عظة المطران منير خيرالله
في رسامة الخوري روجيه جوزف يزبك
كاتدرائية مار اسطفان، البترون، 12/8/2021
« الحقُّ من الأرض ينبتُ » (مز 85/12).
نفرح اليوم معًا بترقية ابننا الشماس روجيه جوزف يزبك إلى الدرجة الكهنوتية في كاتدرائية مار اسطفان في رعية البترون التي شهدت على مسيرته المسيحية ونموّه الإنساني والروحي في عائلة ملتزمة بإيمانها ومتمسّكة بتراث وتعليم كنيستها.
أيها العزيز روجيه،
يدعوك الرب يسوع، زارع الكلمة ومحقِّق ملكوت الله بين البشر، إلى سرّ الكهنوت المقدس ليُشركك في كهنوته الخِدَمي لخدمة شعبه في التضحية والمحبة وبذل الذات.
وكان قد هيّأك إلى هذه الدعوة إذ أراد لك أن تنموَ مع حَبِّ القمح الذي وقع في الأرض الطيّبة (متى 13/8)، فأثمر عائلةً رهبانية وكهنوتية تعود في أصولها إلى تنورين، وعُرف فيها أعمام وعمّات والدك، أي الأب يوسف يزبك الراهب اللبناني، والأب فيليب يزبك الرئيس العام الأسبق للمرسلين اللبنانيين، والأختان إيلان وبلاندين في رهبنة القديسة تريزيا الطفل يسوع.
فتربّيت على تراث العائلة وقِيَمها وحملتَ في قلبك الإيمان بالله ومحبة الكنيسة وحُبّ الأرض وخدمة الناس في منطقة البترون المقدسة.
رافقتُك منذ صغرك في البترون، إذ كنتُ رفيقًا لوالدك منذ أيام الدراسة في الاكليريكية البطريركية الصغرى في غزير.
رافقتك تنمو في العائلة وفي الرعية وفي مدرسة القلبين الأقدسين جارة مار اسطفان حيث كنت لامعًا في دروسك وملتزمًا مع فوج كشافة لبنان وصرت قائده.
رافقتك تدخل جامعة الروح القدس الكسليك لتبدأ دروس التخصص في الطبّ ثم جامعة البلمند. إلى أن فاتحتني بعد أربع سنوات بقرار الدخول إلى الاكليريكية البطريركية في غزير في أيلول 2011، حاملاً معك المواهب التي أنعم الله عليك بها والمؤهلات والصفات التي طبعت شخصيتك في التنشئة الكشفية.
وقضيت خمس سنوات مليئة بالطواعية للتتلمذ والنموّ الروحي والإنساني والفكري. وكانت الملاحظات التي تردنا من المسؤولين عنك تشدّد على أنك « تتمتّع بروح التتلمذ، وتُظهُر قابليةً للنموّ، وتتمتع بشخصية قوية وقيادية وبمؤهلات تنظيمية وتنشيطية، وبعلاقات جيدة مع الجميع، وبحُبّ العيش في الجماعة، وبروح الخدمة وتحمّل المسؤوليات ».
وبعد الانتهاء من دروسك اللّاهوتية وكنت قد تعرّفت إلى الآنسة جوال دكاش المسؤولة في اللجنة الإقليمية لأخويات طلائع العذراء في نيابة جونيه البطريركية ثم في اللجنة المركزية لطلائع لبنان، غادرت الاكليريكية لتخوض مع جوال مغامرة التحضير للزواج وبناء عائلة مسيحية ثم التحضير للكهنوت.
وقد رافقتكما تنموان معًا في الحبّ الذي منحكما إياه الله في سرّ الزواج نعمةً مميزة وفي التضحيات الكبيرة لتأسيس العائلة وخدمة الكنيسة. وكنتما تشاركان في المخيمات الرسولية في الأبرشية. إلى أن قررتما الزواج في تموز 2019، ورزقتما بعد سنة الطفلة ناي التي أدخلت إلى البيت الفرح والسعادة.
وفي كل هذه الفترة التزمت، ايها العزيز روجيه، بخدمة رعائية مع الخوري بيار صعب في البترون، ثم مع الخوري إيلي سعاده في سمارجبيل وإدّه، ثم مع الخوري جورج عبدالله في كفرحي وبقسميا، وأخيرًا مع الخوري بطرس فرح في بجدرفل وكفيفان وتولا.
وفي موازاة اختبارك الرعوي، التزمت بالتعليم في مدرسة سان غريغوار وسيدة الجمهور مع الآباء اليسوعيين.
وبعد هذه المسيرة الحافلة بالخبرات، وصلتَ إلى هذا اليوم الذي نمنحك فيه سرّ الكهنوت المقدس لتكرّس كل مواهبك لخدمة شعب الله الذي سنوكله إليك. وقد اتخذتَ شعارًا لكهنوتك من المزمور 85: « الحقُّ من الأرض ينبت ». وربطته برموز الخلق والأرزة والصليب الماروني.
وكأنك تعيدنا بذلك إلى تعليم الكتاب المقدس والكنيسة الذي يشدّد على أن الله خلق الإنسان على صورته كمثاله وفوّضه إخضاع الأرض وحراثتَها وحراستَها وحمايتها والعناية بها والسهر عليها. (راجع تك 1/28 و2/15، والرسالة العامة « كن مسبَّحًا » للبابا فرنسيس، عدد 66).
وتشير إلى أن الله خلقنا نحن في أرض لبنان حيث « الأرزةُ ذاتُ الأغصان العالية متجذرةٌ في عمق الأرض المقدسة »، كما قال قداسة البابا فرنسيس في كلمته في ختام يوم الصلاة من أجل لبنان في الأول من تموز الفائت.
وتشير كذلك في الصليب الماروني إلى أن « الأرض هي عنصر مكوِّن للهوية التاريخية والاجتماعية والسياسية للموارنة في ضوء الثوابت الإيمانية واللّاهوتية، وله دور في دعوة الكنيسة المارونية ورسالتها وحضورها وشهادتها في لبنان وبلدان النطاق البطريركي وبلدان الانتشار »، ويكون بالتالي « الحفاظُ على الأرض هو حفاظ على الهوية، والحفاظ على الهوية هو حفاظ على الكيان والديمومة »، كما يعلّم المجمع البطريركي الماروني. (النص 23، عدد 10 و12).
هذا هو مشروع كنيستنا المارونية للقرن الحادي والعشرين؛ وقد تبنَّيتَه مشروعًا لخدمتك الكهنوتية.
وهذا ليس بجديد عليك لأنك تنشّأت في المدرسة الكشفية على تمجيد الله في خلائقه وتعلّمت فيها التوقّف للتأمل بجمال الطبيعة والمخلوقات وتقديرها وتمجيد خالقها.
ولكي تنجح في مشروعك هذا، لا بد لك أن تتذكّر دومًا أن كهنوتك هو نعمة وعطية من الله لشعبه وينبع من كهنوت المسيح الذي هو خدمة في المحبة حتى بذل الذات.
إني أدعوك إذًا إلى أن تعمّق اتحادك الروحي بالمسيح الكاهن الأوحد والأبدي والراعي الصالح لكي تكون علامةً لحضوره في حياتك وفي العالم وصورةً حقيقية له تمثله في رعاية شعبه.
وعليك أن تشهد له في حياةٍ تتّسم ببساطة العيش والتجرّد والعطاء، لا سيّما في الظروف الكارثية التي يعاني فيها شعبُنا من الفقرِ والذلِّ والبطالة والهجرة.
وأن تشهد مع زوجتك لعيش الحب في سرّ الزواج المقدس والاتّكال على العناية الإلهية في إنشاء عائلة مسيحية تكون ملاذًا آمنًا لكل عائلة تحتاج إلى إصغاء وإرشاد. لا تنسَ أنك جار حلتا بلدة المكرّم البطريرك الياس الحويك رجل العناية الإلهية.
إني أصلّي، مع الذين يذكرونك من السماء، من أجلك ومن أجل عائلتك، ومن أجل الرعايا التي خدمت وستخدم فيها، ومن أجل الذين تعبوا في تنشئتك الاكليريكية في غزير وفي جامعة الروح القدس الكسليك، والذين رافقوك في الأبرشية، ومن أجل رفاقك في كشافة لبنان وفي مدرستك.
أستودعك محبة الله وأسلّمك إلى شفاعة العذراء مريم أم الكاهن وجميع قديسينا لتتفانى في الخدمة، وأنت الكشاف المستعدّ دومًا للخدمة، في سبيل بنيان البيعة المقدسة وتمجيد الثالوث الأقدس. آمين.