليكونوا أنبياء الحق وحاملي الرجاء إلى عالمهم. قدّسهم في المحبة ليكونوا شهود المحبة في حياتهم والتزاماتهم الكنسية والعائلية والإجتماعية والسياسية والتربوية والثقافية.

وأنا سأستعين بصلواتهم وخبراتهم وبكل ما تعلمتُه منهم ومعهم لكي أنجح في متابعة خدمتي الأسقفية، متّكلاً على العناية الإلهية التي رافقتني منذ طفولتي، وعلى شفاعة العذراء مريم التي أصبحت أمي منذ اللحظة التي غادرت فيها والدتي هذه الحياة وسلّمتني إلى حمايتها، وشفاعة مار مارون ومار يوحنا مارون والقديسة رفقا التي اتخذتها شفيعة لي في خدمتي الأسقفية.

 

كفرحي في 2 آذار 2013

عيد مار يوحنا مارون البطريرك الأول وشفيع الأبرشية

                                                                          منير خيرالله

 

                                                                         مطران البترون

                                                                        خادمكم في المحبة



1-    كان هذا عنوان إرشادات الرياضة الأسقفية التي ألقاها علينا الأب الحبيس يوحنا الخوند من 13 إلى 17 شباط 2012. 

2-    راجع رسالة رسولية بمثابة إرادة شخصية «باب الإيمان»، 11/10/2011.

3-    راجع نص هذا الإرشاد الرسولي الصادر عن المطبعة الفاتيكانية 2012 والذي أعطي في بيروت في 14/9/2012.

4-    راجع هذه الرسالة في منشورات بكركي 2012، مطابع الكريم الحديثة.

5-    انعقد المجمع البطريركي الماروني في دورات أربعة بين 2003 و2006 بعد فترة طويلة من التحضير استمرّت من 1985 حتى 2003. راجع «المجمع البطريركي الماروني- النصوص والتوصيات»، مطابع رعيدي، بكركي 2006، 856 صفحة.

6-    جاء هذا الإعلان خلال مجمع كرادلة منعقد في الفاتيكان في خطاب ألقي باللغة اللاتينية. راجع موقع  www.news.va وموقع  Zenit

7-    راجع البابا بنديكتوس السادس عشر، إرادة رسولية حول خدمة المحبة بعنوان « طبيعة الكنيسة الجوهرية»، 11/11/2012. راجع أيضاً الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، رسالة الصوم الثانية، بكركي 2013.

8-    أعطي في بيروت في 10/5/1997. منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام. وهو حصيلة الجمعية الخاصة لسينودس الأساقفة حول لبنان التي عقدت في روما في تشرين الأول 1995.

9-    الرسالة العامة الأولى: « شركة ومحبة». بكركي 2012.

10-راجع رسالة الصوم الثانية لصاحب الغبطة والنيافة مار بشاره بطرس الراعي، بكركي 2013، عدد 23.

11-راجع رسالة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر عن « باب الإيمان »، 11/10/2011، عدد 6.

12-راجع الإرشاد الرسولي « الكنيسة في الشرق الأوسط- شركة وشهادة »، 14/9/2012، عدد 66.

13-المرجع ذاته، عدد 82.  

14-المجمع البطريركي الماروني، النص السادس، عدد 39 و40.

15-المجمع البطريركي الماروني، النص السادس، عدد 41.

16-عدد 42.

17-المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي في حياة الكهنة، عدد 2.

18-إرشاد رسولي الكنيسة في الشرق الأوسط، عدد 46.

19- المجمع البطريركي الماروني، النص السادس، التوصيات 2 و3 و4.

20- المجمع البطريركي الماروني، النص الثامن، عدد 45.

21- المرجع ذاته، التوصيات 1 و2 و4.

22- راجع خطاب البابا بنديكتوس السادس عشر إلى الشبيبة المجتمعة في بكركي، السبت 15 أيلول 2012.

23- إرشاد رسولي « الكنيسة في الشرق الأوسط »، عدد 62.

24- المجمع البطريركي الماروني، النص الحادي عشر، عدد 43.

25- المرجع ذاته، عدد 44.

26- راجع إرشاد رسولي رجاء جديد للبنان، عدد 46.

27- راجع المجمع البطريركي الماروني، النص العاشر، أعداد 19- 40.

28- إرشاد رسولي رجاء جديد للبنان، عدد 46.

29- إرشاد رسولي الكنيسة في الشرق الأوسط، عدد 58.

30- المرجع ذاته، عدد 59.

31-إرشاد رسولي في وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم، عدد 86.

32- المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور نور الأمم، عدد 31.

33- المجمع البطريركي الماروني، النص التاسع، عدد 19.

34- راجع إرشاد رسولي رعاة القطيع للبابا يوحنا بولس الثاني، عدد 74-27-44.

35-المجمع البطريركي الماروني، النص الخامس، عدد 29.

36-المرجع ذاته، عدد 22 أ. راجع القوانين 245-250 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية.

37- المجمع البطريركي الماروني، النص الخامس، عدد 22 هـ. راجع القوانين 262-263.

38- المجمع البطريركي، النص الخامس، عدد 22. قانون 261.

39- راجع النظام الداخلي للمجلس الكهنوتي في الشرع الخاص بالكنيسة المارونية، المادة 1.

40- راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار في خدمة الكهنة، عدد 7.

41- راجع النظام الداخلي للمجلس الكهنوتي في الشرع الخاص، المادة 2.

42- راجع النظام الداخلي لمجلس الشؤون الإقتصادية في الشرع الخاص، المادة 1. راجع قانون 243 بند 2 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية.

43- النظام الداخلي، المادة 2 بند 2.

44- راجع النظام الداخلي للمجلس الراعوي الأبرشي في الشرع الخاص، المقدمة.

45- راجع المجمع البطريركي الماروني، النص الخامس، عدد 23.

46- إرشاد رسولي الكنسية في الشرق الأوسط، عدد 89.

47- إرشاد رسولي رجاء جديد للبنان، عدد 106.

48- المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الليتورجيا المقدسة، عدد 42.

49- المجمع الفاتيكاني الثاني، قرار مجمعي في رسالة العلمانيين، عدد 10.

50- المجمع البطريركي الماروني، النص الثالث عشر، عدد 11.

51- المجمع البطريركي الماروني، النص الخامس، عدد 38.

52- راجع النظام الداخلي للجان الوقف في الرعايا في الشرع الخاص بالكنيسة المارونية، المجلة البطريركية، العدد 15، 1986.

53-راجع النظام الداخلي للمجلس الرعوي، في الشرع الخاص بالكنيسة المارونية، المقدمة.

54- مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 295.

55- النظام الداخلي، المادة 10.

56- النظام الداخلي، المقدمة.

57-اطلقت الرابطة المارونية هذا المشروع في ندوة عقدت في صالة رعية مار اسطفان البترون برعاية صاحب الغبطة والنيافة مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى في 8 كانون الأول 2012.

58- راجع كتاب تاريخ الأزمنة، نشره الاباتي بطرس فهد في دار لحد خاطر، 1983. وكتاب أصل الموارنة، نشره الأب انطوان ضو، اهدن 1973.

59- راجع الخوري يواكيم مبارك، الموارنة وعلامات الأزمنة، في المجلة الكهنوتية، السنة 16، العدد الثاني، أيار 1986.

60- راجع خطاب قداسة البابا للشبيبة المجتمعة في بكركي في 15 أيلول 2012.

61- الإرشاد الرسولي الكنيسة في الشرق الأوسط، عدد 8.

62- راجع عظة قداسة البابا في قداس بيروت في 16 أيلول 2012.

63- راجع البيان الختامي للمؤتمر الثاني لبطاركة الشرق الكاثوليك وأساقفته.

64- راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، قوانين 235-242 والشرع الخاص بالكنيسة المارونية، ق 17 و18 في المجمع الأبرشي.