عظة المطران منير خيرالله
في قداس الجمعية العمومية السنوية لجمعية دليلات لبنان
الأحد 25/10/2015، ثانوية القلبين الأقدسين- كفرحباب
« أنتم الحجارة الحية» (1 بطرس 2/5)
أبونا شكر الله (الغزال) المرشد العام لدليلات لبنان،
إخوتي المرشدين والقادة والدليلات،
أحبائي في جمعية كشافة لبنان المشاركين معنا اليوم،
بفرح كبير أشارك معكنّ للسنة الثانية في الجمعية العمومية وفي إطلاق السنة الكشفية 2015-2016 على المستوى الوطني تحت شعار « الحجارة الحيّة». وذلك بهدف أن نكون حجارة حية نساهم في بناء كنيسة المسيح والمجتمع، « بيتنا المشترك»، كما يطلب منا قداسة البابا فرنسيس.
نستلهم هذا الموضوع من الكتاب المقدس الذي يستعين بصورة الحجارة، وهي ترمز عند جميع الشعوب إلى القوة لما فيها من صلابة وثبات وثقل، ليطبقها على المسيح الذي هو دائماً وأبداً حجر الزاوية ورأس الزاوية. فالمسيح، « الحجر الذي رذله البناؤون صار رأساً للزاوية» (مز 118/22) في البناء الذي هو الكنيسة، شعب الله الجديد.
ابتعد شعب الله في العهد القديم نعلم أن الله تبنى شعبه وكان دائماً يرافقهم بمحبة مطلقة ويحرسهم واعطاهم الشريعة من خلال موسى على ألواح من حجر. لكنهم ابتعدوا عن شريعة الله وعن تطبيقها لذلك « قال السيد الرب: ها إني واضع حجراً في صهيون، رأس زاوية كريماً، أساساً مُحكماً؛ من آمن به لن يتزعزع» (أشعيا 28/16).
هذا الحجر رأس الزاوية والأساس المُحكم هو يسوع المسيح المخلّص الذي جاء يزرع الشريعة الجديدة، شريعة المحبة، في قلوبنا، في ألواح من لحم ودم لا في ألواح من حجر (كما يقول القديس بولس).
في البناء الجديد، الكنيسة، يسوع المسيح هو إذاً الحجر رأس الزاوية ونحن الحجارة الحية. نحن المعمّدون مدعوون إذاً أن نقترب منه، كما يطلب منا القديس بطرس، لنكون نحن أيضاً « مبنيين كالحجارة الحية بيتاً روحانياً وجماعة كهنوتية مقدسة». نحن بالعماد نصبح حجارة حية في بناء الكنيسة إذ نشارك في ملوكية المسيح ونبوّته وكهنوته. ولأن المسيح هو رأس الزاوية، فالبنيان يتناسق كله فينمو هيكلاً مقدساً في الرب. من هنا مسؤوليتنا نحن المعمدين في إعلاء البناء وفي تماسكه.
نحن مدعوون إلى أن نبني حياتنا لا على رمل الأوهام بل على الصخرة الحقيقية يسوع المسيح. وإذا آمنا به لن نتزعزع.
مدعوون إلى أن نتعاون لنبني معاً بيتنا المشترك أي وطننا ومجتمعنا، وإلى أن نبدأ كل واحد من ذاته ويأخذ مكانه في البناء.
مدعوون إلى أن نتعلّم معاً بناء مدينة البشر على قواعد صلبة، على صخرة المسيح على القيم المسيحية والإنسانية، وأن نعمل معاً من أجل الخير العام الذي يبني كل جماعة وكل مجتمع. وما يصيبنا اليوم في لبنان هو الإبتعاد عن العمل معاً من أجل الخير العام. كل مسؤول يعمل لمصلحته الخاصة والشخصية. فيكف نبني وطناً، وكيف نبني مجتمعاً وكيف نبني الإنسان في حريته وكرامته.
وأنتنّ جمعية تعمل، ضمن العائلة الكشفية وبحسب مبادئها، على مساعدة كل الفتيات على تنمية كامل قدراتهنّ كمؤمنات ملتزمات أولاً في الكنيسة وكمواطنات مسؤولات في المجتمع والوطن.
الوعد الذي وعدتموه في بداية حياتكنّ الكشفية، كما نحن في كشافة لبنان هو، أن تخدمن بصدق وإخلاص الله والكنيسة والوطن، وتخدمن القريب. يبقى عليكنّ أن تعشنه بإخلاص ووفاء.
أما شعار « الحجارة الحيّة» فنحققه في المحاور الثلاثة:
الأول، العمل على المستوى الشخصي:
أن أكون أنا حجراً موجوداً وله مكانه في البناء. وأن أكون مفيداً وفاعلاً، أي حجر مصقولاً وصلباً وجميلاً من الداخل كما من الخارج. يجب العمل على الذات إلى جانب تنشئة روحية ووطنية وإجتماعية. أن أعمل على صقل شخصيتي وروح القيادة عندي والتزامي الروحي وعلاقتي مع الله ومع الحجر الأساس يسوع المسيح.
الثاني، العمل على المستوى العلائقي والجماعي والإجتماعي:
بما أن الحجر لا يستطيع لوحده أن يصنع بناءً بل عليه أن يلتحم بحجارة أخرى مستنداً إلى بعضها وحاملاً بعضها الآخر ليكون البناء متكاملاً (أفسس 4، 16)، عليّ أن أقبل بالاندماج الإيجابي مع الاخرين.
هذا يقتضي منا أن نكون متضامنين كما الحجارة في البناء ومنفتحين ومتناغمين كما الحجارة هي متناغمة بوجودها الواحد إلى جانب الآخر.
الثالث، العمل المبني على جهود كل واحد:
من أجل تحقيق أي مشروع عام، على كل واحد أن يقدّم ما عنده وأفضل ما عنده. هذا يقتضي أن يضحي كل واحد بوقته واندفاعه ومعرفته ومواهبه ليكتمل البناء الواحد.
ومشروعنا هذه السنة هو تنفيذ مركز المخيمات لجمعية دليلات لبنان على الأرض التي قدّمتها لنا البطريركية المارونية في ريفون. بواسطة أبونا شكرالله، له الشكر.
واليوم أقول لكنّ، كما قلت الأحد المنصرم لكشافة لبنان: « نحن لسنا خائفين على مستقبلنا. من خلال وعدكم وخدمتكم للكنيسة، أنتم مستقبل الكنيسة، ومستقبل المجتمع والوطن. نحن معكم نتطلع إلى مستقبل زاهر بوجوهكم المشرقة. لا تخافوا! أنتم الحجارة الحيّة في بناء الكنيسة الذي أصله يسوع المسيح. لا تخافوا! إيماننا بيسوع المسيح يجعلنا نشق طريقنا ونبني مستقبلاً أفضل على القيم المسيحية والكشفية والإنسانية. أنتم الحجارة الحيّة في بناء كنيسة يسوع المسيح. لا تخافوا، أبواب الجحيم لن تقوى عليها! آمين.