عظة المطران خيرالله
في قداس يوم كاريتاس في أبرشية البترون
الأحد 10 آذار 2013، في كنيسة مار شربل عبرين
« يا أبني مغفورة لك خطاياك» (مرقس 2/5)
سيادة المطران يوسف ضرغام معلمي وأبي الروحي،
الخوري يوحنا مارون خادم رعية عبرين الحبيبة،
رئيس وأعضاء مكتب كاريتاس في الأبرشية،
أحباءنا جميعاً.
فرحتنا كبيرة اليوم أن نكون في عبرين لنحتفل بيوم كاريتاس في أبرشية البترون. وعبرين هي من أهم رعايا الأبرشية. وعبرين مدعوة أن تقوم بدور بارز في أبرشية القداسة والقديسين، إذ إنها تحتضن ضريح البطريرك الياس الحويك الذي بدأنا بالتحقيق في دعوى تطويبه.
ويوم كاريتاس في الأبرشية اخترناه لينطلق من هذه الرعية الحبيبة ومن عائلاتها وأطفالها وشبابها وصباياها وكبارها. يوم كاريتاس هو يوم المحبة، كما تفهمها الكنيسة في تعاليم المسيح في الإنجيل وكما عاشها هو مثالاً وقدوة لنا.
المحبة هي وصية السيد المسيح الوحيدة، الوصية التي قال عنها أنها تلخص تعاليم الآباء والأنبياء والعهد القديم؛ المحبة المعاشة في حياة كل يوم. والمحبة هي ما اتخذته شعاراً لي في خدمتي الأسقفية في أبرشية البترون.
مفهوم المحبة ينطلق من يسوع المسيح ابن الله الذي، من فيض حبّ الله الآب للبشر، ارتضى أن يتجسد إنساناً مثلنا، وأن يحمل إنسانيتنا بضعفها ونقصها وأن يحمل خطايانا حتى الصليب، حتى الموت على الصليب، لكي بقيامته يبيّن للبشر أن الله يحبهم بدون تمييز ولا استثناء محبة مطلقة، لدرجة أنه ضحّى بابنه يسوع المسيح في سبيل فدائهم جميعاً. المحبة هي بالمسيح بذل الذات حتى النهاية. هكذا عاشها يسوع المسيح وتعيشها الكنيسة من بعده. جوهر الحياة المسيحية والالتزام المسيحي هو المحبة.
وعلّمنا يسوع المسيح أن المحبة لا تكون بالكلام بل بالعمل والالتزام في حياة كل يوم.
تذكروا تعاليم المسيح في ما قاله عن ما ستكون الدينونة الأخيرة. سيديننا الرب على أعمالنا. وكل عمل نقوم به تجاه إخوة يسوع هؤلاء الصغار نكون نقوم به مع المسيح بالذات. مع كل جائع وعطشان ومريض ومتألم ومظلوم ومنبوذ ومحتقر من المجتمع.
يدعونا المسيح إلى أن نفهم عمل المحبة تجاه أحد هؤلاء كأنه عمل مع المسيح بالذات. يسوع هو متجسد في كل واحد منا. وعمل المحبة ينطلق من يسوع المسيح في كل واحد منا. وبخاصة في كل إنسان يحتاج إلى استعادة كرامته وحريته وحقه في الحياة.
أليوم هو أحد شفاء المخلّع الذي أتوا به أربعة أشخاص حاملينه إلى المسيح. كان همهم أن يصل إلى يسوع لكي يشفيه. وصلوا إلى البيت الذي كان فيه يسوع وكان محاطاً بالجماهير كعادته. فنقبوا السقف ودلّوا المخلع ليكون أما يسوع مباشرة. استوقف يسوع الجماهير ونظر إلى المخلع وقال له: مغفورة لك خطاياك. ما معنى هذا الكلام ؟ قال الكتبة والفريسيون. نحن ننتظر منه أعجوبة الشفاء، وها هو يسوع يقول له مغفورة لك خطاياك. أولاً، في رأيهم، ليس المخلّع في حاجة إلى مغفرة الخطايا بل إلى شفاء. وثانياً، من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده ؟ إنه يجدّف.
تطلع يسوع إلى الجماهير وقال لهم: أيهما الأسهل، أن يقال له قم احمل سريرك وأمشِ أم أن يقال له مغفورة لك خطاياك ؟ ولكن لتعلموا أن ابن الانسان يستطيع أن يغفر الخطايا. قال للمخلّع: قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك. فقام المخلّع للحال ومشى أمام الجميع. فتعجبوا جميعهم، وقالوا من هو هذا الذي يغفر الخطايا ويشفي المخلّع. إنه ابن الله يسوع المسيح الذي جاء ليعيد إلى كل إنسان كرامته وحريته وحقه في الحياة.
هذه هي خدمة المحبة التي تفهمها الكنيسة.
وقبل أن نتطلع إلى جمع المال وتوزيعه، نتطلّع أولاً وآخراً إلى الإنسان وحقه في الحياة وعيشه بكرامة. هذا هو جوهر تعليم الكنيسة الإجتماعي لخدمة الإنسان، كل إنسان.
وهذا هو المفهوم الذي نتبنّاه نحن؛ وهو المفهوم الجديد القديم، لأنه مستوحى من يسوع المسيح ومن الإنجيل. ومن خلاله يتطلع مكتب كاريتاس الجديد في أبرشية البترون، وهو يتعاون معنا ويعمل بما اتخذته شعاراً لي، حول خدمة المحبة التي نعمل من أجلها جميعاً في خدمة الإنسان وكرامته وإنمائه وتطويره.
كلنا معنيون بعمل المحبة. وإذا تطلعنا إلى ما حولنا، نجد أن كمّاً من الناس يحتاج إلى محبة. يحتاجون إلى أن نحبهم مجاناً بدون أي مصلحة، فقط لأنهم يسوع المسيح. أن نحبهم لأنه يحق لهم أن يكونوا محبوبين من قبل الكنيسة، وكلنا الكنيسة. وكل واحد منا هو عضو في الكنيسة وعليه أن يعيش ما عاشه المسيح، أي المحبة في خدمة كل إنسان.
دعوتنا اليوم إليكم يا أبناء وبنات عبرين، ومن خلالكم إلى جميع إخوتنا في الأبرشية، لكي يعودوا إلى أصالة إيمانهم وإلى أصالة عيشهم المسيحي؛ هذه الأصالة التي أخذناها إرثاً عن آبائنا وأجدادنا القديسين؛ عن عائلاتنا التي عرفت كيف تلبّي دعوة الله إلى القداسة وتعيش المحبة ببساطة وتضحية وعطاء وصمت وسرّية احتراماً لكل إنسان.
دعوتنا إليكم جميعاً أن تكونوا رسل المحبة، لأننا فقط بالمحبة نستطيع أن نعيد إلى كل إنسان كرامته وحقه في الحياة.
وعندما نتكلم على المحبة في رابطة كاريتاس، رابطة المحبة، لا نفكر بجمع المال ولا بتوزيعه، بل نفكر فقط بكل إنسان يحتاج إل محبة.
فلنصلِّ معاً من أجل عائلاتنا كي تكون خميرة قداسة ورسولة خدمة المحبة بيننا. آمين.