رسامة الشماس اندراوس فادي الطبشي كاتدرائية مار اسطفان 10-12-2016

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس رسامة الشماس فادي اندراوس الطبشي

كاتدرائية مار اسطفان- البترون، السبت 10/12/2016

 247

« ولما قام يوسف من النوم، فعل كما أمره ملاك الربّ» (متى 1/24).

 

إخوتي الكهنة: الخوري بيار (صعب) وفرنسوا (حرب) خادمَيْ هذه الرعية،

الخوري بيار طانيوس المسؤول عن لجنة الدعوات في الأبرشية،

الأب جورج طربيه (رئيس دير مار يعقوب البترون) والأب أسعد فضول،

أحبّائي جميعًا،

عائلة الشماس فادي.

 

يجمعنا الرب اليوم في ليلة أحد البيان ليوسف للاحتفال برسامة الشدياق فادي الطبشي شماسًا. وبين الاثنين أوجه شبه، إذ إن فادي حاول أن يتشبّه بالقديس يوسف بتسليم ذاته بكلّيتها إلى مشيئة الله الذي دعاه إلى الخدمة.

يوسف ارتاب أمام حدث حَمْل مريم خطيّيبته قبل أن تأتي إلى بيته. وفي منطقه البشري، وبما أنه كان رجلاً بارًّا، « لم يُرد أن يشهر أمرها بل عزم على أن يطلّقها سرًّا». لكن الله تدخّل بواسطة ملاكه الذي « تراءى له في الحلم وقال له: يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأتي بامرأتك مريم إلى بيتك لأن الذي كُوّن فيها هو من الروح القدس». « فلما قام يوسف من النوم، فعل كما أمره ملاك الرب وأتى بامرأته إلى بيته» (متى 1/18-25). وقرّر أن يقول نعم لمشيئة الله ويدخل في سرّ حُبّه اللامتناهي.

وكانت مريم قد فعلت ذلك من قبله عندما بشّرها الملاك قائلاً: « إفرحي أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك». اضطربت مريم لهذا الكلام. لكن الملاك طمأنها قائلاً لها: « لا تخافي يا مريم، فقد نلت خطوة عند الله. فستحملين وتلدين ابنًا فسمّيه يسوع. سيكون عظيمًا وابن العلّي يُدعى».

قبلت مريم، دون أن تفهم، الدخول في مغامرة سرّ الحب الإلهي، وسلّمت ذاتها قائلةً: « ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك» (لوقا 1/26-38).

 

وبدوره فادي قَبِل دعوة الله له ليخدم في الكهنوت، واليوم في الشماسية التي هي خدمة تتَواصل منذ بداية الكنيسة، منذ أن طلب الرسل من جماعة التلاميذ أن يختاروا من بينهم « سبعة رجال لهم سمعة طيّبة، ممتلئين من الروح القدس والحكمة، ليقوموا بخدمة الأرامل وتوزيع الأرزاق اليومية»، ريثما يتفرغوا هم لخدمة كلمة الله. وكان أول هؤلاء السبعة اسطفانوس شفيع هذه الرعية.

فادي ابن البترون، ابن عائلة الطبشي البترونية الأصيلة، عاش طفولته وصباه بعيدًا عن البترون وبعيدًا عن الله. لكنه أدرك أن الله يفتش عنه ليدعوه إلى خدمة مميزة في الكنيسة من خلال خبرة عاشها معنا صيف 2006. كان فادي في البترون عندما انفجرت الحرب الإسرائلية على لبنان في تموز 2006 مسبَّبةً تهجير حوالى مليون لبناني من الجنوب إلى الشمال. وكان نصيبنا في البترون أن استقبلنا خمسة عشر ألفًا منهم في مدارسنا ورعايانا وأديارنا وبيوتنا وهم هاربون من القصف والدمار. فكان من شبيبة رعيتنا، ومعهم فادي، أن لبّوا ندائي لخدمة إخوتنا المهجّرين 24 ساعة على 24، وطوال 33 يومًا، قبل أن تتوقف الحرب ويعودوا إلى قراهم وبلداتهم.

التزم فادي بتكريس ذاته، كما أخوته الاخرون الملتزمون في الحركات والجمعيات الكنسية، لخدمة مواطنين لا يعرفهم لكنهم مثلنا لبنانيون وأبناء الله وهم غير مسيحيين. قام شبابنا بخدمتهم بمحبة لا حدود لها ولم يسألوهم يومًا عن انتمائهم الديني أو الطائفي أو الإجتماعي أو السياسي. أحبّوهم لأنهم مثلهم أبناء الله.

في هذا الجو، اكتشف فادي أن الله يدعوه إلى خدمة ما، لم تتوضّع في بادئ الأمر. وراح يرافقني مع الشباب والصبايا في زياراتي لإخوتنا الجنوبيين في ضياعهم المدمّرة وبيوتهم المهدّمة. وفاتحني آخر الأمر بأنه يشعر أن الله يدعوه ربما إلى الكهنوت لخدمة إخوته، وبخاصة الفقراء والضعفاء والمهجّرين والمظلومين. فطلبت إليه أن يبقى في حالة إصغاءٍ لصوت الله وأن يتابع حياته.

فراح يعمل في اليمن، أفقر بلدان العالم، لعدة سنوات.

سنة 2010، عاد من اليمن وأدخلته المدرسة الإكليريكية في كفرا، ثم في غزير سنة 2012، ليتابع دروسه الفلسفية واللاهوتية وتنشئته الكهنوتية، لمدة ست سنوات كان خلالها يلتزم في رعيته البترون مع فرسان العذراء وفريق تحضير المناولة الأولى، ومع إخوته الإكليريكيين في نشاطات الأبرشية الرسولية.

وها هو اليوم يرتسم شماسًا ليتابع تنشئته الرعائية بانتظار أن يقبل سرّ الكهنوت في وقت قريب ليتفرّغ لخدمة التعليم والتقديس والتدبير في أبرشية البترون.

ما اكتشفته في فادي، من خلال مرافقتي له لسنوات، هو أنه كان بعيدًا عن إيمانه بالله وعن الكنيسة وعن الإكليروس، وراح يكتشف قرب الله له ومحبته اللامتناهية. إلى أن أصبح الرب حاضرًا في صلاته اليومية وفي دراسته وعمله وخدمته ومسيرته في التنشئة الكهنوتية. وأستطيع القول اليوم أن فادي أصبح ناضجًا ويستحق أن يتدرج في الكهنوت ليخدم الكنيسة شعب الله.

وإني إذ أهمّ بوضع يدي على رأس فادي، تعود بي الذكرى إلى طفولتي عندما تعرّفت إلى راهب طاعن في السنّ في دير مار يوسف جربتا، هو الأب لويس الطبشي البتروني، الراهب القديس.

واليوم آل الطبشي يهدون البترون دعوة جديدة. فهو أول كاهن بتروني منذ سنوات طويلة، وهذا فخر لعائلة الطبشي التي عاشت وتعيش قريبة من كنيسة السيدة وكنيسة مار اسطفان، وفخر للبترون وللرعية وللشبية الذين رافقوه ويرافقونه، عسّى أن يشعر البعض منهم بأن الله يدعوهم هم أيضًا إلى الخدمة الكهنوتية أو الرهبانية.

إن فادي يقول اليوم كما قالت مريم: ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك، ويعمل مثل يوسف كما أمره ملاك الرب، فيضع ذاته في خدمة الناس.

لذا فقد اختار أن يغيّر إسمه من فادي (اي يسوع فادي العالم) إلى أندراوس أحد رسله الذي استشهد في سبيل المسيح واختار أن يُصلب مثله ولكن بطريقة مقلوبة لأنه لا يستحق أن يكون مثل المسيح. فيكون الرسول اندراوس مثاله وقدوةً له في تقديم ذاته من أجل المسيح.

إننا معًا في رعية البترون وفي الأبرشية نقدم فادي اندراوس اليوم إلى الرب ونرافقه بصلواتنا لكي يباركه، فتثمر خدمته دعوات كهنوتية ورهبانية جديدة في أبرشية البترون، أبرشية القداسة والقديسين، ويتقدّس فيها لتمجيد الثالوث الأقدس وبنيان كنيسة المسيح. آمين.

Photo Gallery