عظة المطران منير خيرالله
في قداس ليلة عيد مار جرجس
22/4/2014، في كنيسة مار جرجس راشكيدا (عبرين)
« أثبتوا فيّ، لأنكم بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً» (يوحنا 15/5)
حضرة الخوري يوحنا مارون (مفرج) خادم هذه الرعية الحبيبة،
أحبائي جميعاً أبناء وبنات عبرين.
فرحة كبيرة أن نحتفل معكم بعيد القديس جاورجيوس الذي يعيدنا إلى بدايات الكنيسة في أيام اضطهاد الرومان على جميع المسيحيين في كافة أنحاء الامبراطورية الرومانية.
ومار جرجس الذي عاش في أيام الامبراطور ديوكلسيانوس، في أواخر القرن الثالث، وكانت أصعب أيام في اضطهاد المسيحيين. قرأنا في صلاة الغفران في القداس: « وحزّ في نفس القديس جاورجيوس ما كان يلمس كل يوم من الإنحطاط الذي صارت إليه حالة إخوته المسيحيين جرّاء اضطهاد الامبراطور ديوكلسيانوس».
وفي أيام الاضطهاد، كانت الكنيسة تنمو وتزدهر وتنتشر. وكانت الكنيسة برعاتها ومؤمنيها تسمع كل يوم دعوة المسيح للرسل والتلاميذ قبل القيامة وبعد القيامة: إذهبوا في الأرض كلها. إنطلقوا من أورشليم إلى السامرة إلى الجليل وإلى أقاصي الأرض. علّموا وتلمذوا وعمدوا باسم الآب والابن والروح القدس. وعلّموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به.
انطلق الرسل إلى العالم كله، ومرّوا بشواطئ فينيقيا، بلاد الكنعانيين، من صور إلى صيدا إلى بيروت إلى جبيل والبترون وطرابلس، وإلى تركيا واليونان وروما العاصمة.
في أيام الاضطهاد القاسي كانوا يشهدون للمسيح القائم من الموت والحيّ دائماً وأبداً في كنيسته ومع رسله وتلاميذه ومع جميع المسيحيين الذين يؤمنون به مائتاً على الصليب وقائماً من الموت لخلاص جميع البشر.
هذا هو الحدث المؤسِّس الذي من أجله انطلق المسيحيون يبشرون به في العالم كله.
ووصلت هذه البشرى إلينا نحن اليوم.
والكنيسة التي نحتفل فيها اليوم، كنيسة مار جرجس، تشهد على قدم الحضور المسيحي على هذه الأرض. فالقسم القديم منها يعود إلى البيزنطيين إلى القرن السادس، وفيه جدرانيات تشهد لتلك الحقبة. والقسم الحديث يعود إلى القرن الثاني عشر، أيام الصليبيين.
هذا يدلّ على حضور المسيحيين الفاعل وعلى شهادتهم لحضور المسيح معهم، ويدلّ على أنهم تحرّروا من عقدة الخوف، وبقوا ثابتين في يسوع المسيح السيّد والمعلّم والربّ والإله.
هذه الشهادة كانوا يعلنونها ويعيشونها في حياتهم كل يوم.
وفي ما نعيّد للقديس جاورجيوس وأمام هذه الكنيسة التي هي من جذور تاريخنا وحضورنا في لبنان والشرق، نقول: نحن أصليّون في هذه الأرض، ونحن أصيلون فيها.
إطمئنّوا إذاً؛ فالمسيحية لها جذورها العريقة، وعاشت شهادتها للمسيح بالانفتاح والحوار واحترام الإنسان وخدمته بمحبة وتجرّد.
وعندما وصل إلى هذه الأرض الناس من أديان أخرى وطوائف أخرى، استقبلهم أجدادنا الموارنة برحابة صدر وعاشوا معهم شاهدين لإيمانهم بالمسيح السيد والرب والإله ولكن أيضاً بمحبتهم للجميع بدون تمييز ولا تفرقة.
وحضوركم اليوم يا أبناء وبنات عبرين مع أبناء وبنات راشكيدا المسلمين هو أكبر شهادة أننا نحن المسيحيين أصليّون وأصيلون وأننا بانفتاحنا ومحبتنا وثقافتنا نقبل العيش مع الجميع باحترام ومحبة. نحن مرفوعو الرأس نعلن إيماننا بالسيد المسيح من دون خوف ولا مساومة؛ ولا نريد أن يعود مار جرجس يشعر أنه يحزّ في نفسه ما يلمس من انحطاط في أيام المحن. ونقول للقديس جاورجيوس ولمار مارون وجميع قديسينا: نحن معكم شهود للمسيح على أرض المسيح، الأرض التي قدّسها المسيح باختياره لها كي يتجسّد فيها ويموت ويقوم.
هذه هي رسالتنا وهذه هي شهادتنا. سنحملهما معنا وننقلهما إلى أولادنا وأجيالنا الطالعة، كي يثبوا بدورهم في يسوع المسيح، لأنهم بدونه لا يستطيعون شيئاً. فهو الذي يقول لنا ولهم: لا تخافوا، أنا غلبت العالم. وهذا ما ذكّرنا به البابا يوحنا بولس الثاني الذي سيعلن قديساً بعد أيام. لا تخافوا أن تحملوا المسيح إلى كل إنسان؛ ولا تخافوا أن تحبّوا كل إنسان باسم المسيح. ولتشعّ محبتكم فرحاً وانفتاحاً واحتراماً وخدمةً لكل إنسان.
نهنئكم بهذا العيد، ونحن لا زلنا في الأيام الأولى لقيامة الرب يسوع الذي نطلب منه بشفاعة القديس جاورجيوس وجميع قديسينا أن يمنحنا القوة والجرأة على حمل رسالتنا وعلى عيش شهادتنا دون خوف أو استقالة من دورنا.
هذا هو لبنان العيش الواحد في خدمة الإنسان، وعبرين وراشكيدا يشهدان على ذلك. وسيبقى هكذا أرضاً للشهادة والإيمان، أرضاً مقدسة نحمل جميعاً مسؤولية الحفاظ عليها.
والرب يسوع يبارككم. المسيح قام، حقاً قام. آمين.