زيارة دير البلمند، 18/1/2014
قام سيادة راعي الأبرشية المطران منير خيرالله مع فريق من كهنة الأبرشية بزيارة دير البلمند نهار السبت 18 كانون الثاني 2014، اليوم الأول من أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس.
كان في استقبالهم سيادة المطران غطاس هزيم، رئيس دير البلمند مع بعض كهنته. وتوجه معهم أولاً إلى الكنيسة حيث كانت صلاة مشتركة من أجل وحدة كنائسنا. ثم شرح لهم تاريخ الكنيسة والدير، وهما يعودان إلى القرن الثاني عشر، إلى الفترة الصليبية، وكانا للرهبان السيسترسيان (Cisterciens).
وقام معهم بعد ذلك بجولة في الدير لزيارته والتعرف إلى تاريخه. ثم متحف البطريرك اغناطيوس عزيم (وهو خال المطران غطاس).
وبعد الجولة التي دامت أكثر من ساعة، التقى الجميع في صالون الدير. وكانت مداخلتان للمطرانين هذه فحواها:
- المطران هزيم: في هذا اللقاء، وفي كل اللقاءات مثله، تنفتح القلوب على بعضها، ونتعرف إلى بعضنا بعضاً ونقبل بعضنا بعضاً. المهم إذاً هو وحدة القلوب فعلياً لا بالخطابات والكلمات.
« إن أحببتم بعضكم بعضاً يعرف العالم أنكم حقاً تلاميذي»، يقول السيد المسيح. ما يطلب منا المسيح هو أن نحب بعضنا بعضاً كي نشهد له في العالم.
نشكر الله عن أصحاب الغبطة البطاركة رؤساء كنائسنا، الذين قطعوا شوطاً كبيراً في الانفتاح والتقارب؛ كما تشهد لقاءات البطريرك الراعي والبطريرك اليازجي، وكذلك لقاءات البطريرك صفير والبطريرك هزيم من قبلهما.
وعندما يلتقي البطاركة الكاثوليك في إطار مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك وينضم إليهم البطاركة الأرثوذكس يؤدّون شهادة حيّة على تقاربهم وتحاورهم، وبخاصة في الشؤون الراعوية. ما ينعكس ارتياحاً كبيراً على شعبنا.
نحن نعيش في مجتمع إسلامي. فإذا كنا غير قادرين على الحوار فنحن سائرون إلى الفناء، ولا فرق بين طوائفنا. نحن في مرحلة مصيرية تتطلّب منا أن نكون موحّدين ومتحابّين ومتحاورين. لكن ماذا يعني أن نكون موحّدين ؟ أن نندمج في كنيسة واحدة ؟
- المطران خيرالله: مفهوم الوحدة عندنا يتجلّى في التنوّع والتعددية وفي احترام تنوّع تراثاتنا ضمن كنيسة المسيح الواحدة، وضمن الكنيسة الأنطاكية التي ننتمي إليها. إذا عدنا إلى القديس بولس، نرى أنه يشرح مفهوم الوحدة بتشبيهها بوحدة الجسد في كثرة الأعضاء. (راجع 1 قور 12/12-14):
« وكما أن الجسد واحد وله أعضاء كثيرة، وأن أعضاء الجسد كلها على كثرتها ليست إلا جسداً واحداً، فكذلك المسيح. فإننا اعتمدنا جميعاً في روح واحد لنكون جسداً واحداً، أيهوداً كنا أم يونانيين، عبيداً أم أحراراً، وشربنا من روح واحد... فليس الجسد عضواً واحداً، بل أعضاء كثيرة».
ومفهوم الوحدة هذا ينطبق على ما يشرحه السيد المسيح في الكلام على سرّ الزواج، إذ يقول: «لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته ويصير الاثنان جسداً واحداً. فلا يكونان اثنين بعد، بل جسد واحد. وما جمعه الله لا يفرقنّه الإنسان». (متى 19/5-6).
يصير الاثنان جسداً واحداً. هل هذا يعني أنهما يندمجان ؟ لا، بل يتوحدان ليعيشا معاً باحترام كل واحد لخصوصية الآخر.
هكذا نفهم الوحدة في كنائسنا الأنطاكية التي يجمعها تراث أنكاكية الواحد والمتنوّع، سريانياً كان أم يونانياً. وهكذا نفهم وحدة كنيسة المسيح في تنوع انتماءاتها الحضارية والثقافية والتاريخية... وحتى كنيسة روما، وبخاصة بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، تفهم أن الوحدة لا تعني أن تعود الكنائس الأخرى إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، بل أن تتوحد الكنائس في شهادتها للمسيح الواحد مع الحفاظ على خصوصياتها.
- المطران هزيم: في تاريخ الكنيسة عرفنا مفهوماً خاطئاً للوحدة. وكان يعني ذلك بالنسبة إلينا نحن الأرثوذكس الإقتناص. أما اليوم فقد تغيّر.
قرأت للأب سمير خليل اليسوعي في مجلة المشرق مقالة يقول فيها: الكنائس الكاثوليكية التي ولدت مؤخراً في الشرق كانت مشروعاً لتعبر الكنائس الأرثوذكسية من خلاله إلى الوحدة مع روما. وفشل هذا المشروع وأصبح عبئاً في طريق الوحدة.
تاريخياً نحن ننتمي إلى تراث انطاكي، سرياني ويوناني. وهذا التراث لم يكن يوماً واحداً بالمعنى الإندماجي، بل متنوعاً. عُرفت كنيسة أنطاكية بتنوعها، وهذا التنوع نكتشفه في نوافيرنا، ولم يكن يوماً مدعاةً للشقاق أو الانقسام أو التقاتل. وهذا التراث الأنطاكي أغنى الشرق والغرب. لسنا غريبين عن بعضنا. لنا تراث واحد ومتنوع.