عظة المطران منير خيرالله
في قداس اليوم العالمي الحادي والعشرين للمريض
السبت 16 آذار 2013، في كاتدرائية مار اسطفان- البترون
« إذهب وعامل أخاك بالرحمة» (السامري الصالح لوقا 10/37).
إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات،
حضرة رئيس وأعضاء لجنة راعوية الخدمات الصحية في أبرشية البترون،
أحباءنا العاملين في حقل الرعاية الصحية، وأصحاب الإرادات الطيبة.
نحتفل اليوم، مع لجنة راعوية الخدمات الصحية في أبرشية البترون التي أنشأناها حديثاً باليوم العالمي الحادي والعشرين للمريض. اليوم الذي أطلقه الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1992 على أن يُحتفل به في الحادي عشر من شباط من كل سنة، ذكرى ظهور العذراء مريم في لورد.
« وهو اليوم المميّز، بالنسبة إلى المرضى وإلى العاملين في الرعاية الصحية وإلى المؤمنين المسيحيين وجميع ذوي الإرادات الخيّرة، كما يقول البابا يوحنا بولس الثاني؛ يوم مميز للصلاة وللمشاركة في تقديم آلامنا من أجل خير الكنيسة. وهو دعوة لنا جميعاً لنكتشف في ملامح إخوتنا وأخواتنا المتألمين وجهَ المسيح الإلهي الذي حقّق خلاص الإنسانية من خلال آلامه وموته وقيامته». (البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة إنشاء اليوم العالمي للمريض، 13 أيار 1992، عدد 3).
وكان قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر قد أعلن في رسالته لليوم العالمي الحادي والعشرين للمريض أنه سيتخذ له شعاراًً من مثل السامري الصالح في إنجيل لوقا (لوقا 10/25-37): «إذهب وعامل أخاك بالرحمة». وكان احتفل به في 11 شباط الفائت، في اليوم الذي أعلن فيه عن تنحّيه عن الخدمة البابوية لأنه صار طاعناً في السنّ وعاجزاً عن المضيّ في النهوض بأعبائه، قائلاً: « بعد مراجعة ضميري أمام الله، توصلتُ إلى اقتناع بأنني لم أعد قادراً نظراً إلى تقدمي في السن على القيام بواجباتي على أكمل وجه على رأس الكنيسة».
في مثل السامري الصالح يبيّن لنا يسوع أنه لم يأتِ لينقض العهد القديم والشريعة بل ليكمّلهما بتطبيق الوصية الأولى والأهم في حياة كل يوم. « أحبب الرب إلهك بكل قلبك، وكل نفسك، وكل قوّتك، وكل ذهنك، وأحبب قريبك حبك لنفسك». وكما أحبّنا الله الآب، يقول يوحنا الرسول، لدرجة أنه ضحّى بإبنه الوحيد يسوع المسيح ليفتدينا جميعاً، هكذا علينا أن نحبّ بعضنا بعضاً. ووصية يسوع الوحيدة لنا، تلك الوصية التي تلخّص الشريعة وتعاليم الآباء والعهد القديم، هي: « أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم... وإذا أحببتم بعضكم بعضاً، يعرف العالم أنكم حقاً تلاميذي».
يبقى السؤال على لسان كل واحد منا، كما كان على لسان أحد علماء الشريعة في مثل السامري الصالح: « ومن هو قريبي» الذي عليّ أن أحبه كما أحبّ نفسي بعد محبة الله ؟ إنه الإنسان الذي يحتاج إلى محبة وإلى عمل رحمة ! يقول يسوع. وربما يكون هذا الإنسان من لا أعرفه، غريباً أو حتى عدوّاً لي. فالسامري في هذا المثل هو، في رأي الناس وفي الحياة الإجتماعية وبحسب المقولات الشعبية، عدوّ لليهودي الذي وقع بين أيدي اللصوص. لكنه عندما رآه « بين حيّ وميت، أشفق عليه، فدنا منه وضمّد جراحه، وصبّ عليها زيتاً وخمراً ثم حمله على دابّته وذهب به إلى الفندق واعتنى بأمره» ودفع عنه ما يتوجّب. لم يسأله عن هويته، ولا عن جنسيته، ولا عن انتمائه الإجتماعي أو السياسي ! أحبّه فقط لأنه في حاجة إلى محبة وعناية. وكانت خلاصة يسوع من هذا المثل: « إذهب فاعمل أنت أيضاً كذلك». أي عامل قريبك، أي أخاك في الإنسانية، بالرحمة ومجاناً ومن دون أن تقوم بألف حساب.
إنها الدعوة التي يوجّهها إلينا يسوع المسيح وتوجهها الكنيسة إلينا جميعاً، وليس فقط إلى العاملين في حقل الرعاية الصحية، من أطباء وممرّضين وممرّضات وراهبات وإداريين وموظّفين ومستخدمين، بل إلى كل من يريد أن يحمل رسالة المحبة إلى إخوتنا، وهم إخوة يسوع هؤلاء الصغار، المرضى والمتألّمين وحاملي معاناة جسدية أو نفسيّة.
وعمل المحبة والرحمة في الكنيسة ينطلق من يسوع المسيح إبن الله الذي جعل حبّ الله حاضراً فينا وبيننا؛ وهو حبّ وفيّ أبدي ومن دون حواجز أو حدود أو شروط. وينطلق من إيماننا بالرب يسوع وعمله الخلاصي بين البشر، ومن علاقتنا القوية معه في الصلاة، ويتجسّد في اهتمامنا اليومي والعملي تجاه إخوتنا المجروحين في جسدهم وروحهم والذين يطلبون المعونة.
إننا في سنة الإيمان التي هي مناسبة لمضاعفة خدمة المحبة في جماعاتنا الكنسية وفي مجتمعنا، لكي يكون كل واحد منا سامرياً صالحاً.
وهذا ما جعلني أتخذ شعاراً لخدمتي الأسقفية في أبرشية البترون « خدمة المحبة».
لذا فإني أتوجه أولاً إلى إخوتي وأخواتي العاملين في الرعاية الصحية في نطاق أبرشية البترون- في مستشفى البترون ومستشفى تنورين وفي المستوصفات والمراكز الطبية ودور الراحة – وخارج المنطقة في كل لبنان، وإلى المسؤولين عن التنشئة في معهد التمريض في جامعة العائلة المقدسة، لأشكر الله عن الخدمات الجلّى التي يقدمونها بفرح وتضحية لأبرشيتنا ومنطقتنا ولأصلّي من أجلهم طالباً من الله أن يبارك خدمتهم في مرافقة إخوتنا وأخواتنا المرضى والمتألمين.
وأتوجه ثانياً إلى أبناء وبنات أبرشيتي الحبيبة، أبرشية القداسة والقديسين، لأقول لهم: إننا معنيّون جميعاً بخدمة المحبة، ومعاً نحمل رسالة الكنيسة في خدمة كل محتاج إلى رحمة ومحبة.
وإني أقول لكم جميعاً: تعالوا نلبّي دعوة الله لنا إلى القداسة ونسير معاً على خطى الآباء القديسين، فنتقدّس معاً بشفاعة القديسة رفقا رسولة الألم بفرح وشفيعة المتألّمين.
تعالوا نتشبّه بها طالبين من الله بشفاعة العذراء مريم أن يمنحنا القوة والقدرة على تقبّل الألم بفرح والنضوج فيه وإيجاد المعنى لحياتنا عبر الإتحاد بيسوع المسيح الذي تألّم حبّاً بنا.
تعالوا نتشبّه بالطوباوية الأم تيريزا (من كالكوتا) التي كانت تبدأ نهارها بلقاء مع يسوع في الإفخارستيا، لتخرج بعده إلى الشوارع حاملة المسبحة بيدها لتخدم إخوة يسوع المتألّمين والمنازعين.
تعالوا نتشبّه بدوميط منعم، المخلّع القابع في غرفة العناية الفائقة في مستشفى البترون منذ ست وعشرين سنة، وقد حوّل غرفته إلى صومعة ومركز حجٍّ للكثيرين من شبابنا وصبايانا الذين اتخذوا عبرة وأمثولة رجاء في الحياة.
تعالوا نصلّي من أجل قداسة البابا فرنسيس، البابا الآتي من « آخر أصقاع العالم» (كما قال) والحامل هموم الفقراء والمعذَّبين في شعبه ووطنه الأرجنتين، وفي شعوب أميركا اللاتينية وشعوب العالم الثالث التي تفتّش عن حريتها وكرامتها وحقّها في تقرير المصير، طالبين إلى الله أن يباركه في خدمة الوحدة والمحبة على رأس الكنيسة بشفاعة مريم العذراء ومار فرنسيس ومار شربل الذي له منزلة خاصة في قلبه. آمين.