عظة المطران منير خيرالله
في قداس عيد مار شربل وعيد مار الياس
الأحد 17/7/2016، مار الياس- حدتون
« دعوا القمح والزؤان ينموان معاً إلى يوم الحصاد» (متى 13/30)
أبونا أنطوان (مارون) خادم هذه الرعية الحبيب،
أحبائي جميعاً أبناء وبنات حدتون
بفرح كبير أحتفل معكم بعيد القديس شربل، قديس لبنان وقديس الكنيسة الجامعة، وبعيد مار الياس شفيع رعيتكم.
حضوري معكم اليوم يعيدني إلى تسع وثلاثين سنة إلى الوراء، يوم كنت كاهناً جديداً وبدأتُ رحلة راعوية في كل المنطقة رافقتُ فيها صورة القديس شربل بعد إعلان قداسته في روما في 9 تشرين الأول 1977. الكبار منكم يذكرون أن رابطة الأخويات في البترون مع الخوري بطرس خليفه قرّرت أن تزور صورة القديس شربل كل رعايانا وتقضي في كل رعية أسبوعاً كاملاً تقام فيه الرياضة الروحية والقداسات والصلوات والزياحات ورتب التوبة، رافقتها لسنة كاملة وزرت معها كل الرعايا، ومنها رعية حدتون الحبيبة.
ويدعونا اليوم القديس شربل بعد كل هذه السنوات إلى وقفة ضمير وفعل توبة انطلاقاً من إنجيل اليوم في مثل الزؤان.
يشبّه يسوع ملكوت السماوات برجل زرع زرعاً طيّباً في حقله. « وبينما الناس نائمون، جاء عدوّه وزرع بين القمح زؤاناً. فلما نمى القمح وأخرج سنبله، ظهر معه الزؤان». فجاء الخدم إلى ربّ البيت وقالوا له: « أتريد أن نذهب فنقلع الزؤان». إنها ردّة الفعل الطبيعية عند الناس. إنه المنطق البشري الذي يقضي بأن نقلع الشرّ الذي ينمو فينا بينما الله زرع في قلوبنا الزرع الطيّب. لكن الله يقول لا. « مخافة أن تقلعوا القمح وأنتم تجمعون الزؤان، دعوهما ينموان معاً إلى يوم الحصاد، حتى إذا أتى وقت الحصاد أقول للحصادين: إجمعوا الزؤان أولاً واربطوه حزماً ليحرق. وأما القمح فاجمعوه وأتوا به إلى أهرائي» لأطعم الناس وأشبعهم. (متى 13/24-30).
ألا ترَوْن أن لنا أمثولة في هذا المثل ؟
نحن اليوم نائمون بينما العدوّ يزرع الزؤان في قلوبنا وعائلاتنا ورعايانا ووطننا. ويسوع يطلب منا أن نكون دوماً ساهرين متيقّظين. نحن نعيش حالة لا مبالاة في الالتزام بإيماننا وقيمنا الإنجيلية.
نحن نائمون بينما علينا أن نكون ساهرين على تربية أولادنا بحسب القيم التي تربّينا عليها وأن ننقل إليهم الإيمان الذي نُقل إلينا وشكّل الأساس في استمرارية حضورنا ووجودنا على هذه الأرض المقدسة وحمل رسالة كنيستنا في الشهادة للمسيح بالحرية والمحبة والمصالحة والسلام.
إذا عاد كل واحد منا إلى ذاته، وأنا الأول، وقام بفحص ضمير صادق، نجد أننا حقيقة نائمون ونترك الزؤان ينمو بين القمح ونهتم بأمور هذه الدنيا لجمع المال والممتلكات بحجة أننا نريد أن نربّي أولادنا بحسب متطلبات العصر. هذا مبرّر لا قيمة له، لأن اهتمامنا بأولادنا لا يمنعنا من الإلتزام بإيماننا والشهادة لقيمنا المسيحية في مواجهة كل التحديات والصعوبات. لماذا نخاف من مواجهة الزؤان والشرير؟
نحن لم نتعوّد الخوف في مسيرة تاريخنا الطويل ولا الإستسلام لأي صعوبة، لأن يسوع المسيح حرّرنا من الخوف بموته على الصليب وقيامته وانتصاره على الموت والشرّ، ولأنه وعدنا أنه باقٍ معنا إلى منتهى الدهر.
كنيستنا شهدت لمئات السنوات أنها تحرّرت من الخوف وأنها كنيسة المسيح على أرض المسيح. أجدادنا وآباؤنا واجهوا تحديات التاريخ من الاضطهادات والاحتلالات والحروب على أنواعها وثبتوا في إيمانهم. ذلك لأنهم كانوا مقتنعين أنهم شهود للمسيح وأنهم به ينتصرون طالما أنهم ساهرون معه بالصلاة والتقشف والتضحية والوحدة والتضامن.
التحدّي الذي يواجهنا هو أن الشيطان ساهر أكثر منا على مصلحته، ويتحيّن الفرص ليزرع الزؤان في بيوتنا وعائلاتنا وجماعاتنا وشعبنا ووطننا. وكلمة الله التي زرعت في قلوبنا، وهي غذاؤنا اليومي وخلاصنا، تكاد تختنق بهموم الدنيا. وإذا كنا واعين وقرّرنا مواجهة الشيطان، فنتوجه إلى الله لنعاتبه ونقول له: ألا ترى فلان الذي يزرع الشر أو فلان الذي يسرق، أو فلان الذي يقتل ويدمّر ؟ لماذا لا تلغيه من الوجود وتريحنا منه ؟ بينما الله يجاوبنا: دعوهما ينموان معاً إلى يوم الحصاد. فالله، إله الرحمة، يترك لكل إنسان أن يستفيد من فرص التوبة والرحمة لعلّه يتوب ويعود إلى أبيه. لكن عندما يحين وقت الحصاد، فالله سيحاسب كل إنسان على أعماله، ولسنا نحن القضاة ولا أولياء الحساب.
تعالوا إذاً نتوب إلى ربنا ونجدّد التزامنا بعيش إيماننا ووحدتنا وتضامننا وبتحمّل مسؤوليتنا المشتركة في محاربة الشرّ.
تعالوا نترفّع عن التفاصيل والصغائر ونتطلّع بإيجابية إلى العطايا والمواهب التي يمنحها الله لنا مجاناً ونضعها في خدمة بعضنا البعض، في خدمة كنيستنا وفي خدمة وطننا لبنان، الوطن الرسالة، الذي سعى أباؤنا، مسلمون ومسيحيون، وعلى رأسهم البطريرك الياس الحويك، إلى بنائه وطناً رسالة لكل بلدان العالم في الحرية والديمقراطية والمساواة واحترام التعددية.
ونحن قادرون على ذلك بنعمة الله وشفاعة العذراء مريم سيدة إيليج جارتكم وجميع القديسين شفعائنا. آمين.