عظة المطران منير خيرالله
في رتبة تبريك التراب عن قبر القديسة رفقا
دير مار يوسف جربتا، 22/3/2021
« لا هذا خطئ ولا والداه، لكن لتظهر فيه أعمال الرب » (يوحنا 9/3-7)
إخوتي الكهنة،
الأم الرئيسة وأخواتي الراهبات،
أحبائي جميعًا، يا من تتابعوننا عبر محطة نورسات ونور الشباب ونور القداس.
تعوّدنا في رتبة تبريك التراب بالقرب من ضريح القديسة رفقا أن نكون كل سنة بالمئات نلتقي لنصلّي ونعود إلى الله وإلى ذواتنا ونقف أمام ضمائرنا مستغفرين الله طالبين رحمته.
أتصوّركم أمامي اليوم كأنكم موجودون في قلوبنا وفي قلب هذا الدير، الذي هو مركز إشعاع روحي في أبرشيتنا وفي لبنان والعالم يشعّ قداسة.
هذه الرتبة مميّزة لأنها تعيدنا إلى البدء، إلى بدء الكون، إلى الخلق، إلى خلق الإنسان على صورة الله كمثاله.
كيف تصرّف يسوع مع أعمى أورشليم: « تفل في الأرض، فجبل من تفاله طينًا، وطلى به عيني الأعمى » (يوحنا 9/6). هذا الفعل يذكّرنا بأنه منذ البدء « جبل الرب الإله الإنسان ترابًا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفسًا حيّة » (تكوين 2/7). يذكّرنا أننا تراب وإلى التراب نعود، لكن لتظهر فينا أعمال الله. الله خلقنا على صورته كمثاله لأنه أحبّنا حبًّا مطلقًا وأراد أن نبقى دومًا في قلبه وأن يخلّصنا من عبودية الخطيئة. لذلك أرسل ابنه يسوع المسيح في ملء الأزمنة ليتبنّى البشرية ويخلقها من جديد بموته وقيامته. إنه يدعونا جميعًا إلى أن نولد من جديد. بالمعمودية، وُلدنا من جديد أبناء الله. ولكن لأن الضعف يتغلّب علينا، نطلب أن نولد من جديد بنعمة الله ولتظهر فينا أعمال الله.
يسوع المسيح أرسلنا رسلاً له وشهودًا في العالم وهو حاضر معنا دومًا: « ها أنا معكم حتى منتهى الدهر، لا تخافوا » (متى 28/20). أنا معكم، أنا أقود خطاكم، المهمّ أن تلبّوا النداء.
هذه الليلة مع القديسة رفقا، في ليلة عيدها وذكرى وفاتها، نحتفل معًا برتبة تبريك التراب عن قبرها. وهذا يعيدنا إلى الآية الأولى التي حصلت بشفاعتها مع الأم أورسلا ضوميط سنة 1914 التي أخذت ترابًا من على قبر القديسة رفقا ودهنت به حلقها وشفيت. وتوالت الآيات على مدى السنين وصار التراب دواءً لشفاء المؤمنين. وكانت ربما آخرها معي أنا شخصيًا. أصبت بوباء الكورونا في 18 شباط 2021، وبدأت أعاني بعد أيام من سعال ناتج عن حساسية أحملها منذ زمن بالروايا. وصباح الخميس 25 شباط، ذكرى رسامتي الأسقفية، تملّك مني السعال المتواصل ولم أعد أستطيع أن أتنفس ولا أن أتصل بطبيبي الدكتور ادوار الياس. فالتجأت إلى القديسة رفقا شفيعتي وجارتي وطلبتُ شفاعتها، وأخذت كيسًا من ترابها، وهو بركة أحتفظ بها دومًا كما يفعل إخوتي وأقاربي، وذوّبته في كوب ماء وشربته. فتوقف السعال بعد عشرة دقائق. واتصلت بالطبيب الذي نصحني بالتوجه إلى مستشفى سيدة المعونات في جبيل. وبعد أن أجرى صورة أشعّة للروايا تبيّن أنها ملتهبة بنسبة 45٪. فأبقاني في المستشفى وبدأ العلاج وقال لي: لا خوف عليك، القديسة رفقا شفيعتك والله سيشفيك. وبعد خمسة أيام، أي يوم الاثنين 1 آذار، ليلة عيد مار يوحنا مارون، خرجت من المستشفى وعدت إلى المطرانية في كفرحي معافئً لكي أعيّد عيد شفيع الأبرشية البطريرك الأول مار يوحنا مارون.
جرى كل ذلك لتظهر فينا أعمال الله. والتراب هو الوسيلة، هو الدواء الذي يستعلمه الله بشفاعة القديسة رفقا ليشفينا. الله هو الذي يشفينا، لا التراب، وهو الطبيب الذي يشفينا من أمراض النفس والجسد، وهو ربّ الحياة يمنحنا القوة لنشهد لمحبته في حياتنا.
إنها نعمة من الله أن تكون أبرشيتنا في البترون أبرشية القداسة والقديسين. رفقا ونعمة الله والطوباوي اسطفان والمكرّم البطريرك الياس الحويك رجل العناية الإلهية، ومعهم القديس شربل، هم شفعاؤنا عند الله وشهودٌ لمحبته للبشر.
من هنا نحيّي إخوتنا وأخواتنا الذين يتابعون الصلاة والرتبة عبر وسائل التواصل، ونرسل إليهم سلام الرب يسوع، ونقول لهم: أنتم حاضرون معنا، ورفقا شفيعة المرضى والمتألمين تطلب لهم ولنا جميعًا في ليلة عيدها شفاء النفس والجسد لنشهد للمحبة والمغفرة والرجاء بالمسيح يسوع. وتقول لنا إن كل حبّة تراب من أرضنا هي مقدّسة وتدعونا إلى القداسة.