عظة المطران خيرالله في قداس عيد مار اسطفان- البترون 27-12-2014

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس عيد مار اسطفان

البترون 27/12/2014

159

« يا ربّي لا تحسب عليهم هذه الخطيئة» (أعمال الرسل 7/60)


أبونا بيار، أبونا فرنسوا، خادمَيْ رعية مار اسطفان الحبيبة،

أبونا بيار طانيوس خادم رعية تنورين والمرافق للإكليريكيين مستقبل الأبرشية، الذين يعيّديون معنا في هذا الصباح مار اسطفان محاولين التشبّه به في خدمتهم المستقبلية؛ وهذه نعمة كبيرة أن يكون لدينا اليوم 13 طالباً إكليريكياً يتهيأون ليكونوا كهنة لخدمة أبرشيتنا،

أحبائي جميعاً،

        إنها نعمة من الله أن نحتفل اليوم معاً بعيد شفيعنا مار إسطفان بعد كل ما حدث في كاتدرائيته أي الكنيسة التي بناها أجدادنا على إسمه. أنعَم الله علينا أن يكون مار إسطفان شفيعاً لنا. إختاره آباؤنا وأجدادنا منذ المسيحية الأولى أن يكون شفيعاً لهم لأنهم أرادوا أن يتشبّهوا به وبحياته وبشهادته.

أتوقف أولاً عند حياة وشهادة مار إسطفان لأنه كان الشهيد الأول في الكنيسة بعد موتِ السيّد المسيح، قبل أن أتخذ منها عبرةً لحياتنا اليوم.

كان إسطفانوس أولاً شماساً في الكنيسة وكان يبشّر ويعظ ويعلّم كلمة الله؛ وكان الروح القدس يوحي إليه ما يتكلّم به وما يقوله ليجادل من لا يريدون أن يؤمنوا بالمسيح. هو المؤمن الملتزم، دافع بالكلمة عن حضور الله وعن المسيح الإله الذي صار إنساناً والذي مات على الصليب والذي غفر لصالبيه، لكي يعطينا جميعاً بقيامته حياة جديدة ويكون لنا مثالاً وقدوةً.

وكان إسطفانوس ثانياً كان شاهداً للمسيح في حياته، حتى النهاية، حتى إكليل الشهادة. وعندما اغتاظ منه الكتبة والفرّيسيّون واليهود وقرّروا أن يرجموه، لأنه برأيهم كان يجدّف، وأخذوه إلى خارج المدينة، أورشليم، مدينة السلام، مدينة الله، ليرجموه، كان صامتاً، وكان وجهه كوجه ملاك، يقول لنا لوقا في كتاب أعمال الرسل. كوجه ملاك بطهارته وبتسليمه الكامل لله. لم يعرف الخوف لحظة واحدة، لذلك كان قوياً. وقبل أن يسلم الروح كانت صلاته إلى الله من أجلهم جميعاً: « يا ربي لا تحسب عليهم هذه الخطيئة»، متشبّهاً بالمسيح الذي قال وهو على الصليب وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة: « إغفر لهم يا أبتِ لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون». عرف اسطفانوس كيف يغفر قبل أن يصعد إلى السماء. طبعاً تأثر الناس الذين كانوا حاضرين ولكن بنوع خاص، شاوول، هذا الشاب الذي كان مكلَّفاً من علماء اليهود والفرّيسيين والكتبة أن يضطهد أتباع المسيح وأن يقتلهم بالسيف، وأن يتبعهم حيث يعيشون، حتى إلى دمشق. شاوول كان حاضراً في شهادة واستشهاد إسطفانوس، وتأثر أمام هذه الشهادة الصامتة ولكن المعبّرة، ودخلت قلبه، إلى أن دعاه الرب يسوع إليه، فاهتدى وصار مدافعاً عن المسيح وأتباع المسيح وكنيسة المسيح بفضل شهادة إسطفانوس. هو حامل السيف، إهتدى بشهادة شمّاس صامتٍ كان وجهه كملاك.

أما تأملي الثاني فهو حول، ماذا نتعلّم اليوم نحن أبناء رعية البترون من شفيعنا مار إسطفان ؟

نتعلّم أولاً أن نحمل دوماً كلمة الله في قلوبنا وعلى شفاهنا. أن نحمل كلمة الله، كلمة الفرح والرجاء والمحبة، أن نحملها إلى الناس، جميع الناس، بدون استثناء، حتى الذين يضطهودننا؛ لأنّ كلمة الله هي غذاء، هي حبة الحنطة التي تقع في قلب كلّ إنسان ولا بدّ أن تنبت وتعطي ثماراً في الإهتداء والعودة إلى الله. أن نحمل كلمة الله ونبشر بها ونشهد لها في حياتنا: هذه هي رسالتنا.

ونتعلّم ثانياً من شهادة مار اسطفانوس المغفرة. قوّة القديس إسطفانوس كانت، مع كلمته، المغفرة حتى النهاية. المحبة هي التحدّي الكبير للمسيحيين؛ لكن المغفرة، وهي نتيجة المحبة، هي أكبر تحدٍّ لنا جميعاً اليوم وكل يوم وبعد آلاف السنوات. « يا ربّي لا تحسب عليهم هذه الخطيئة». فالمغفرة عند اسطفانونس أظهرت أنها أقوى من السيف، أقوى من سيف شاوول الذي أصبح بولس رسول الأمم. المغفرة ! هل نستطيع نحن اليوم أيضاً أن نغفر ؟ حتى الذين يحملون علينا السيوف ؟

سلاحنا الوحيد هو المحبة والمغفرة، وليس لنا سلاح سواه منذ المسيح حتى اليوم، وحتى نهاية الدهر. المغفرة هي وحدها القادرة على أن تعيد أبناء البشر إلى ربهم وخالقهم. المحبة هي أقوى من هيرودس وكلّ حكام وسلاطين العالم. المغفرة هي أقوى منهم جميعاً وتستطيع أن تردّهم إلى الله خالقهم وأن تحبهم بإبنه يسوع المسيح الذي افتداهم بموته على الصليب، وهو يغفر لصالبيه. وبشهادة إسطفانونس وهو يغفر لراجميه.

أحبائي لا تخافوا ! مار اسطفان هو كبير في الكنيسة، أول الشهداء، وكبير في مَثَل حياته وشهادته واستشهاده. إنه يدعونا اليوم، ليس نحن فقط أبناء وبنات البترون، الذي نجّانا من كارثة كبيرة في كنيسته وأعطى لنا مناسبة أن نعود إلى ربنا، ونستغفر منه، وأن نثبت في إيماننا وفي ارتباطنا بكنيستنا وفي أرضنا، لكنه أيضاً يدعو جميع المسيحيين في لبنان وفي الشرق الأوسط وفي العالم كلّه، ويدعو إخوتنا في المواطنية، المسلمين، وإخوتنا في الشرق الأوسط، مسلمين ويهوداً، يدعوهم جميعاً كي يعودوا إلى ربّهم. فبالسيف لن ينتصر أحد على أحد؛ حتى لو كان السيف مُسلطاً على رقابنا وعلى رقاب إخوتنا في العراق أو في سوريا أو في غيرها. المحبة والمغفرة تبقيان دوماً أقوى من السيف لأنهما تدخلان قلوب البشر وعمق التزامهم حتى في الإنسانية، لتدعواهم أن يعيشوا معاً الأخوّة والمحبة والسلام والإنفتاح والإحترام المتبادل.

هذه هي رسالتنا وهذه هي صلاتنا اليوم إلى الله بشفاعة مار اسطفان، كي نبقى جميعاً موحّدين متضامنين في كنيسة المسيح على أرض المسيح، شهوداً للمحبة والمغفرة. آمين.  

Photo Gallery