عظة المطران منير خيرالله
في قداس أحد القيامة
في سمارجبيل وفي الكرسي الأسقفي دير مار يوحنا مارون كفرحي
الأحد 5 نيسان 2015
« لا تخافوا. أنا غلبت العالم»
كان الرسل غير مصدّقين، من شدة خوفهم، أن يسوع قام من بين الأموات. فتراءى لهم «ووبّخهم على قلة إيمانهم وقساوة قلوبهم ثم أرسلهم قائلاً: إذهبوا في العالم كله وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين» (مرقس 16/14)، « وعلّموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به، وهاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية الدهر» (متى 28/20).
لا تخافوا ! سيضطهدونكم كما اضطهدوني، وستدفعون ثمن جرائم لم ترتكبوها، كما فعلتُ أنا؛ لكنه ثمن المحبة. لا تخافوا؛ أنا غلبت العالم !
أي جريمة ارتكب يسوع ؟ أحبّ البشر، أحبّهم لغاية أنه ارتضى أن يحمل خطاياهم، ارتضى الألم والذلّ والاحتقار والهزء والموت على الصليب، فقط لأنه يحبّهم ويحبّنا جميعاً ويريد أن يحرّرنا من عبودية الخطيئة الموت.
قدّم ذاته ذبيحة عنا على الصليب، فصار الذبيحة المطلقة، الذبيحة التي أبطلت كل الذبائح؛ صار قربان الحبّ الذي يبذل نفسه في سبيل أحبائه. وقام في اليوم الثالث وانتصر على الموت وأعطانا رجاءً جديداً أنه لم يعد للموت من سلطانٍ علينا.
بموته وقيامته حوّل يسوع المسيح ابن الله كل شيء في تاريخ البشر وقلب المقاييس: حوّل الخوف جرأةً، والحزن فرحاً، واليأس رجاءً، والخطيئة نعمةً، والظلمة نوراً، والموت حياةً!
إنه السرّ العظيم، سرّ ابن الله التي تنازل من ألوهيته وتواضع حتى الإمّحاء وراح يخدمنا، ومات من أجلنا، وأوصانا أن نحبّ بعضنا بعضاً كما أحّبنا هو، وأن نحمل بشارة الخلاص، وأن نحقق ملكوت الله في العالم بالمحبة والعدالة والسلام.
هكذا انطلق الرسل وانطلقت الكنيسة منذ ألفي سنة، وراح المسيحيون يشهدون بالمحبة للمسيح القائم من الموت ويدفعون ثمن جرائم تُرتكب بحق الإنسان والإنسانية في كل مكان. ومنهم أجدادنا وآباؤنا في هذه الأرض المقدسة؛ ثبتوا في إيمانهم وأدّوا شهادتهم لأنهم كانوا يحبّون بعضهم بعضاً، فعرف العالم أنهم حقيقة تلاميذ المسيح. لم يخافوا ولم يتراجعوا يوماً عن تأدية رسالتهم.
واليوم تعود جرائم الحقد والبغض والانتقام إلى منطقتنا في الشرق الأوسط ويعود الخوف يسكن قلوبنا. فنتساءل عن مصيرنا ونفكر بأن المسيحيين ليس لهم مستقبل في هذه الأرض.
لكن المسيح يتراءى لنا ويوبّخنا على قلة إيماننا وقساوة قلوبنا، ويدعونا من جديد إلى عدم الخوف وإلى حمل رسالة المحبة إلى جميع الناس، حتى إلى الذين يضطهدوننا.
هل نسينا أن المسيح غفر لصالبيه، وقال لنا:« أحبّوا أعداءكم وصلّوا من أجل مضطهديكم لتصيروا أبناء أبيكم الذي في السموات» (متى 5/44)، « إغفروا لإخوتكم سبعين مرة سبع مرات» (متى 18/22) ؟ المغفرة هي نتيجة المحبة.
هل نسينا أننا ملحُ هذا الشرق وخميرتُه ؟ هل نسينا أنه علينا أن نعلّم الناس ما أوصانا به المسيح، وأنه علينا أن نعيش المغفرة والمصالحة والمحبة مع بعضنا البعض أولاً، فنقوم نحن إلى حياة جديدة ونجدّد بعدها العالم ؟
تعالوا إذاً نعود إلى ذواتنا وإلى ربّنا للقيام بفحص ضمير وفعل توبة. فيقرع كل واحد منا صدره ويقول:
أتيتُ إليك يا ربّ تائباً، أريد أن أتشبّه بك فأتنازل عن كبريائي وعنفواني، وأريد أن أفتح قلبي للجميع وأعيش المصالحة مع الجميع، أريد فقط أن أحبّ وأن أجدّد إيماني بأن المحبة قادرة على قلب كل المقاييس، وعلى كسر كل حقد وبغض وانتقام؛ أريد أن أتحرّر من خوفي وأن أقوم من قبر الخطيئة والموت.
تعالوا يا إخوتي وأخواتي في أبرشية البترون نفتح قلوبنا وأذهاننا لسماع صوت الرب القائم من الموت يقول لنا: أنتم ورثة القديسين؛ حافظوا على دعوتكم إلى القداسة؛ إحملوا الصليب مع المسيح، وواجهوا كل التحدّيات من أي جهة أتت بإيمان ثابت ومحبة صادقة ورجاء وطيد واتّكال على العناية الإلهية، كما فعل من سبقكم، من مار يوحنا مارون إلى مار شربل ومار نعمة الله والقديسة رفقا والأخ اسطفان والبطريرك الحويك. لا تخافوا! إن لكم الغلبة على أباطيل العالم؛ ومجدُ القيامة ينتظركم.
وهذا ما نحاول أن نقوم به في مسيرة مجمعنا الأبرشي الذي يدعونا إلى التجدّد في العودة إلى جذورنا الروحانية وفي الالتزام بسلوك طريق القداسة.
ونحن واعون على أهمية وخصوصية منطقتنا البترونية، لاسيما المنطقة الوسطى، في دعوة لبنان التاريخية ورسالته المتجددة كما أرادها البطريرك الياس الحويك: رسالة حرية ومحبة واحترام وسلام. سنحافظ عليها بكل ما أوتينا من قوة لتبقى أرضَ القديسين بعيدةً عن كل استغلال أخلاقيّ أو ماديّ أو تجاريّ. وسنبقى نصلي فيها إلى الله كي يباركنا ويسدّد خطواتنا في تتميم إرادته.
في يوم القيامة، نجدد معاً إعلان إيماننا وإيمان الكنيسة: المسيح قام، حقاً قام ! آمين.