عظة المطران منير خيرالله
في قداس منتصف ليل عيد الدنح (الغطاس) في كنيسة سيدة الإنتقال- تنورين الفوقا
الإثنين 5/1/2015
حضرة الخوري بيار (طانيوس) خادم هذه الرعية الحبيبة
أحبائي جميعاً أبناء وبنات تنورين
نلتقي اليوم لنحتفل معاً بعيد اعتماد يسوع المسيح، عيد الظهور الالهي، عيد الغطاس، وعيد معموديتنا جميعاً وولادتنا الثانية.
إنطلاقاً من انجيل العيد أتوقف معكم اليوم حول تأملين: أولاً اعتماد يسوع المسيح وظهوره كإله؛ وثانياً الأمثولة التي نستخلصها اليوم لحياتنا. يخبرنا لوقا في الإنجيل أن يوحنا المعمدان الذي جاء يبشر ويهيء طريق المسيح المخلص كان يبشر الناس ويدعوهم للتوبة قائلاً لهم: « توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات». اقترب مجيء المخلص الذي سيعمدكم بالروح القدس والنار. يقول يوحنا المعمدان: أنا أعمدكم بالماء لمغفرة الخطايا أما يسوع فسيعمدكم بالروح القدس والنار؛ سيعطيكم نعمة الروح القدس، روح الله الذي سيحل عليكم ويجددكم لحياة جديدة ويعطيكم نعمة لتكونوا أبناء الله من جديد.
وبعد أن اعتمد الشعب كله عند يوحنا المعمدان اعتمد يسوع أيضاً فانفتحت السماوات وظهر الروح القدس بشكل حمامة وسُمع صوت من السماء يقول: هذا هو ابني الحبيب عنه رضيت. أظهر يسوع أنه الإله لأول مرة. لم يعد ذلك الطفل أو الشاب الذي عاش حياته الطبيعية والانسانية بين الناصرة وأورشليم ليظهر ألوهيته ويظهر نفسه كإله. سيبدأ رسالته الخلاصية بين البشر، وهو المدعو لكي يتمم مشيئة الله الآب حتى يبذل ذاته ويقبل الموت على الصليب كي يفتدي كل البشر ويعطيهم بقيامته حياة جديدة. هذا هو عيد اعتماد المسيح وظهوره الالهي، عيد الولادة الجديدة.
أما تأملنا الثاني فيتمحور حول الامثولة التي نتعلمها اليوم من هذا العيد، عيد الدايم دايم، كما كان يصفه آباؤنا وأجدادنا؛ أي اذا كنا في حالة نعمة تدوم علينا هذه النعمة؛ واذا كنا في حالة مصالحة ومحبة بين بعضنا البعض تدوم علينا هذه المحبة. وفي حالتنا اليوم، ولكي نحتفل بعيد الدايم دايم، علينا أن نعود الى ذاتنا والى ربنا؛ فنتوب ونطلب منه المغفرة؛ فيعطينا رحمته ونعمته لتدوم علينا؛ فنبدأ السنة الجديدة التي نتمناها سنة خير وسلام ومصالحة ومحبة بين البشر، بيننا في لبنان ومن حولنا في هذه المنطقة التي تجتاحها الحروب والحقد والانتقام والتطرف الأعمى.
مطلوب منا اليوم توبة لكي نستحق النعمة التي أعطانا اياها الرب. صلاتنا اليوم من أجل عائلاتنا وشعبنا ومن أجل هذه الرعية فنطلب من الرب أن يباركنا وتدوم علينا هذه النعمة، ليبارك كل عائلة من عائلاتنا، كل أب وأم، وكل طفل، كل كبير وصغير، لكي نستحق فعلاً نعمة الولادة الثانية. وُلدنا للمرة الأولى في الجسد؛ ونولد مرة ثانية بالمعمودية؛ ومن ثم نولد مرة ثالثة وأخيرة عندما نعبر من هذه الحياة وندخل ملكوت أبينا في السماء ونستحق الخلاص.
صلاتنا من أجل كنيستنا لكي تبقى حاملة رسالتها في لبنان وفي الشرق كله حيث تكون فيه خميرة محبة وسلام ومصالحة بين البشر. نصلي من أجل وطننا لبنان، الوطن الرسالة، رسالة في السلام والانفتاح واحترام الإنسان؛ رسالة في الحرية والكرامة؛ هذه قيم مثلها وطننا بفضلنا، وعلينا أن نعيد بناءه في دعوته التاريخية؛ وهذه هي رسالتنا وهذا دورنا وهذه هي مسؤوليتنا.
صلاتنا أخيراً من أجل شعبنا حتى يستعيد من جديد القيم المسيحية والانسانية التي كانت أساس ثباتنا وبقائنا وارتباطنا في هذه الارض المقدسة التي عاش عليها آباؤنا وأجدادنا، ونحن سنستمر في العيش عليها. المسيح يباركنا جميعا في عيده اليوم ويعطينا القوة بنعمة الروح القدس لكي نبقى ثابتين في أرضنا المقدسة ورسالتنا المقدسة؛ وكلنا مدعوون لنكون قديسين لأن أرضنا البترونية، وتنورين منها، أعطت قديسين وستبقى تعطي قديسين؛ والرب ينعم على كل عائلة من عائلاتنا لتعطي فعلاً كهنة وراهبات ورهباناً وعلمانيين آباء وأمهات يكونون هم أيضاً قديسين بنعمة الرب يسوع. آمين.