عظة المطران خيرالله في قداس أحد الشعانين في تنورين الفوقا 29-3-2015

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس أحد الشعانين

الأحد 29/3/2015- كنيسة سيدة الانتقال، تنورين الفوقا

171

« هوشعنا لابن داوود»

 

أحبائي جميعاً، أبناء هذه الرعية الحبيبة، أبناء وبنات تنورين،

اليوم أحد الشعانين ندخل مع يسوع الى أورشليم، ندخل معه بالمجد ونعيش مجده من جديد، مجد يسوع ابن الله الذي صار إنساناً وارتضى أن يحمل البشرية كلها وأن يعيش آلامها وهمومها وأن يحمل خطاياها، وارتضى أن يمشي في درب الجلجلة وأن يموت على الصليب ويقوم من أجل خلاصها. نعيش اليوم حدث دخول يسوع ابن داود الى أورشليم بالمجد. لاقاه الناس جميعا وراحوا يهتفون له: «هوشعنا للملك الآتي، هوشعنا للملك إبن داوود»، الملك المنتظر، المخلّص، الذي كنا ننتظره منذ مئات وآلاف السنوات. اعتقدوا أنهم ينتظرون ملكاً كما كان داوود وكما كان سليمان؛ ينتظرون ملكاً يحررهم بقوة السيف من احتلال الامبراطورية الرومانية. يسوع قَبِل ان يدخل بالمجد، وقَبِل أن يمجده ويهتف له الاطفال والكبار والصغار والاهالي، لكنه نبههم جميعاً: إن مجدي ليس من هذا العالم؛ لأن مجد هذا العالم هو مجد باطل، أما مجد الله فهو وحده المجد الأبدي، المجد الباقي الذي علينا أن ننشده جميعا.

المجد الذي دخل فيه يسوع، مجده الالهي سمح له بعد الشعانين أن يدخل في أسبوع الآلام، أسبوع مسيرة الجلجلة والموت على الصليب. لم يفهم، كما قال لنا يوحنا في الانجيل، تلاميذه في أول الأمر ما هو هذا المجد؛ لكنهم، بعد أن مُجِّد يسوع وقام من بين الاموات، فهموا معنى هذا المجد.

ونحن اليوم، وفيما نستقبل يسوع على أرضنا، وفي وطننا وفي أبرشيتنا وفي رعيتنا تنورين، علينا أن نفهم لماذا دخل يسوع المجد وأي مجد، وكيف نستقبله اليوم وبأي حال نستقبله. صحيح أن حالنا مذرية اليوم في الأزمات التي نعيشها في لبنان، وفي أوطاننا في الشرق الأوسط، في وسط الحروب وفي وسط الحقد والضغينة والتطرف والتعصب الأعمى؛ مطلوب منا أن نستقبل يسوع، لكن بأي مجد وبأي إيمان؟ إيماننا بيسوع المسيح هو إيمان قوي ورجاؤنا به رجاء وطيد، ونعرف تماماً، من مسيرة كنيستنا وشعبنا ومن تاريخنا، أن المجد الذي ينتظرنا هو مجد القيامة مع المسيح والحياة الابدية. ونعرف أن مجد هذا العالم باطل. ونعرف تماماً أننا مع المسيح سننتصر على كل الأزمات؛ سننتصر بعد أن نَحمل مع المسيح صليبنا، سننتصر بمجد القيامة، وهذا هو تاريخنا.

لا تخافوا إذاً! كل ما نتمناه اليوم لأطفالنا الذين يعيّدون استقبال المسيح ، أطفالنا ببراءتهم ومحبتهم وقلوبهم البريئة، نتمنى لهم أياماً سعيدة، أياماً أفضل من التي نعيش فيها اليوم. نتمنى لهم مستقبلاً زاهراً وحياة مليئة بالنشاط؛ ونتمنى لهم أن يحافظوا على ايمان آبائهم وأجدادهم وأن يبقوا متمسكين بأرضهم المقدسة.

نحن اليوم في مواجهة مسؤوليات بناء مستقبلنا ومستقبل أولادنا؛ ونستطيع معاً، بتعاوننا وتضامننا وإيماننا الكبير، أن نعيد بناء وطننا لبنان، وطناً لهم، وطناً رسالة، كما كان في التاريخ وكما سيبقى، رسالة للعالم كله مهما قست عليه الايام. لا نخاف من العاصفة التي تمرّ علينا، ستعبر، أما نحن فباقون، لا تخافوا! المسيح الذي يدخل أرضنا وقلوبنا يقول لنا : لا تخافوا أنا معكم حتى منتهى الدهر. ويقول لنا، نحن أبناء وبنات تنورين، أبناء وبنات منطقة البترون وأبرشية القداسة والقديسين، يقول لنا المسيح اليوم في أحد الشعانين: لا تخافوا! أدخلوا معي هذا المجد الذي لا بدّ أن يعبر بالآلام وحمل الصليب والموت، لأن بعد كل ذلك قيامة الى حياة جديدة. لا تخافوا! نحن أبناء هذه الارض، نحمل رسالة، رسالة آبائنا القديسين.

ونحن في البترون في مسيرة مجمع أبرشي على خطى آبائنا القديسين، من يوحنا مارون الى القديسة رفقا والقديس نعمة الله والأخ اسطفان نعمه؛ على خطاهم نتجدد ونتقدس بالمسيح؛ ونريد أن تبقى أرضنا البترونية، وأن تبقى أبرشيتنا حاملة رسالتها ودعوتها، دعوة القداسة؛ جميعنا مدعوون أن نتقدس؛ ولا نخاف من مستقبلنا.

الرب يسوع يتكلم باسم أطفالنا الأبرياء؛ يتكلم الينا جميعا نحن الكبار، ليقول لنا: عودوا الى أصالة إيمانكم والى أصالة تاريخ كنيستكم وصمود شعبكم. عودوا الى دعوتكم الى القداسة؛ أحبّوا بعضكم بعضاً لأنكم شعب واحد. آمنوا؛ ترجّوا الحياة الجديدة معي، وأنتم المنتصرون على كل شرّ وعلى كل حقد وبغض؛ لأنكم بالمحبة التي تعيشونها مع بعضكم البعض، تنتصرون وتبنون مستقبلاً زاهراً لأولادكم. آمين.

Photo Gallery