عظة المطران منير خيرالله
في قداس المئوية الثانية لولادة مؤسسها فريديريك أوزانام
مار اسطفان- البترون الأحد 29/9/2013
« وترى ابن الانسان آتياً على سحب السماء بقدرة ومجد عظيم». (متى 24/30)
يسعدنا أن نحتفل اليوم، في الأحد الثالث بعد الصليب، مع جمعية مار منصور دي بول العالمية ومع فرع البترون بيوبيل المئوية الثانية لولادة مؤسسها فريديريك أوزانام.
تحية كبيرة لجميع العاملين في جمعية مار منصور في العالم وفي لبنان وفي البترون بالذات، حيث الجمعية تحمل تاريخ 103 سنوات من خدمة المحبة. وتحية للمسؤولين المتعاقبين عليها وللأعضاء الناشطين والاصدقاء.
الطوباوي فريديريك أوزانام مؤسس الجمعية في العالم هو فرنسي من عائلة مسيحية ملتزمة، بسيطة متواضعة، وهو الخامس بين 14 ولداً التحق سنة 1831، وهو بعمر 18 سنة بكلية الحقوق في جامعة السوربون في باريس وهو ابن ليون. تأثر بالفقر المنتشر في العاصمة الفرنسية في أواسط القرن التاسع عشر بالرغم من مظاهر الغنى فيها وراح يعمل مع بعض زملائه الجامعيين المسيحيين الملتزمين على معالجة هذا الواقع بما اعطاهم الله من إمكانيات. وسنة 1832، بعد تفشي مرض الكوليرا في فرنسا، التزم بخدمة المرضى وبأعمال المحبة مع الفقراء. ثم في سنة 1833 ، وهو بعمر العشرين سنة، أسس ما يسمى « ندوة المحبة» ووضعها تحت شفاعة القديس منصور دي بول شفيع الفقراء ورسول المحبة. وولدت هكذا جمعية مار منصور دي بول.
وضع الطوباوي فريديريك أوزانام هدفين لعمله في خدمة المحبة: الهدف الأول تنمية الإيمان والحياة الروحية لأعضاء الجمعية لكي يلتزموا من عمق إيمانهم بالعمل في المجتمع. والهدف الثاني زيارة الفقراء ومساعدتهم بالسرّية والكرامة. وكانت أمنيته التي كان يرددها دائماً: « أودّ ان أضم العالم بشبكة من المحبة». ونمت جمعيته بسرعة وانتشرت في فرنسا وفي العالم. وأصبح هو مرجعاً كبيراً إذ كان محامياً لامعاً، دكتوراً في الحقوق والآداب، وأستاذاً جامعياً وزوجاً وأباً مثالياً في تربية عائلته أولاً. تعاطى الشأن العام من الوجه الإجتماعي والإنمائي مستوحياً تعليم السيد المسيح وتعليم الكنيسة. وعاش إيمانه المسيحي إلتزاماً يومياً بسماعه كلام الله وبممارسة دينية لأسرار الخلاص لاسيما الإفخارستية والتوبة. وكانت قناعته أن الإيمان يعاش بأعمال المحبة، لا إيمان من دون أعمال ولا أعمال من دون إيمان، كما يردّد القديس يعقوب في رسالته. كل ذلك عملاً بما علّمنا السيد المسيح. وكان الطوباوي أوزانام يردد أن « القانون الوحيد الذي ينبغي أن يحكم العمل الإنساني هو عمل المحبة، هكذا أراد السيد المسيح محبة الله ومحبة القريب. وتوفي بعمر 40 سنة في العام 1853 تاركاً وراءه جمعية منتشرة في 29 بلداً وكانت تعد في فرنسا فقط 900 فرعاً. وبقي نداؤه وهتافه الشهير شعاراً لجميع الذين عملوا معه وبعده على خدمة الفقراء: « بركة الفقراء هي بركة الله؛ فلنذهب الى الفقراء ونحبهم باحترام». وهذا ما اتخذه شعاراً جميع الذين عملوا على تأسيس جمعية مار منصور في البترون سنة 1910. وهذا ما لا يزال يعمل بموجبه أعضاء الجمعية اليوم.
إنه عمل المحبة الذي سيديننا عليه ابن الإنسان يوم يأتي في مجده ليدين جميع البشر. وهذه هي نتيجة تعليم السيد المسيح اليوم في الإنجيل: « إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك ! فلا تصدّقوا». لا تهتموا لآخرتكم الا بأعمال المحبة؛ لأنكم ستحملون معكم أعمالكم يوم الدينونة، وسيقول لكم ملك المجد يسوع المسيح: « كنت جائعاً وكنت عطشاناً وكنت مريضاً وزرتوني وكنتم إلى جانبي، أو لم أركم في حياتي». هذا هو ما علينا أن نعمل به، وصية المحبة وأعمال المحبة. لن نحمل معنا سوى أعمالنا والأعمال هي من نتيجة إيماننا والتزامنا بعيش الإيمان.
هذا هو مخطط جمعية مار منصور؛ وهذه هي خطة الكنيسة في خدمتها الإجتماعية وفي العمل الإجتماعي والإنمائي لكل إنسان وللمجتمع ولكل مجتمع. التزام جمعية مار منصور، كما التزام الجمعيات الاخرى، مثل كاريتاس وغيرها، التي تستوحي من تعليم المسيح ومن وصية المحبة هو أن نخدم الإنسان وأن نحبه من دون مقابل كما أحبنا الله بابنه يسوع المسيح الذي افتدانا موتاً على الصليب.
لن نأخذ سوى هذه الوصية شعاراً لعملنا في جمعية مار منصور وفي عملنا باسم الكنيسة. هذا هو وسيبقى شعارنا الوحيد لخدمة أخينا الإنسان، كائناً من كان هذا الإنسان ومهما كانت جنسيته أو طائفته أو ثقافته أو حضارته. فالإنسان هو أخ لنا. ومحبة الإنسان القريب، وكلُ إنسان هو قريب، هي من محبة الله. فكما قال يوحنا الرسول في رسالته: « إذا قلنا إننا نحب الله ولا نحب أخانا الإنسان فنحن كاذبون». فلتبقى لنا هذه الوصية والعمل بهذه الوصية وسيلتنا الوحيدة لخدمة مجتمعنا وخدمة إخوتنا في وطننا لبنان، الوطن الرسالة، الذي تعوّدنا منذ آبائنا وأجدادنا أن نعيش فيه معاً وبقلب واحد وباحترام متبادل وبتضامن كامل؛ أن نعيش معاً وأن نبني هذا الوطن وأن نبقى نحن بناة هذا الوطن اليوم وبعد آلاف السنوات. آمين.