عظة المطران منير خيرالله
في قداس أحد الشعانين
كاتدرائية مار اسطفان- البترون، 28/3/2021
صراخات الناس ترعبهم وأصواتهم تهزّ ضمائرهم !
في مثل هذا اليوم، أحد الشعانين، منذ أكثر من ألفي سنة، دخل يسوع أورشليم « فسمع الجمع الكثير الذين أتوا إلى العيد أن يسوع قادم إلى أورشليم. فحملوا سعف النخل وخرجوا لاستقباله »، « وأخذ جماعة التلاميذ، وقد استولى عليهم الفرح، يسبحون الله بأعلى أصواتهم، وهم يهتفون: هوشعنا ! مبارك الاتي باسم الرب ملك اسرائيل!» (يوحنا 12/12-13).
وكان بعض الكتبة والفريسيين بين الشعب، فقالوا ليسوع: « يا معلّم انتهر تلاميذك ليسكتوا» (لوقا 19/28)، تمامًا كما انتهروا أعمى أريحا ليسكت « فراح يزداد صراخًا: يا ابن داود ارحمني!» (مرقس 10/48).
« فأجاب يسوع: لو سكت هؤلاء لهتفت الحجارة!» (لوقا 19/40).
صراخات الناس ترعبهم وأصواتهم تهزّ ضمائرهم !
وما أشبه اليوم بالأمس !
في أحد الشعانين سنة 2021، نستقبلك بالمجد والفرح والرجاء أيها الرب يسوع ملك المحبة والسلام. ولكن في فرحتنا غصّة ولم يعُدْ عندنا حناجر تصرخ لك هوشعنا، ويا ابن داود ارحمنا !
لكنك تسمع صراخاتنا وأنين أوجاعنا وترى أننا خُذلنا مرّات ومرّات، وتقول لنا مع أبينا البطريرك الراعي: لا تسكتوا ! طالبوا بحقوقكم في العيش الحرّ الكريم. طالبوا بدولة عادلة تحميكم وتنصفكم وتطبّق القانون على الكبير والصغير. لا تسكتوا، بل تابعوا الصراخ إلى أن يسمع المسؤولون، فتهتّز ضمائرهم، فيعودوا إلى ربّهم تائبين ويستغفروا من شعبهم ومن الله الذي ينتظرهم ليعاملهم برحمته اللامتناهية ويساعدهم كي يعوّضوا على الشعب ما ظلموه به ويردّوه أربعة أضعاف، كما فعل زكَّا العشار بعد لقاء يسوع (لوقا 19/8-10). فيعملون معًا على إعادة بناء دولة القانون لمجتمعٍ تعدّدي، ويلتقون بقلوب صافية عند إرادة سيّد بكركي؛ فالبطريرك لا مصلحة له سوى إنقاذ لبنان وجمع أبنائه، جميع أبنائه، مسؤولين ومواطنين، فيراهم واحدًا تحت راية الوطن الواحد لبنان الرسالة.
أيها الرب يسوع، أتخيّلك تقول في شعانينك لمن يحاول إسكاتنا من المسؤولين بوسائل شتّى، ومنها الظلم والتهميش والترهيب والتجويع: لو سكت هؤلاء لهتفت الحجارة ! وهتفت كلُّ حبَّة تراب من أرضنا المقدسة ارتوت من دم الشهداء ومن صلاة وعرق النساك والقديسين.
تقول لهم: ألا ترون أن شعبكم يجوع ويُظلَم ودولتكم تنهار ؟
الويل لكم، أنتم الذين تُسكِتون شعبكم بعد أن سلبتموه حقوقه ونهبتم أمواله، وجوّعتموه، وتركتموه متسوّلاً على أبواب الأمم بين حيٍّ وميت يشقى من أجل الخبز والكرامة !
الويل لكم أنتم الذين حمّلتم شعبكم أحمالاً ثقيلة يرزح تحت وزرها وأنتم ما أردتم أن تمسّوها بإحدى أصابعكم ! (لوقا 11/46).
ألا ترون أنكم صرتم منبوذين ومحتقرين من شعبكم « فأصبحتم مثل القبور المخفيّة والناس يمشون عليها ولا يعلمون » ؟ (لوقا 11/44). أم أنكم أعميتم عيونكم كي لا تروا وصممتم آذانكم كي لا تسمعوا ؟
لن يسكت أبناء شعبكم بعد اليوم، لأنهم تحرّروا بالمسيح الذي مات وقام ليحرّرهم من عبودية الخطيئة والموت. وأصبحوا أحرارًا. فلم يعُدْ باستطاعتكم شراءهم وشراء أصواتهم ! فالحرية كانت ولا تزال أغلى ما عندهم !
في استقبالنا لك هذه السنة، أيها الملك يسوع، تحت تأثير وباء كورونا والأزمات والمآسي المتراكمة، نحمل مع أغصان النخل والزيتون همومنا وآلامنا وآمالنا بعودة الدولة والأمن والازدهار، آمالاً ما زلنا نعقدها، لا على المسؤولين عندنا بعد استحالة اتفاقهم على إنقاذ الدولة من السقوط والشعب من الهلاك جوعًا وتشريدًا، بل على عواصم القرار والأمم المتحدة.
لكننا لن ننسى أن شعانين المجد الحقيقي لا بدّ أن تعبر مع يسوع بحمل الصليب في مسيرة الجلجلة والالام والموت لكي تصل إلى القيامة والخلاص والحياة الجديدة.
وبالرغم من كل ما يحلّ بنا، نريد يوم الشعانين يوم تجديد إيماننا بك يا ابن داود ابن الله.
نريده يوم تجديد حبّنا لك ولبعضنا البعض كي يعرف العالم أننا حقًا تلاميذك.
نريده فعل توبة لنا وللمسؤولين عنا علّهم يرتدعون فيتحوّلون عن مصالحهم الخاصة إلى العناية بشؤون الناس المعيشية وحماية حرياتهم واسترجاع ما للدولة من سيادة وكرامة.
نريده يوم تجديد التزامنا بحمل الصليب معك، أيها الرب يسوع، أنت الذي أردت أن تموت حُبًّا بنا، وبحمل الرسالة التي أوكلتها إلى كنيستك في لبنان لتكون صانعة سلام وعدالة ومحبة في خدمة الأنسان.