17-3-2013 قداس في البترون لجمعية لتكن مشيئتك

عظة المطران منير خيرالله

في قداس جمعية « لتكن مشيئتك» في الذكرى الخامسة على تأسيسها

الأحد 17 آذار 2013، في كاتدرائية مار اسطفان

 

« إذهب، إيمانك خلّصك» (مرقس 10/52).

 

إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات،

أحبائي جميعاً، وأعضاء جمعية لتكن مشيئتك.

 

        بفرح ورجاء لا حدود لهما نلتقي أيضاً هذه السنة، كما كل سنة، لنحتفل معاً بالذكرى الخامسة على تأسيس جمعية « لتكن مشئيتك» التي بدأت مشوارها على طريق تتميم مشيئة الله في حياة كل واحد منا.

نلتقي في هذا الأحد السادس من الصوم، أحد شفاء الأعمى الذي تدعونا فيه الكنيسة الى أن نتوقف، في وقفة ضمير وفعل توبة  لكي نسترجع عيش إيماننا بالتزامنا المسيحي. فنطلب من الرب يسوع، كما طلب منه الأعمى:  يا يسوع يا ابن داوود ارحمنا !

لاحظتم في هذا الإنجيل أن الأعمى يتحدى الجماهير ليصل الى يسوع. همّه الوحيد أن يكون في لقاء مباشر مع يسوع. أما الباقي، وكلها حواجز بالنسبة إليه، فيتخطاها حتى ولو بدون بصر ليصل إلى هدفه. فراح يصيح، هو الذي لم يكن الناس يهتمّون به لأنه شحاذ أعمى، هكذا يقولون عنه: « يا يسوع يا ابن داوود ارحمني». إنه اعتراف إيمان بهذا الذي قدامه أنه يسوع، أنه إبن داوود، أنه إبن الله ،أنه المخلص والوحيد الذي يستطيع أن يخلّصه، أنه الوحيد الذي يستطيع أن يعيد إليه كرامته وحقه في الحياة. إنتهره الناس ليسكت، قائلين:  من أنت حتى تصرخ هكذا وتأتي إلى يسوع. أما هو فازداد صراخاً: « يا ابن داوود ارحمني». فاستوقف يسوع الجماهير ليقول لهم: أدعوا هذا الأعمى. فدعوه وقالوا له: «إنهض، إنه يدعوك». تغيّر سلوكهم وتعاملهم معه. فسأله يسوع: « ماذا تريد أن أصنع لك؟ فقال: رابوني أن أبصر». وأن أبصرك أنت، لأنك أنت إله النور ومعطي الأنوار؛ أن أبصرك أنت ابن الله المخلص المنتظر منذ مئات وآلاف السنوات؛ أن أبصرك بإيماني وبعقلي وبقلبي، قبل أن أبصرك بعينيّ؛ ثم أن أبصر الناس من حولي فأرى فيهم من يؤمن بك أو من لا يؤمن بك. فقال له يسوع: « إذهب، إيمانك خلّصك».

الإيمان. يطلب يسوع الإيمان. فقط الإيمان. لكن الإيمان هو التزام كل الإنسان؛ والتزام حياته وعقله وقلبه وكل ما فيه مما أعطاه الله.

إيمانك خلصك. هذا الإيمان الذي أعاد إليه البصر والبصيرة؛ فراح يشكر الله ويتبع يسوع في الطريق. أما الجماهير فاختفت. أين إيمانهم؟

ما يطلب اليوم يسوع، هو أن نكون أبناء إيمان؛ وأن نثق به هو وحده، هو الإله المخلص، هو إبن الله الذي ارتضى أن يصير إنسانا ويحمل إنسانيتنا ويتجسد فيها، ويحمل خطايانا وضعفنا ونقصنا حتى الصليب، حتى الموت على الصليب، لكي نستحق بموته أن نموت عن الخطيئة وأن نتحرر منها وأن نقوم معه الى حياة جديدة، الحياة الأبدية، حياة أبناء الله. فنصبح كلنا، بعد موت المسيح وقيامته، أبناء الله؛ نصبح به أقوى من الموت والشر والخطيئة. هذا ما يطلبه منا المسيح نتيجة عيش إيماننا.

ونحن في أبرشية البترون، أبرشية القداسة والقديسين، مطلوب منا اليوم أن نعود الى أصالة الإيمان الذي أخذناه من كنيستنا وشعبنا، من آبائنا وأمهاتنا القديسين، وأن نعيشه بكل التزام. أن نفتح عيوننا وقلوبنا وأذهاننا لنسمع صوت المسيح يدعونا إليه وأن نقبل التحديات كلها، وأن نهدم كل الجدران والحواجز لنصل الى يسوع. فيسوع وحده هو هدف حياتنا وهو خلاصنا.

نحن حاملو تراث عريق، وحاملو تاريخ قداسة وقديسين، مدعوون اليوم وكل يوم أن نلبي هذه الدعوة وأن نكون نحن أيضاً قديسين.

جمعية « لتكن مشيئتك» وُلدت مع خبرة إنسانية وإلهية في الوقت ذاته. وُلدت مع روزين صعب عندما اختبرها الله بمرض خبيث ومستحيل؛ فتوجهت فقط الى الله بشفاعة القديسة رفقا جارتنا وابنة أرضنا، وسلّمت ذاتها الى الله بشفاعتها. وكانت الأعجوبة. وانقلبت حياتها كلها وقالت فقط مع مريم: لتكن مشيئتك.

وكانت بداية مشوار جمعية في أبرشيتنا ومنطقتنا على خطى الآباء القديسين.

كذلك كانت لنا خبرة دوميط منعم، إبن منطقتنا، القابع في غرفة العناية الفائقة في مستشفى البترون منذ ست وعشرين سنة مخلّعاً إلا من إيمانه ولسانه وعقله وقلبه. فحوّل غرفته إلى صومعة فيها تقدس وصارت مزاراً ومحجّاً للكثيرين من شبابنا وصبايانا الذين راحوا يعزون دوميط لكنهم يأخذون منه رجاءً كبيراً في حبّ الحياة والفرح بالإنتماء الى المسيح.

إنها خبرات، كما خبرة الأعمى وخبرة الكثيرين من قديسينا وقديساتنا، تدعونا إلى وقفة ضمير لكي ننتصر بعدها على الخوف الذي فينا وعلى اليأس الذي يدخل الى قلوبنا؛ فنقول فقط: نحن أبناء الله، ونحن أبناء كنيسة شهدت ولا زالت تشهد لحضور المسيح فيها، ونحن أبناء أرض مقدسة، الأرض التي اختارها الله ليولد فيها إبنه يسوع المسيح ويتجسد ويموت فيها ويقوم. إنها نعمة عظيمة لا تسمح لنا أن نستسلم للخوف ولا لليأس.

نحن أبناء الرجاء، نحن أخوة المسيح، ونحن تلاميذه وشهود له. علينا أن نقول فقط: لتكن مشيئتك يا رب. ومشيئة الله ليست كمشيئتنا، كما منطق الله ليس كمنطقنا. لا نفهم ماذا يريد منا الله، لكننا نسلّم ذاتنا إليه بإيمان وثقة. فهو يصنع من خلالنا ويصنع فينا خلاصه بين البشر.

نحن أقوياء بالمسيح. نحن اليوم أقوى من كل يوم في حياتنا وفي تاريخ كنيستنا التي هي كنيسة المسيح في هذا الشرق. لا تخافوا. فالمسيح معنا إلى منتهى الدهور. وكل التحديات التي تواجهنا اليوم ليست شيئاً بالنسبة الى ما قاسى آباؤنا وأجدادنا القديسون.

نحن بالمسيح كلنا رجاء أننا منتصرون على كل شرّ، وعلى كل فاعل شرّ. فلنبقَ رسل السلام والمحبة، المحبة التي تخدم بمجانية كل إنسان وهو أخ للمسيح. فلنبقَ حاملي رسالة كنيستنا ورسالة وطننا لبنان الذي قال عنه الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني أنه « الوطن الرسالة»؛ وقال عنه البابا بندكتوس السادس عشر أنه « الوطن النموذج»، أنه وطن المحبة والمصالحة والسلام والإنفتاح واحترام الإنسان في حريته وكرامته.

إننا مع قداسة البابا الجديد فرنسيس نحمل هموم كنيستنا بتواضع ومحبة لا حدود لها، لأنه هو اليوم يحمل الكنيسة وقضايا كنيسته في الأرجنتين وفي أميركا اللاتينية، وقضايا كل شعوبنا في العالم الثالث؛ يحملها معه لكي يرفعها الى مستوى الرجاء والانتصار على الخطيئة والفرح بأننا مسيحيون. فهو ببساطته وتواضعه وعمق علاقته بالمسيح وصلاته يطلب صلاتنا. ومعه نحن كنيسة المسيح، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. آمين.