عظة المطران منير خيرالله
في قداس لقاء أخويات طلائع العذراء في أبرشية البترون
السبت 21/12/2013، في معهد القديس يوسف للآباء الكبوشيين- البترون
« لأن المحبة من الله... ولأن الله محبة» (1 يوحنا 4/7-8).
أحبائي الطلائع،
هذا هو سرّ الله الذي كُشف لنا بولادة ابنه يسوع المسيح إنساناً مثلنا وبيننا. الله محبة؛ محبة مطلقة. ولأنه محبة خلق الإنسان منذ البدء على صورته كمثاله؛ خلقهما ذكراً وأنثى، رجلاً وامرأة، ليعيشا الحب الذي أعطاه لهما الله مجاناً. أعطاهما أن يعيشا هذا الحب؛ لأنه محبة مطلقة، ولا يستطيع أن يكون إلاّ محبة. ومع أن الإنسان تكبّر على الله، وعصى أوامره، ووقع في الخطيئة وابتعد عنه، لم يستطع الله إلا أن يعامله بالمحبة والرحمة. فغمر آدم وحواء ووعدهما بالخلاص، قائلاً لهما: بالرغم من أنكما ستتعذبان وتُستعبدان للخطيئة والشر، أنا أعدكما بالخلاص. وفترة انتظار الخلاص الموعود دامت آلاف وآلاف السنوات، إلى أن تمّ الزمان ووُلد ابن الله يسوع المسيح المخلّص الموعود.
حقّق الله وعده بولادة يسوع ابن الله إنساناً بيننا ومثلنا.
هذه هي نتيجة حبّ الله للبشر، أنه أرسل ابنه ليصير إنساناً، فيولد في مغارة فقيراً حقيراً مثل أحقر إنسان. أبواه مهجّران أتيا من الناصرة إلى بيت لحم حيث سجلاّت قيودهما؛ لا بيت لهما ولا مكان ضيافة يستضيفهما. وكان من نصيب يوسف ومريم أن يولد يسوع في مغارة. يسوع، ملك الملوك، ابن الله والمخلص الموعود، ملك السلام، وُلد كأحقر إنسان: غريباً، مهجّراً، لا بيت له ولا سقف.
لكن نتيجة المحبة أنه وُلد إنساناً ليحتضن الإنسانية بأكملها: من أفقر إنسان حتى الأغنى، من أصغر إنسان حتى الأكبر، من أحقر إنسان حتى المتسلّط وصاحب السلطة. تبنّى البشرية بولادته، وحملها وحرّرها من عبودية الخطيئة بموته على الصليب وقيامته. فأعطاها حياة جديدة، وأعطى كل إنسان أن يصبح من جديد ابناً لله، كما كان قد خلقه منذ البدء على صورته كمثاله.
هذا هو سرّ الله وسرّ محبة الله للإنسان بالإبن يسوع المسيح الذي صار إنساناً ورفع الإنسانية كلها إلى مستوى الألوهة.
وكي لا أسترسل في اللاهوت، أقول لكم أن سرّ الله كشفه يسوع المسيح وتكشفه الكنيسة من بعده لكل واحد منا.
هذا هو إيماننا. هذا هو الإيمان الذي نُقل إلينا من والدينا فتربّينا عليه؛ هم الذين تعبوا وضحّوا كي نثبت نحن في إيماننا وفي ثقتنا بالله. ونستطيع اليوم أن نشكره على المحبة المطلقة والمجانية التي أعطانا إياها.
ونحن اليوم هنا نعلن إيماننا في الكنيسة وفي المجتمع. إنها نعمة منك يا رب نشكرك عليها، ونشكر ابنك يسوع المسيح الذي تبنّانا بضعفنا ونقصنا ورفعنا معه إلى الصليب، ورفعنا بالموت إلى مجد القيامة.
هذا هو سرّك يا الله. ونريد أن نعلنه وأن نكون شهوداً له في مجتمعنا ومع إخوتنا الشباب.
أحبائي ! أنتم الطليعة، وأنتم في الطليعة !
هذه هي مسؤوليتكم؛ وهذا هو دوركم.
تقتنا بكم كبيرة على قدر قلوبكم الكبيرة.
كنيستكم في أبرشيّة البترون، وأنا راعي هذه الأبرشية وخادم المحبة فيها للكبير والصغير محاولاً التشبه بالمسيح الراعي الصالح، نضع ثقتنا الكاملة بكم. أنتم رجاؤنا لمستقبل كنيستنا وشعبنا. لا يهّم عددكم؛ ما يهمّ هو حضوركم بين إخوتكم وأخواتكم الشباب والصبايا، أبناء عصركم. المهم أن تعيشوا شهادتكم بالمحبة ليسوع المسيح؛ أن تعيشوا ثقتكم به وبحضوره الدائم معنا، وأن تستثمروا مواهبكم في خدمة بعضكم البعض، في خدمة كنيستكم، في خدمة عائلاتكم، في خدمة إخوتكم وأخواتكم الشباب والصبايا.
الرب يبارككم. ويسوع يولد فيكم ومعكم في مجتمعكم ووطنكم. فتولدون أنتم إلى حياة متجدّدة. هذا هو هدف مجمعنا الأبرشي الذي أطلقنا أعماله في 26 تشرين الأول الفائت لنتجدّد معاً بيسوع المسيح وبعمل الروح القدس في كل واحد منا. لنتجدّد في مجتمعنا وفي وطننا لبنان، الوطن الرسالة، ونكون شهود المحبة ورسل السلام والرحمة والمغفرة والتسامح، ونعمل بيد واحدة وقلب واحد لإعادة بناء وطننا في دعوته التاريخية لأنه أرض مقدسة ولأننا نستحق أن نعيش فيه بحرية وكرامة ورأس مرفوع. آمين