عظة المطران خيرالله
في قداس الشكر
في رعية السيدة مراح الزيات بعد انتهاء المرحلة الأولى من مشروع قاعة الرعية
الأحد 11/5/2014
« فما اصابوا في تلك الليلة شيئاً» (يوحنا 21/3)
صاحب السيادة أبانا ومعلّمنا المطران بولس آميل سعاده صاحب الفضل الكبير على أبرشيتنا وعلى رعيتنا بالذات،
المونسنيور بطرس (خليل) النائب العام،
المونسنيور بولس القطريب القريب والعزيز،
الخوري بيار (طانيوس)، يا من خدم هذه الرعية قبل سفره إلى فرنسا للتخصص،
الخوري جورج (واكيم) خادم هذه الرعية بمحبة،
أيها الأحباء أبناء وبنات بلدتي مراح الزيات،
ويا أيها الأصدقاء.
قلبنا مفعم بالفرح اليوم، نحن أبناء وبنات رعية مراح الزيات، فيما نستقبل الأصدقاء والمحبّين الذين فتحوا قلوبهم وتضامنوا معنا وساعدونا كي يتحقق حلم رعيتنا.
وأردنا أن يكون هذا القداس ذبيحة شكر لله عنكم لمناسبة إنتهاء المرحلة الأولى من مشروع قاعة الرعية. هذه القاعة التي ستجمعنا في كل مناسباتنا، في الأفراح والأحزان، قلباً واحداً كما كانت بلدتنا تجمعنا دوماً متضامنين موحّدين.
وهدفنا من خلال بناء هذه القاعة أن نهتّم ببناء البشر أكثر من بناء الحجر. وعندما يُستخدم بناء الحجر لجمع شعب الله بقلب واحد وإيمان كبير ورجاء وطيد بالمسيح القائم من الموت، يكون يحقّق هدفه. ونحن نحقق اليوم هذا الهدف.
دعونا نحسب أنفسنا اليوم كالرسل، حتى بعد قيامة الرب يسوع، الذين بقوا غير مصدّقين حدث القيامة ويعيشون في خيبة أمل كبيرة. فاقترح عليهم سمعان بطرس أن يعود إلى صيد السمك؛ وذهبوا معه.
إنهم بذلك يعودون إلى حياتهم الطبيعية وكأنه لم يحدث شيء جديد بالنسبة إليهم. ثلاث سنوات كان فيها المسيح ابن الله والمخلّص يحمل بشارة الخلاص ويعمل على تحقيق الملكوت؛ واختارهم ليكونوا رسلاً ومبشرين، وعلّمهم أن الله يحبّهم وأنه هو الابن سيموت على الصليب ليفتدي جميع البشر وسيقوم في اليوم الثالث. كل ذلك انتهى بموت يسوع وكأن شيئاً لم يتغيّر. وعادوا إلى صيد السمك كما كانوا قبل مجيء المسيح. وخرجوا في الليل إلى البحر. وما أصابوا في تلك الليلة شيئاً. وعند الفجر عادوا. وكانت المفاجأة أن يسوع سبقهم وكان في انتظارهم على الشاطئ. لم يعرفوه، أو لم يستطيعوا أن يتعرّفوا إليه، لأن أعينهم حُجبت عن معرفته وهم لا يزالون في ظلمة الموت وغير مصدّقين. فكلّمهم يسوع؛ وقال لهم: ألقوا الشبكة إلى يمين السفينة، تجدوا سمكاً. فعرفه يوحنا الحبيب وقال لسمعان بطرس: إنه الرب.
« فائتزر بطرس بثوبه لأنه كان عرياناً وألقى بنفسه في البحيرة» آتياً إلى يسوع، هو الذي كان في السفينة مع رفاقه وبعيداً حوالي مائتي ذراع عن الشاطئ. وبطرس بعفويته يشبهنا كثيراً؛ فنحن مثله عفويون بإيماننا وبتصرّفاتنا وبعيشنا. نسي بطرس كل شيء: نسي خوفه وخيبة أمله؛ ونسي أنه لم يصطد شيئاً طوال الليل، وألقى بنفسه في الماء آتياً إلى يسوع.
فقال لهم يسوع: تعالوا نتغدّى. وكانت شبكتهم، بعد كلام يسوع، قد أصابت سمكاً كثيراً وكبيراً، «مائة وثلاثة وخمسين»، أي أنهم ضبطوا من كل أجناس السمك. فتغدّوا مع يسوع وثبّتوا إيمانه به هو القائم من الموت والباقي معهم دوماً وإلى الأبد.
ما هي الأمثولة إذاً لحياتنا اليوم ؟
نحن نعيش اليوم خيبة أمل كبيرة في خضمّ الظروف الصعبة التي تمرّ علينا جرّاء الحروب والأزمات المتتالية علينا في لبنان وبلدان الشرق الأوسط. ونتساءل: هل سنبقى في خيبة الأمل ؟ هل سنبقى نجاذف في ظلمة الليل دون أن نصدّق قيامة الرب يسوع وحضوره الدائم معنا وبيننا ؟ وهو الذي قال لنا: « لا تخافوا، أنا غلبت العالم »! « لا تخافوا، ها أنا معكم إلى منتهى الدهر»!
هذا هو إيماننا نجدّده اليوم بالرغم من كل العواصف وخيبات الأمل. يسوع يضرب لنا موعداً مع الفجر على الضفة الثانية، ويسبقنا وينتظرنا.
لا بدّ لنا من أن نشهد للمسيح الحاضر معنا؛ ولا بدّ لنا من أن نتأكّد أن يسوع ينتظرنا عندما نعود مع خيباتنا ليجدّد فينا الإيمان والرجاء والمحبة. فنعمل معاً على إعادة بناء وطننا لبنان، الذي ضحّى أجدادنا وآباؤنا في سبيل بنائه وطناً رسالة، كما قال لنا القديس البابا يوحنا بولس الثاني عندما أتى لزيارتنا سنة 1997. ونحن نذكره اليوم وهو يذكرنا في الملكوت.
إننا في هذه الرعية الصغيرة بحجمها والكبيرة بقلوب أبنائها وجميع محبّيها وبخاصة الذين ساهموا معنا في إنجاز هذا المشروع، نشكر الله عنهم ونقول لهم إننا قادرون على الالتزام ببناء مشروع أكبر، ألا وهو مشروع بناء النفوس التي تعود تائبة إلى الله وتتجدّد كل يوم بالمحبة.
قداسنا وصلواتنا نقدّمها اليوم من أجلكم جميعاً، من أجل كل عائلة من عائلاتنا، من أجل كل شخص ساهم وضحّى معنا في هذا المشروع.
ومعاً، وبشفاعة أمنا العذراء مريم سيدة لبنان وشفيعة رعيتنا، نجدّد إيماننا بالرب يسوع القائم من الموت، ونقول له: أنت الذي حوّلتنا من صيادي سمك إلى صيادي بشر، نعدك بأن تبقى كنيستنا سفينة المسيح حاملة رسالة المحبة والانفتاح والوحدة والتضامن، رسالة العدالة والحرية والسلام في لبنان وفي الشرق وفي بلدان العالم كله. آمين.