كلمة المطران منير خيرالله
في حفل تكريم أصحاب الإصدارات الثقافية في بلاد البترون سنة 2013
السبت 11/1/2014، في مركز رابطة البترون الإنمائية والثقافية- البترون
معالي وزير الثقافة غابي ليّون راعي هذا الإحتفال ممثلاً بحضرة الرئيس رزق الله فريفر،
صاحب السيادة المطران بولس آميل سعاده السامي الإحترام،
رئيس وأعضاء رابطة البترون الإنمائية والثقافية المحترمين،
أصحاب الإصدارات الثقافية في بلاد البترون في سنة 2013.
تدعوكم رابطة البترون الإنمائية والثقافية والتجمّع الوطني للثقافة والبيئة والتراث إلى حفل تكريمٍ تستحقونه أنتم أصلاً، لأنكم تساهمون في إصداراتكم هذه برفع شأن منطقة البترون ورفع شأن الثقافة في أيامٍ ترتفع فيها وتيرة التعدّي على الثقافة والحضارة وتطلق اليد لمخططات تريد محو الثقافة والتاريخ وانتهاك كرامة الإنسان وحقه في الحياة. وحريق مكتبة الأب سرّوج في طرابلس ليست سوى تعبيرٍ عن هذه الظاهرة.
إنها أيام سوداء، لكننا نرفض أن نستسلم لها وننقاد إلى هذه المخططات وممارساتها، ويرفضها معنا إخوتنا اللبنانيون.
إن إرادتنا بالعيش معاً وبالتمسّك بقيمنا المشتركة وثقافتنا الوطنية هي أقوى من كل أيادي الشرّ التي تحاول أن تنال منها، لأنها نابعة من إيماننا بالسيد المسيح الإله الذي ارتضى أن يصير إنساناً ليرفع الإنسان إلى مستوى الألوهة ويعيد إليه كرامته. من هنا نرى أن حضورنا في العالم وفي مجتمعنا اللبناني هو شهادة لحمل رسالة المسيح وخدمة الإنسان.
« والوجه الأول للرسالة، كما يقول لنا البابا يوحنا بولس الثاني، هو شهادة الحياة المسيحية التي لا غنى عنها. المسيح هو الشاهد المثالي ونموذج الشهادة المسيحية. إن المسيحيين يندمجون في صميم حياة شعوبهم. وهم آياتٌ إنجيلية بأمانتهم لوطنهم وشعبهم وثقافتهم الوطنية، مع الاحتفاظ بالحرية التي أكسبهم إياها المسيح» (رسالة الفادي، عدد 42-43).
والتزامنا بالثقافة الوطنية التي عملنا معاً على بنائها في تنوّع مصادرها الدينية والطائفية والإجتماعية جَعَلَنا نساهم في تطوّر شعوبنا ومجتمعنا إلى أن بنينا معاً لبنان الكيان والوطن والدولة في الحرية والكرامة والإحترام المتبادل.
ويعلّم المجمع البطريركي الماروني « أن البُعد الثقافي في الحياة الإنسانية هو عنصر جوهري في تطوّر المجتمعات البشرية وتفاعلاتها المتبادلة. والكنيسة تدرك تماماً أن الشخص البشري لا يرتقي إلى مستوى الإنسانية إلا عن طريق الثقافة، كما أن وجود الإيمان المسيحي بذاته يرتبط بالثقافات المتنوعة التي تعبّر عنه» (النص 18- الكنيسة المارونية والثقافية، عدد 1).
لذا فإننا نفتخر بكم يا أصحاب الأقلام، ومنطقة البترون تتشرّف بإصداراتكم، لأنكم تساهمون بتطورّ مجتمعنا اللبناني ومنطقتنا البترونية وتربطون الحاضر بالماضي العريق.
فمنطقة البترون هي من المناطق الأكثر حرماناً اقتصادياً وإنمائياً، ولكنها الأغنى ثقافياً وتراثياً وروحياً، لأنها تحمل تراثاً عريقاً وتختزن كنوزاً طبيعية وإنسانية وثقافية وروحية مفتوحة على مستقبل زاهر. إنها أرض التاريخ والتراث والثقافة والقداسة. كل شبر منها وكل بلدة من بلداتها يشهدان على ذلك: من البترون إلى تنورين، مروراً براشانا وسمارجبيل وإده وكفرشليمان وديربلاّ ودوما وحردين؛ وكفرحي المقرّ البطريركي الأول ومدرسة مار يوحنا مارون، الثانية في لبنان بعد عين ورقة؛ وكفيفان وجربتا وعبرين التي تحتضن ضرائح القديسين. وننوّه بأن منطقة البترون تنعم بأكبر مخزون من المثقفين في لبنان؛ وأنتم منهم.
هذا ما جَعَلَنا ندعو إلى مجمع أبرشي يعمل على تطبيق المجمع البطريركي الماروني الذي أطلق ورشة التجدّد في كنيستنا بالعودة إلى جذورنا التاريخية من أجل رسم خارطة طريق تساعدنا على القيام بدورنا الرائد وحمل رسالتنا المميزة في لبنان، كما في بلدان الشرق والغرب. ودعونا جميع أبناء وبنات الأبرشية - من كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين، كنسيين وإجتماعيين ومدنيين وسياسيين وقضائيين وتربويين وثقافيين واقتصاديين وتنمويين وإعلاميين- إلى المشاركة في المسيرة المجمعية، لأن المجمع يعني أن نسير معاً. ووضعنا آلية عمل تسهّل المشاركة لمن يريد وتقضي بأن يساهم كل شخص بحسب اختصاصه وفي الموضوع الذي يهمه. ويعمل هؤلاء في لجان تحت إشراف منسّق خاص لكل لجنة على توصيف الواقع البتروني في الموضوع الذي هم في صدده ويكتبون توصيات نلتزم معاً بتطبيقها. وقد عيّنّا الدكتور جوزف شليطا منسّقاً لموضوع الثقافة والتراث والسياحة الدينية.
والاحتفال بتكريمكم اليوم يمثّل أحد تجلّيات المسيرة المجمعية في أبرشيتنا.
إننا نجدّد شكرنا لرابطة البترون الإنمائية والثقافية والتجمّع الوطني للثقافة والبيئة والتراث على تنظيم هذا الإحتفال. ونجدّد شكرنا لكم على عطاءاتكم، وننوّه بالأصغر فيكم جنا عادل سلّوم. إحملوا دوماً راية الثقافة لخدمة مستقبل أولادكم ومجتمعكم ووطنكم لبنان. وليبارك الرب عملكم.