عظة المطران منير خيرالله في القداس الأول على المذبح الجديد كنيسة سيدة الانتقال، تنورين الفوقا، الأحد 29/1/2017 « تأتي ساعة فيها تعبدون الآب بالروح والحق» (يوحنا 4/21 و24) إخوتي، الخوري بيار طانيوس والأب نبيه خوري، معالي الشيخ بطرس حرب، أحبائي جميعًا، يوم خير وبركة يجمعنا فيه الرب، لأنه ألبس الطبيعة ثوبًا أبيض مثل قلوبكم يا أبناء وبنات تنورين ليعطينا علامةً على أنه حاضر بيننا ويشجعنا ويقوينا لنسجد له بالروح والحق. في إنجيل اليوم، حوار يسوع مع المرأة السامرية يجعلنا نعود إلى دعوتنا، إلى أصالة الدعوة التي دعانا إليها الرب فنجدّد التزامنا بعيش إيماننا والشهادة له. في هذا الإنجيل نرى يسوع يبادر ويستبق المرأة السامرية وينتظرها عند البئر التي تحمل تاريخًا عريقًا لأنها موجودة في « الأرض التي أعطاها يعقوب لابنه يوسف»؛ وكانت السامرية مزمعةً أن تأتي إليها لتستقي ماءً كعادتها. فبدأ يسوع معها حوارًا يهدف إلى الوصول بالمرأة لتعترف به أنه هو المسيح المنتظر، ابن الله، مخلّص البشر. انطلق الحوار من حياتها اليومية، من حيث هي تعيش ومن حاجتها الماسّة إلى الماء. فقال لها: «إسقيني». كان جوابها الأول أن وضعت حاجزًا لأي حوار يمكن أن يقوم، وقالت: « كيف تسألني أن أسقيك وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية»، واليهود لا يخالطون السامريين. فالعداوة قديمة بينهم، ولا زالت حتى اليوم قائمة بين اليهود والفلسطينيين. أما يسوع فتخطى الحاجز وأكمل الحوار: « لو كنتِ تعرفين عطاء الله ومن هو الذي يقول لك إسقيني، لسألتِه أنتِ فأعطاك ماءً حيًّا. دخلت المرأة في الحوار وأجابت: « لا دلو عندك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي ؟ هل أنت أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه وماشيته». تقدّم يسوع في الحوار، وقال: « كل من يشرب من هذا الماء يعطش ثانية، وأما الذي يشرب من الماء الذي أعطيه أنا إياه فلن يعطش أبدًا». فكان جوابها السريع: « يا رب، أعطني من هذا الماء لكي لا أعطش فأعود إلى البئر لأستقي». فقال لها يسوع: « إذهبي فادعي زوجك وارجعي إلى ههنا». فقالت: « ليس لي زوج». فكشف لها يسوع حقيقة حياتها: « صدقتِ؛ لا زوج لك. فقد كان لك خمسة أزواج، والذي عندك الان ليس بزوجك». فأجابت حالاً: « يا رب أرى أنك نبيّ»... علّمنا كيف نعبد الله. فقال يسوع: « العباد الصادقون يعبدون الآب بالروح والحق، لا في هذا الجبل ولا في أورشليم». فقالت: « إني أعلم أن المشيح آتٍ، وإذا أتى أخبرنا بكل شيء». فأجابها يسوع: « أنا هو، أنا الذي يكلّمك». آمنت به المرأة وراحت تنادي أهل السامرة لتشهد أمامهم أنها تعرّفت إلى المسيح المنتظر. المسيح يبادر اليوم للقائنا في حياتنا اليومية، وينتظرنا في كل محطة من حياتنا، ويريد أن يقيم معنا حوارًا. فهل نتعرّف إليه ونجدّد إيماننا به ؟ إنه يكلمنا ويقول لنا: أنا معكم في كل حين. جئت لأقدّم لكم ذاتي، وأقدّم لكم الخلاص بذاتي. إنه يلتقينا اليوم في هذه الافخارستيا التي نحتفل فيها بذكرى الخلاص، بموت وقيامة المسيح، وهو يعطي ذاته طعامًا وشرابًا لنا. يقول لنا: لكم تاريخ عريق جدًا، أنتم يا أبناء وبنات تنورين، يشهد أن أجدادكم وآباءكم تركوا لكم أرضًا مباركة ومقدسة، عليكم المحافظة عليها بأمانة كما حافظ السامريون على بئر يعقوب. حافظوا عليها، كما تحافظون على تاريخكم وتقاليدكم، وانقلوا هذا الإرث إلى أولادكم، بطريقة ولغة جديدتين، بحيث يبقى التاريخ حيًّا عبر الأجيال. فالشعب الذي لا تاريخ له، لا مستقبل له. نحتفل اليوم بالقداس على المذبح الجديد الذي كرّسناه منذ أسبوعين، وهو يُلبس كنيسة سيدة الانتقال حلّة جديدة تحافظ على عراقة الحلّة القديمة. فالذين قدّموا المذبح من زجاج أرادوه أن يكون شفافًا ويسمح برؤية القديم على عراقته وإظهار أهمية التاريخ الذي نعتزّ به. وهذا ما يجلعنا نقتنع أن الطريقة الجديدة التي علينا أن نشهد فيها للمسيح لا تغيّر عقيدة إيماننا بالمسيح بل ترسّخها أكثر فأكثر في العودة إلى أصالة إيمان الآباء والأجداد؛ وتجعلنا نتذكّر آباءنا وأجدادنا الذين ثبتوا في هذه الأرض منذ ألف وخمسماية سنة بالرغم من كل ما عانوا من أضطهادات واحتلالات وحروب ودمار وتهجير. هذا ما يدعونا إليه المسيح اليوم، فنشكر الله الآب على عطاياه ونِعَمه المجانية لنا ولكنيستنا ولوطننا ونحمل الرسالة التي إئتمننا عليها نحن وأولادنا وأجيالنا الطالعة على الأرض التي شاء أن يتجسّد فيها وفي الوطن الذي اختاره وطنًا رسالة في خدمة الإنسان وفي المحبة والمصالحة والسلام والعيش الواحد في احترام تعددية الانتماءات الدينية والثقافية والإجتماعية والسياسية. آمين.