عظة المطران منير خيرالله
في قداس ختام الرالي السنوي لكشافات لبنان (Rallye Eclaireuses S.D.L.)
السبت 9/7/2016، في بتخنيّ- قرنايل
« وقف يسوع على الشاطئ لكن التلاميذ لم يعرفوا أنه يسوع» (يوحنا 21/4)
إخوتي الآباء المرشدين، أخواتي في كشافة لبنان،
القادة والعناصر الكشفيّة جميعاً
موضوع لقائكم هذه السنة هو « محطّة الملتقى». وقد اخترنا لهذه المناسبة نص لقاء يسوع بالرسل والتلاميذ بعد القيامة على شاطئ بحيرة طبريّة (يوحنا 21/1-14).
لا بدّ أوّلاً من وضع النّص في إطاره وشرحه كي نتمكّن من فهمه.
رافق يسوع الرسل لثلاث سنوات وعلّمهم وسهر عليهم حتى موته وقيامته وأعطاهم سرّه وقال لهم: « لا تخافوا أنا معكم إلى منتهى الدهر». غير أنّه بعد موته، وبالرغم من أنّه قال لهم أنّه سوف يقوم في اليوم الثالث، دخل التلاميذ في حالة خوف وضياع وحيرة، فتوزّعوا وإختبأوا كلّ منهم في ناحية إذ إنّهم لم يصدقوا أنه سيقوم. وحتّى بعد القيامة، وبالرغم من ظهور يسوع أكثر من مرّة، لم يصدقوا ما رأته أعينهم وما سمعت آذانهم. مريم ظنّت أنّه البستانيّ (يو 20/15ب)، وتلميذا عمّاوس لم يعرفاه عندما دنا منهما على الطريق (لو 24/16)، وتوما أراد علامة كي يصدِّق أن المسيح قام (يو 20/25).
ظهر لهم أكثر من مرّة وآخرها كان على شاطئ بحيرة طبريّة ولم يعرفوه. إنّه هو يسوع ذاته الذي عاش معهم. لذلك نتساءل: لماذا لم يعرفوه ؟ ما الذي حجب نظرهم وقلوبهم وأذهانهم عن معرفته ؟
إنّ الجواب سهل: إنّه الخوف. إنّه الخوف الذي أدّى بهم إلى حالة يأس. وجميعنا نعرف أن الخوف يكبّل الإنسان ويمنعه من القيام بأيّ عمل. ينغلق الإنسان على ذاته كما حدث مع التلاميذ حين إختبأوا في دارٍ أُغلقت أبوابها (يو 20/19). فالخوف هو مصيبة الإنسان؛ إنّه سمة الضعف البشريّ.
أراد يسوع من الظهورات هذه أن يحرّر التلاميذ من الخوف ويذكّرهم بأنّه « من وضع يده على المحراث لا يلتفت الى الوراء» (لو 9/62). فبطرس، الذي كان قد دعاه يسوع ليكون صياداً للبشر (لو 5/10) وصخرة الكنيسة (متى 16/18)، قرّر العودة إلى حياته السابقة، صيّاد سمك، وتبعه التلاميذ الآخرون. ولكنهم « لم يصيبوا في تلك الليلة شيئاً» (يو 21/3). كانت ليلة صعبة جداً، ليلة يأس وظلمة. سهروا طوال الليل ولم يصطادوا شيئًا. وعند بزوغ الفجر، قرّروا العودة كما هي عادة الصيادين. غير أنّهم لم يعلموا ان ما كان في إنتظارهم على الشاطئ هو مفاجأة حضّرها لهم الرّبّ يسوع. كان واقفاً على الشاطئ ينتظر عودتهم ولكنّهم لم يعرفوه. غير أنّ التلميذ يوحنّا، عرفه بعد أن سمع صوته وكلامه فقال لبطرس: إنّه الرّبّ يسوع. ولما سمع هذا الأخير ما قاله التلميذ الذي أحبّه يسوع، ولشدّة حماسته ولهفته للقاء يسوع « ائتزر بثوبه وألقى بنفسه في البحيرة» آتياً نحو الشاطئ دون أن ينتظر وصول السفينة. وعلى الشاطئ، « لم يجرؤ أحد من التلاميذ أن يسأله: من أنت؟ لعلمهم أنّه الرّبّ» (يو 21/12). كان يسوع قد حضّر وجهّز الجمر للإفطار. طلب منهم ما إصطادوه وناولهم الخبز والسمك بعد أن باركه. هذه البركة كانت العلامة التي من خلالها تأكّد التلاميذ بأنّه يسوع.
نحن اليوم، مرشدين ومسؤولين وكشافة، المجتمعين في هذه الطبيعة الجميلة خليقة الله من كافة المناطق اللبنانيّة، نسال: ماذا يريد الرب أن يقول لنا من خلال حدث اللقاء كما رواه القديس يوحنا؟ ماذا يريد أن يعلّمنا يسوع من خلال قراءة كلمته؟
أخواتي وإخوتي، إنّ الله لم يُعطنا روح الخوف، بل روح القوّة والمحبّة والفطنة (2طيم 1/7). والبرهان على ذلك: أربعون سنة من الحرب مرّت علينا في لبنان وامتدّت الى كلّ دول الشرق الأوسط من حولنا؛ حرب تحوّلت إلى قتل ودمار وتطرّف وتعصّب وإرهاب. واليوم، وخاصة مع غياب كلّ الضمانات من الدولة ومؤسّساتها والشعور الدائم بأنّه ما من معين وما من مستقبل يبشر بالخير. إنّه من الطبيعي أن تشعروا بالقلق. فنحن نعيش في ليل مظلم. ولكن بالرغم من عدم الإستقرار والقلق على المصير، لم ولن يقدر شيء أو أحد أن يكسرنا أو يحبط عزيمتنا. فيسوع دائماً معنا. أليس هو من قال: « لا تخافوا أنا معكم إلى منتهى الدهر؟». وليس صدفة أن يكون عنوان لقائنا اليوم في هذه الليلة « محطّة الملتقى». يبقى أن نتساءل: هل سنعرف يسوع؟
نحن اليوم مجتمعون وواثقون أنّ الله معنا ويسمع تضرّعاتنا وطلباتنا. نحن الذين لم نصطد شيئاً وأيدينا فارغة لا نملك شيئاً، نحمل كامل الثقة بالرّبّ يسوع الذي حرّرنا من الخوف وخاصة الخوف من الموت. بموته وقيامته حرّرنا من كلّ عبوديّة جاعلًا منّا أبناءً أحراراً لا عبيداً. اليوم نذكر في صلاتنا الشهداء المسابكيين الذين في سنة 1860 استشهدوا مع آلاف من المسيحيين في هذا الجبل. إنهم شهداء وأبطال وقديسون لم يخافوا من مواجهة الموت، لأنه مع يسوع انكسرت شوكة الموت وأصبح الموت عبوراً إلى الحياة. والعودة إلى التاريخ تهدف إلى أن نتّخذ منه العِبَر. فجميع الذين قدّموا ذواتهم قبلنا، هؤلاء الشهداء، يعلّموننا أن الإيمان بالقائم من بين الأموات حرّرنا من جميع مخاوفنا. وكل الأمور الدنيويّة التي نحملها ونحمل همومها لا تُصبح عبئًا علينا عندما ننظر برجاء وإيمان إلى الغد. نحن أبناء الله نفتخر بإنتمائنا إلى كنيسة الرّبّ يسوع التي لا تقوى عليها أبواب الجحيم.
في هذه الليلة، أدعوكم باسم يسوع المسيح إلى التحلّي بالثقة وعدم الخوف. نعم، أقول لكم لا تخافوا ! عندما ننظر إلى تاريخنا، نرى كم من مآسي عانتها أرضنا المقدسة، هذه الأرض التي صلّى عليها الرّبّ يسوع واختارها كي يصير إنساناً فيها، وأننا ما زلنا وسنبقى موجودين ومتمسكين بها. حضورنا على هذه الأرض هو شهادة للمسيح الحيّ الحاضر دائمًا وأبداً معنا. هذا هو إيماننا وهذا هو رجاؤنا. هذه العاصفة التي تهبّ علينا منذ أربعين سنة سوف تنتهي. وهنا يأتي دوركم أيّها الشبيبة، وبخاصة كشافة لبنان. دوركم هو تحمّل المسؤوليّة تجاه الأرض والوطن والعالم. التنشئة الكشفيّة المميّزة التي تتلقونها روحيّاً وانسانيّاً واجتماعيّاً وكيانيّاً تدعوكم كي تكونوا قوّادًا في المجتمع. هذه التنشئة تدخلكم في فرح الإنتماء الى المسيح والرجاء في المسيح وعيش الوحدة عمليًّا كي تبنوا أنتم لبنان من جديد؛ وتبنوا الدولة والمؤسّسات كما أنتم تريدون، أي على القيم المسيحيّة التي تربيتم عليها. هذه التنشئة تدعوكم إلى التحرّر من الخوف وحمل لواء القيادة إذ لنا كلّ الثقة بأنكم قادرون على ذلك. أنظُرُ إلى وجوهكم وبكلّ ثقة - كما يسوع نظر إلى تلاميذه - وأقول لكم: أنتم قادرون على تغيير المجتمع وعلى تحرير الدولة ومؤسّساتها من الفساد والمصلحة الشخصيّة. أنتم قادرون على بناء لبنان من جديد؛ لبنان الوطن الرسالة كما دعاه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، رسالة في المحبّة والسلام والمصالحة والإنفتاح وإحترام الإنسان وتعددية العيش الواحد.
حضوركم اليوم يؤكّد أنّكم أتيتم إلى المكان حيث ضرب لكم يسوع موعداً، إلى المحطّة الملتقى لننطلق منها كما انطلق الرسل من شاطئ بحيرة طبريّة إلى العالم. أنتم بطرس ويوحنا ويعقوب و.... أنتم رسل يسوع الجدد. هل توافقون أن أطلقكم باسم يسوع المسيح رُسُلَ محبة وسلام ومصالحة إلى العالم كلّه؟ حتماً ستقولون نعم، لأننا نحن ككشافة مستعدون دوماً لتلبية نداء المسيح. وقد أعلّنا في عهدنا الكشفي أننا سنخدم الله والكنيسة والوطن بكل صدق وإخلاص.
انطلقوا إذاً إلى العالم واحملوا رسالة كنيستكم أينما أنتم موجودون في لبنان، من القبيّات مروراً بطرابلس إلى رميش وأرض الجنوب إلى زحله والبقاع، وحتى إلى خارج لبنان.