ترأس سيادة راعي الأبرشية المطران منير خيرالله نهار الأربعاء 21 أيار 2014، الساعة 7,00 مساءً، قداس ليلة العيد السنوي في مزار القديسة ريتا في البترون، عاونه الخوري بيار صعب خادم الرعية. وفي العظة شدّد سيادته على طلب المغفرة « في عصرٍ تغلغل فيه الفساد». وطلب أن نصلّي إلى الله الذي « أنعم علينا بالمطر الليلة» أن « ينعم علينا بشفاعة القديسة ريتا برئيس للجمهورية خلال أيام قليلة».
الــعـــظــــــــة:
« لكنهم لم يفهموا شيئاً من هذا الكلام» (لوقا 18/33).
أبونا بيار صعب خادم هذه الرعية الحبيبة،
أحبائي جميعاً.
فرحة كبيرة أن نحتفل الليلة، وتحت الشتاء وهو نعمة من عند الله، بعيد شفيعتنا القديسة ريتا، وشفيعة الأمور المستحيلة لدى الرب الذي ليس عنده أمر مستحيل. ذلك لأن حياة القديسة ريتا كانت شبيهة بحياة يسوع.
جمع يسوع رسله الاثنين عشر بحسب ما يقول لوفا في إنجيل اليوم، وقال لهم: « نحن صاعدون إلى أورشليم، فيتمّ كل ما كتب الأنبياء في شأن إبن الإنسان»، إبن الله، المخلّص، « فسيُسلم إلى الوثنيين فيسخرون منه ويشتمونه، ويبصقون عليه، ويجلدونه فيقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم». شرح لهم يسوع وأراد أن يفهمهم أن هذه الطريق التي سيسلكها هي طريق الخلاص التي ستعبر بالموت إلى القيامة وإلى الحياة الأبدية. إنها علامة الحبّ الذي تعامل به الله الآب مع البشر ليخلّصهم جميعاً ويفتديهم بابنه يسوع المسيح.
ويقول لوقا: « فلم يفهموا شيئاً من ذلك، وكان هذا الكلام مغلقاً عليهم»، لأنهم لم يستطيعوا أن يصدّقوا أن ابن الله سيموت ثم سيقوم من بين الأموات.
فهموا هذه الحقيقة وأدركوا هذا السرّ فقط بعد موت وقيامة الرب يسوع وحلول الروح القدس عليهم. وتغيّر كل شيء فيهم. فسيطروا على الخوف الساكن فيهم وتحرّروا وانطلقوا في العالم كله ينفذون وصية يسوع لهم: « إذهبوا في العالم كله، وتلمذوا وعمّدوا، وها أنا معكم إلى منتهى الدهر».
القديسة ريتا تشبّهت بالرسل وبآلاف المسيحيين الذين سبقوها في مسيرة الكنيسة وأعطوا ذاتهم في سبيل وفائهم لإيمانهم بالله الذي ضحّى بابنه يسوع من أجلهم.
قبلت القديسة ريتا أن تسلك الطريق التي سلكها المسيح؛ فحملت صليبها وتحمّلت الإضطهاد والهزء والسخرية، وثبتت في إيمانها إلى أن عبرت بالموت إلى الملكوت، وأصبحت شفيعة للكثيرين من الناس في العالم كله الذين أطلقوا عليها شفيعة الأمور المستحيلة. وكانت تطلب منهم أن يتوبوا إلى الله ويحملوا صليبهم مع المسيح بالآلام والأوجاع والمحن.
نقول في ترتيلة زياح القديسة ريتا: « حياتكِ كانت ملأى اضطهاد بعصرٍ تغلغل فيه الفساد، فشهرتِ على الشرّ أقسى جهاد».
أحبائي، ألا ترون أننا نحن اليوم نعيش في عصرٍ تغلغل فيه الفساد ؟
ألسنا نعيش في عصرٍ يبتعد فيه المسيحيون عن الله وعن حمل رسالتهم وعن تلبية الدعوة التي دعاهم إليها الله، أي الدعوة إلى القداسة ؟
هل نقبل نحن المسيحيين اليوم أن نحمل الصليب مع المسيح ونتحمّل الصعوبات والآلام والمحن من أجله ؟ هل نقبل أن نموت معه ونحن نؤمن أننا سنقوم معه إلى الحياة الأبدية ؟
نحن اليوم كمسيحيين في لبنان وفي الشرق نحتاج إلى العودة إلى ذواتنا وإلى الله ونقوم بفعل توبة صادق ونطلب من الله المغفرة. نعم نحن في أمسّ الحاجة إلى طلب المغفرة عن خطايانا وعن الخطايا التي ترتكب حولنا بحق الإنسان والإنسانية، كما كانت تفعل القديسة ريتا بطلب المغفرة عنها وعن زوجها وأولادها وعن أهل بلدتها ووطنها.
فلنطلب إذاً المغفرة من الله بشفاعة القديسة ريتا، لكي نعود إلى أصالة دعوتنا وإلى حمل رسالتنا متخطّين عقدة الخوف وراضين بحمل الصليب مع المسيح حتى مجد القيامة.
فلنصلِّ معاً، ومسيحيون كثيرون في العالم يصلّون معنا، ولنطلب من الله أن يبارك عائلاتنا وشعبنا ووطننا، وأن يكون لنا بشفاعة القديسة ريتا، رئساً للجمهورية في الأيام القليلة الآتية. فلا شيء مستحيل عند الله. والمطر الذي يتساقط علينا اليوم نعتبره علامة خيرٍ وبركة من الله. ولم نعرف ذلك من قبل. قضيتُ عشرين سنة في خدمة البترون ولم أذكر يوماً أن الله أمطر علينا في عيد القديسة ريتا.
القديسة ريتا هي مثال لنا ولأمهاتنا الملتحفة بالسواد على فقد أولادها، إذ ثبتت في إيمانها حتى النهاية.
فليشفع بنا الله ويجعلنا نشهد للمسيح بالمحبة والتضامن في ما بيننا أولاً، ثم بالإنفتاح على إخوتنا في الوطن، مسيحيين ومسلمين، لنعيد معاً بناء لبنان، بيتنا المشترك، وبناء أوطاننا في الشرق الأوسط بالحرية والكرامة والسلام. آمين.