كلمة المطران منير خيرالله
في ندوة كتاب « المطران بولس آميل سعاده- سيرة ومسيرة» (28/12/2013)
المطران بولس آميل سعاده:
زرع في ربع قرن خدمةً ومحبةً وعمراناً
كيف لي أن أتكلم على المطران بولس آميل سعاده، ابن الخوري بولس سعاده، وابن سلالة كهنوتية عريقة، وابن إهدن-زغرتا وحامل إرثها وتقاليدها ؟
إنها مهمة صعبة لكنها تهون عندما نعرف أن المطران بولس آميل لم يدخل صدفة على البترون، بل شاء الله وألهم الروحُ مجلس المطارنة الموارنة لينتخبه مطراناً نائباً بطريركياً على بلاد البترون سنة 1986. وبين إهدن-زغرتا والبترون تاريخُ تواصلٍ عريق ومستمرّ. كيف لا نذكر المطران اسطفان الدويهي، إبن أخ البطريرك اسطفان الدويهي، مطران بلاد جبيل والبترون من سنة 1728 إلى سنة 1762 والذي شارك في المجمع اللبناني المنعقد في دير سيدة اللويزة سنة 1736 ووقّع على أعماله.
وكيف لا نذكر العلاقة الودّية التي ربطت المطران يوسف فريفر النائب البطريركي على بلاد البترون (1872-1889) بالبطل القائد يوسف بك كرم ومن خلالهما أبناء إهدن-زغرتا والبترون؟
وهي مهمة تهون عندما يكون الكلام الذي أكتبه شهادة لما عشته مع المطران بولس آميل طيلة مدة أسقفيته.
تسلّم إذاً المطران بولس آميل سعاده رعاية النيابة البطريركية في بلاد البترون يوم كانت ممزّقة مقسّمة مقطّعة الأوصال، لا تواصل بين جردها وساحلها، وأهلها مهجّرون ومشتتون. فراح يعتني بالبشر متنقلاً في رعاياها مؤاسياً الناس ومشجعاً إياهم على الثبات في إيمانهم والتمسّك بأرضهم؛ وراح يعتني بالحجر مبتدئاً بترميم دير مار يوحنا مارون، المقرّ البطريركي الأول، الذي كان في حالة يرثى لها. فانطلقت ورشة ترميم البشر والحجر معاً بدءاً بتحسين وضع الكهنة وتشجيع العمل الرعوي وبناء الكنائس وصالات الرعايا.
دعاني من الإكليريكية البطريركية المارونية في غزير حيث كنت أعتني بتنشئة كهنة الغد إلى أن أعمل معه وإلى جانبه؛ وبدأنا مشوارنا البتروني الذي دام أكثر من خمس وعشرين سنة؛ وهو يستمرّ اليوم بعد تسلّمي رعاية أبرشية البترون إذ إن المطران سعاده لا يزال مرافقاً لي وساهراً على إكمال مسيرة التجدّد تحت عيني الرب وبشفاعة مار مارون ومار يوحنا مارون وقديسي أبرشيتنا.
بدأ المشوار بأن وضع هو قلبَه الإهدنيَّ الكبير وتراثه الماروني وخبرته الراعوية والعمرانية، ووضعتُ أنا قلبي ومحبتي وفكري اللاهوتي والرعوي وثقافتي المارونية التي تلقيتها من معلّمي، المارونيّ الكبير، الخوري يواكيم مبارك ابن كفرصغاب.
عملنا معاً بثقة متبادلة وتشاور مستمرّ على خدمة الأبرشية.
أولاً مع الكهنة بإنشاء المجلس الكهنوتي ثم صندوق تعاضد الكهنة لتحسين وضعهم الرعوي والإجتماعي. ثم مع الشبيبة ورابطة الجامعيين والطلاب الإكليريكيين والفريق الرسولي ورابطة الأخويات. ثم مع المجالس واللجان الأبرشية التي أنشأها كالمجلس العلماني الأبرشي والمجلس الراعوي الأبرشي ولجنة الدعوات ولجنة الشبيبة ولجنة التوأمة ولجنة العيلة.
وأخيراً في إجراء المفاوضات مع مطران فولينيو في إيطاليا لاستعادة هامة مار مارون إلى دير مار يوحنا مارون في كفرحي من حيث أخذت سنة 1130.
رافقني طيلة كل هذه الفترة التي عرفته فيها الراعي الصالح والأب الساهر على رعيته والمدافع عنها ضد الذئاب الخاطفة.
عرفته المطران البنّاء الذي عمّم العمران في كل أبرشيته بدءاً بدير مار يوحنا مارون وانتهاء بمشاريع الرعايا من كنائس وقاعات وخدمات إجتماعية.
عرفته الصوتَ الماروني الصارخ ينادي بالعودة إلى الأصالة وبالتمسّك بإرث الآباء والأجداد وبالقيم والأخلاق المسيحية واللبنانية.
وعرفته صاحب المواقف الجريئة « يوّبخ ويؤنّب في حينه وفي غير حينه».
أما عن الكتاب، فنستأذن الكاتب الأستاذ نبيل يوسف لنقول أننا كنا نتمنى أن تكون المنهجية العلمية ضامنة لهذا الكتاب.
فالكاتب جمع الأخبار والوثائق التي وصلت إليه بطريقة جيدة، وسهر الليالي على تنسيقها. ولكن هناك تقارير رُفعت إلى سيادة المطران سعاده وأوراق خاصة وملاحظات أدرجها الكاتب كما وصلت إليه ولا يجوز أن تدخل في مضمون الكتاب. فالمنهجية العلمية التاريخية تقضي بأن يقرأ الكاتب ما تسلّم من وثائق من آرشيف المطران سعاده ويحلّل فيها ويكتب ما يسمح التاريخ بكتابته.
وفي خلاصة الكلام، أستطيع القول بأن خدمة المطران بولس آميل سعاده لأبرشية البترون تبقى محفورة في قلب كل بترونيّ، وبأن ما زرعه خلال ربع قرن يثمر اليوم خدمةً ومحبةً والتزاماً كنسياً ووطنياً. وإذا كنت أعلنتُ، يوم تسلّمي رعاية أبرشية البترون، أن شعاري هو الخدمة في المحبة وأن برنامجي هو التجدّد تطبيقاً لتوصيات المجمع البطريركي الماروني، فذلك لأني أحصد ما زرعه المطران بولس آميل، ويعود الفضل إليه، ولأني سأزرع بدوري ما سيحصده من يأتي بعدي. «والرب هو الذي ينمي»، وله كل تسبيح ومجد وشكران.
كلمة المطران بولس آميل سعاده بمناسبة إهداء كتابه: «المطران بولس آميل سعاده سيرة ومسيرة» السبت 28/12/2013 في جامعة العائلة المقدسة- البترون يسرني أن أتقدم بأعمق آيات الشكر والمشاعر البنوية من غبطة أبينا السيد البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي الذي شاء بعاطفة أبوية أن يرعى هذا الاحتفال الذي دعا إليه سيادة أخي وحبيبي المطران منير خيرالله راعي الأبرشية السامي الاحترام. والمناسبة إصدار كتاب عنوانه:« المطران بولس آميل سعاده سيرة ومسيرة » للباحث نبيل يوسف الذي تربطنا به صداقة وطيدة. الشكر أيضاً لسيادة رفيق درب الجهاد والعمل الأبرشي سيادة المطران منير خيرالله ولكهنة رعية الأبرشية الذين عملنا معهم طيلة خمس وعشرين سنة في خدمة أبناء هذه الأبرشية الحبيبة. والشكر أيضاً للحضور الكريم ولجميع الذين لبوا الدعوة إلى هذا اللقاء الذي نعتبره تعبيراً صادقاً عن محبة متبادلة وعن تقدير لما قمنا به في نطاق الأبرشية التي أحببناها وأحببنا أبناءها وعملنا ما في وسعنا لقيام نهضة روحية وعمرانية وإجتماعية. اعتبر أيها الأحباء أن وجودكم هو تعبير عن وفاء وتقدير لما قمنا به من انجازات وحفاظٍ على قيمٍ وتراثٍ تركه لنا الآباء والأجداد. وأخص بالشكر الباحث نبيل يوسف واضع هذه المجلدات بعنوان: « المطران بولس آميل سعاده سيرة ومسيرة». الشكر أولاً وأخيراً للرب يسوع الذي أنعم علي بالكثير من النعم على غير استحقاق واعطاني القدرة على العمل. ولا أنسى والديَّ اللذين أسير على خطاهما المباركة. وقد تركا في نفسي تراثاً غنياً من تضحية وعطاء في رعية إهدن- زغرتا، بلدتي التي زرعت فيّ هذه الروح المعطاء والإقدام على التضحيات خدمةً للخير العام. ولا أنسى أخيراً جميع الذين احتملوا ضعفي وساعدوني. وما كان لهذه الكتب أن تتحقق وتبصر النور لولا قربهم مني ومن الباحث نبيل وتقديم الدعم والمساعدة. أيها الأحباء، ندعوكم إلى أن تتصفحوا هذه المجلدات بعقولكم وقلوبكم وأن تحكموا علي إن كنت أميناً على الوزنات التي أعطيت لي. ومعاً نعمل لما فيه النهوضُ بأبرشيتنا والسلامُ لوطننا لبنان الحبيب. وشكراً.