عظة المطران منير خيرالله
في قداس الإحتفال باليوبيلين الفضي والذهبي للمتزوجين من أبرشية البترون
الكرسي الأسقفي- كفرحي، السبت 28/9/2013
« ما جمعه الله لا يفرّقه الإنسان» (متى 19/6)
حضرة الخوري بطرس فرح مرشد لجنة العيلة في الأبرشية وأعضاء اللجنة،
إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات،
أيها الأزواج المحتفى بهم،
أحبائي جميعاً أبناء وبنات أبرشية البترون.
بدعوة من لجنة العيلة في الأبرشية، نحتفل اليوم باليوبيلين الفضي والذهبي للأزواج الذين قالوا نعم والتزموا بالحب في سر الزواج المقدس منذ خمسٍ وعشرين أو خمسين سنة في رعايا أبرشيتنا. وفرحتنا تكبر أننا نُحيي هذا الإحتفال مع جميع من رافقوهم من عائلاتهم ومن أبناء وبنات الأبرشية بالقداس الإلهي في هذا الصرح بالذات الذي يعيدنا إلى جذورنا الروحانية وإلى انطلاقة الكنيسة البطريركية المارونية مع مار يوحنا مارون.
ونغتنمها مناسبة لنتأمل معكم، أيها الأزواج الأحباء، بسرّ الزواج المقدس الذي أراده الله منذ البدء سرّ وحدةٍ في الحب بين الرجل والمرأة بحيث يصبحان جسداً واحداً.
هذا ما يعلّمه السيد المسيح، كما سمعنا في إنجيل متى، قائلاً: « أما قرأتم أن الخالق منذ البدء جعلهما ذكراً وأنثى وقال: يترك الرجل أباه وأمه ويلزم إمرأته ويصير الاثنان جسداً واحداً ؟ وما جمعه الله لا يفرّقه الإنسان» (متى 19/4-6). يردّنا المسيح إلى البدء، إلى ما قبل الخطيئة، حيث « خلق الله الإنسان على صورته؛ ذكراً وأنثى خلقهما وباركهما وقال: إنميا وأكثرا واملأا الأرض» (تكوين 1/27) ... « لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم إمرأته ويصيران جسداً واحداً» (تكوين 2/24).
في تعليمه يؤكّد السيد المسيح أولاً أن الله محبة، وحبٌّ مطلق، ومن فيض حبّه خلق الإنسان على صورته ليعيش مثله في الحبّ الذي منحه إياه مجاناً، فقط لأنه يحبّه.
ويؤكّد ثانياً على الوحدة في الحب بين الرجل والمرأة بحيث يصيران جسداً واحداً، ويعيشان في هذا الحب وينميان ويتوالدان ويملآن الأرض. من هنا تشديدٌ على الوحدة بينهما في المساواة والكرامة واحترام مسؤولية وموهبة كلٍ منهما.
ويؤكد ثالثاً على أن ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان. فهذه الوحدة بين الرجل والمرأة هي عطية من الله وسرّ إلهي أراده الله منذ الخلق ولا أحد يفرّق بينهما. « إن هذا السرّ لعظيم» يقول القديس بولس (أفسس 5/32). من هنا تشديد على الأمانة بين الزوجين وعلى عدم انفصام هذه الوحدة بينهما، لأنها إرادة الله. أما لماذا صار الفراق والطلاق بينهما ؟ « لقساوة قلوبهم رخّص لهم موسى في طلاق نسائهم، يقول السيد المسيح، ولم يكن الأمر منذ البدء هكذا» (متى 19/8). إنما أصبح الأمر في ما هو عليه نتيجة للخطيئة التي غرق فيها الإنسان وحوّر إرادة الله وراح يسنّ شرائعه لنفسه.
في البدء إذاً كان الحب المتبادل وكان العطاء الكامل وكانت الكرامة والمساواة وكان التوالد وتربية البنين بحسب إرادة الله. ومع الخطيئة تبدّلت المقاييس وضاعت القيم، فصارت هناك خيانة -خيانة لله ولحبّه المطلق- وصار حقد وبغض وقتل وحروب، وصار خضوع المرأة للرجل وصار طلاق.
فجاء المسيح يذكّرنا بإرادة الله منذ البدء؛ ويذكّرنا بأننا خطئنا وأغظنا محبة الله بينما هو بقي على أمانته لنا ورضي أن يبذل ابنُه الوحيد يسوع المسيح ذاته موتاً على الصليب لفدائنا، وكل ذلك نتيجة لحبّه الثابت والأبدي لنا، وليجعل منا شعباً جديداً لله ويؤسس كنيسته على الحب الكامل والأمانة والوفاء.
ويشرح القديس بولس تعليم السيد المسيح مشبّهاً حبَّ الرجل لامرأته بحبّ المسيح لكنيسته:« أيها الرجال أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح الكنيسة وجاد بنفسه من أجلها ليقدّسها مطهِّراً إياها بغسل الماء وبالكلمة. ولذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم إمرأته فيصير الاثنان جسداً واحداً. إن هذا السرّ لعظيم» (أفسس 5/25-31).
أيها الأزواج الأحبّاء، وبخاصة أنتم الذين تحتفلون بيوبيل زواجكم الفضي أو الذهبي، وقد ارتضيتم أن تخوضوا مغامرة الحبّ في الزواح متشبّهين بحبّ المسيح لكنيسته، تسمعون من جديد صوت الله ودعوته لكم إلى عيش القداسة. وتسمعون صوت المسيح يدعوكم إلى العودة إلى البدء، أي أن تعيشوا حبّكم باحترام متبادل وبعطاء كامل الواحد للآخر وبإنجاب البنين نتيجة هذا الحب وبتربيتهم على القيم التي أرادها الله منذ الخلق والتي حافظت عليها كنيستنا وعائلاتنا على مدى الأجيال.
أنتم مدعوون اليوم وكل يوم إلى عيش قيم الحبّ الزوجي – أي الأمانة والثبات والديمومة في الحب الذي قلتم له « نعم » في بداية مسيرتكم الزوجية أمام الله وفي الكنيسة.
أنتم مدعوون أن تشهدوا لتلك القيم في عالمٍ يعود ربما إلى أيام صادوم وعامورة حيث « كان الناس يأكلون ويشربون، ويتزوّجون ويزوّجون، إلى يوم دخل نوح السفينة فجاء الطوفان وأهلكهم أجمعين» (لوقا 17/27).
أنتم مدعوون أن تكونوا أيقونة الحبّ الإلهي في عائلاتكم وفي كنيستكم المارونية، وفي وطنكم الفريد والمميّز لبنان، الوطن الرسالة، حيث العائلة كانت ويجب أن تبقى الخميرة الجيّدة ورسولة الحب والإحترام المتبادل والكرامة والحرية.
إشهدوا بحبّكم أمام من يحتاجون إلى الحب الحقيقي لمخطّط الله الذي بدأه بخلق الإنسان على صورته وكمّله بحب ابنه يسوع المسيح الخلاصّي؛ واجعلوا من شهادة حياتكم مثلاً لأولادكم فيحملوا بدورهم رسالة كنيستهم ووطنهم. فأنتم أبناء البترون، أرض القداسة والقديسين؛ فعليكم أن تشهدوا دوماً أن عائلاتكم تلبّي دعوة الله إلى القداسة وأنها ستبقى منبعاً للقديسين. آمين.