اللجنة البطريركية لسنة الشهداء 2017
كلمة المطران منير خيرالله
في المؤتمر الصحفي لتقديم رسالة غبطة البطريرك الراعي وإعلان سنة الشهادة والشهداء
المركز الكاثوليكي للإعلام- جل الديب، 2/2/2017
أصدر صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلّي الطوبى رسالة «سنة الشهادة والشهداء» في الكنيسة المارونية ليُعلن فيها عن سنة يوبيلية تبدأ في عيد أبينا القديس مارون في 9 شباط 2017، وتُختم في عيد أبينا البطريرك الأول القديس يوحنا مارون في 2 آذار 2018.
وكان سينودس أساقفة الكنيسة المارونية قد اتخذ القرار بالاحتفال بهذه السنة في 18 حزيران 2015.
تهدف هذه السنة، كما يقول صاحب الغبطة، « أولاً إلى الاحتفال بشهدائنا المعروفين، لا سيَّما رهبان مار مارون الثلاثماية والخمسين الذين مرّ على استشهادهم ألف وخمسماية سنة (517)، وتعيِّد لهم كنيستنا في 31 تموز، والبطريرك دانيال الحدشيتي الذي استشهد منذ سبعماية وأربع وثلاثين سنة (1283)، والبطريرك جبرائيل حجولا الذي مرَّ على استشهاده ستماية وخمسون سنة (1367)، والطوباويِّين الشهداء الإخوة المسابكيِّين الذين استشهدوا مع عدد كبير من الموارنة سنة 1860 وتعيّد لهم كنيستنا في 10 تموز.
وتهدف ثانيًا إلى وضع لائحة بأسماء أبناء كنيستنا وبناتها الذين أراقوا دماءهم في سبيل إيمانهم بالمسيح، رأس الشهداء، وهم غير معروفين ويعود استشهادهم إلى حقبات مختلفة من التاريخ عرفت فيها كنيستنا أشدّ الاضطهادات، من مثل أيام حكم المماليك والعثمانيين، وأحداث 1840 و1860، ومجاعة الحرب العالميّة الأولى، والحرب اللبنانيّة الأخيرة ».
يشرح صاحب الغبطة في القسم الأول من رسالته مسوّغات الاحتفال بسنة الشهادة والشهداء. ويقول: « تندرج هذه المبادرة في إطار الأمانة للتقليد الكنسي الرسولي والآبائي وتشكِّل تلبيةً للدعوة التي وجَّهها القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني إلى الكنائس المحليّة، في رسالته الرسوليّة "إطلالة الألفيّة الثالثة"، الصادرة في 10 تشرين الثاني 1994: "على الكنائس المحليّة أن تبذل كلّ جهد لئلَّا تترك ذكر الذين أدّوا شهادة الدَّم يضيع، وتجمع في هذا السبيل كلّ الوثائق اللّازمة، الأمر الذي لا يمكن إلّا أن يأخذ طابعًا مسكونيًّا بليغًا. فصوت اتِّحاد القدّيسين أقوى من صوت دعاة الشقاق، وسيرة الشهداء الأوّلين كانت الأساس في تكريم القدِّيسين. والكنيسة في إعلان وتكريم قداسة أبنائها وبناتها كانت تؤدِّي التكريم السامي إلى الله نفسه، وفي الشهداء كانت تكرِّم المسيح منبع شهادتهم وقداستهم. إنّ كنيسة الألفيّة الأولى وُلدت من دم الشهداء. وفي نهاية الألفيّة الثانية صارت الكنيسة مجدَّدًا كنيسة الشهداء. فقد أدّت الاضطهادات على المؤمنين، كهنةً ورهبانًا وعلمانيِّين، إلى زرع وفير من الشهداء في شتّى أنحاء العالم. وأصبحت الشهادة المؤدَّاة للمسيح حتى الدَّم تراثًا مشتركًا بين كلّ المسيحيِّين. إنّها شهادة يجب ألاّ تنسى».
وفي تلبية هذه الدعوة، « إننا نجمع إرث أبناء وبنات كنيستنا المارونية وبخاصة الشهداء منهم والشهيدات، ونقدِّمهم نموذجًا لعيش الأمانة للإنجيل والإيمان بالمسيح، في عالمنا المعاصر، ونحن في بدايات الألفيّة الثالثة. وهكذا تحافظ كنيستنا على ذاكرتها التاريخيّة وتظلّ بحكم دعوتها، وعلى مدى التاريخ، شاهدة حتى الدّم لمعلّمها الإلهي يسوع المسيح الذي أكّد لرعاتها كما لرسله: «ستُعطون الروح القدس، فتنالون قوة، وتكونون لي شهودًا ... حتى أقاصي الأرض» (أعمال1: 8).
ويشرح في القسم الثاني مفهومي الشهادة والاستشهاد في الكتب المقدسة وتعليم الكنيسة. ويحدّد أن « الشهادة في الكتب المقدسة تكتمل في الاستشهاد. فالشهيد هو الذي أدّى شهادة الإيمان بالمسيح في أعماله وأقواله وتصرّفاته، وتوّجها بشهادة الدم».
أما في تعليم الكنيسة، « فالاستشهاد هو الشهادة السّميا لحقيقة الإيمان، شهادة تصل حتى الموت. والشهيد يؤدي الشهادة للمسيح الذي مات وقام، متّحدًا معه بالمحبة ».
وقد « حرصت الكنيسة على أن تجمع بعناية كبيرة تذكارات الذين بلغوا إلى النهاية في إعلان إيمانهم. وهي أعمال الشهداء التي تشكّل محفوظات الحقيقة المكتوبة بحروف من دم» (كتاب التعليم المسيحي، عدد 2474).
في دعاوى إعلان الطوباويين والقديسين، تضع الكنيسة قواعد لتمييز الشهداء في وثيقة « أمّ القديسين» الصادرة عن مجمع دعاوى القديسين في 17 أيار 2007. وتعتبر أن بذل الذات من أجل المسيح هو الطريق الأفضل نحو القداسة. « وتُجري تحقيقًا دقيقًا حول حياة الشخص واستشهاده وشهرة الاستشهاد والعلامات. وفوق ذلك يجب التأكد من أن سبب الاستشهاد هو الإكراه في الدين من قِبَل المضطَّهِد أو الحضّ على إنكار الإيمان، بشكل مباشر أو غير مباشر، من دون اعتبار الأسباب السياسية أو الإجتماعية أو ما شابهها».
يتكلم غبطته في القسم الثالث على الكنيسة المارونية بصفتها « كنيسة الشهود والشهداء». ويشرح أنها « اتخذت، منذ نشأتها مع بطريركها الأول القديس يوحنا مارون وفي انتشارها المستمرّ من بعده، خطّ الروحانية التي أسسها القديس مارون وتلاميذه في جبال قورش والتي سعت إلى تطبيق الإنجيل بأصالة في حياة زهد ونسك وصلاة وتبشير. وتميّزت تلك الروحانية بحياة متكاملة جمعت بين النسك، الذي تميّز بالعيش في العراء وعلى قمم الجبال والوقوف المستمرّ والصلاة المتواصلة والسهر والصمت العميق وبالتقشف وقهر الذات والعمل في الأرض واستثمارها والعيش من ثمارها بحرية وكرامة».
واتّبع الموارنة مقوّمات هذه الروحانية في مسيرتهم عبر الأجيال وتحمّلوا أشد العذابات والاضطهادات في سبيل الحفاظ على إيمانهم وحريتهم واستقلاليتهم، لاسيما في أيام المماليك والعثمانيين والحرب العالمية الأولى بما عانوا من المجاعة.
أما في القسم الرابع، فيتناول غبطته بعض تفاصيل الاحتفال بسنة الشهادة والشهداء. ويدعو جميع أبناء وبنات الكنيسة المارونية في لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الانتشار « إلى الاحتفال بهذه السنة عبر المشاركة في النشاطات التي تحييها الأبرشيات والرعايا والرهبانيات والأديار والأخويات والحركات الرسولية والمؤسسات الكنسية والمدارس والجامعات والأندية الثقافية والمفكرون والمؤرخون والفنانون والعائلات ووسائل الاتصال والتواصل».
ويدعو الجميع إلى العمل معًا على « جمع المعلومات عن شهداء كنيستنا عبر الأجيال وإبراز سِيَر الشهداء المعروفين والمجهولين والمنسّين».
ويضيف أنه طلب « من بعض المؤرخين في كنيستنا أن يعملوا على توضيح التاريخ، لاسيما تاريخ الشهداء منذ بداية كنيستنا وحتى اليوم، وبنوع خاص استشهاد تلاميذ مار مارون الـ 350 والبطريركين دانيال الحدشيتي وجبرائيل حجولا».
وإذ كان لا بدّ من تنظيم احتفالات هذه السنة وتنسيق النشاطات، فقد عيّن غبطته لجنة بطريركية ورسم لها خارطة طريق في اقتراح بعض المباردات؛ ومنها:
- تنظيم حملة هادفة إلى التعريف بالشهادة والاستشهاد في كنيستنا.
- إقامة رياضة روحية وخلوات وندوات وإحياء احتفالات ومسيرات صلاة وزيارات حج إلى الأماكن المقدسة وإلى كنائس وأديار الشهداء.
- تنشيط حركة أبحاث علمية تأريخية ولاهوتية تقوم بها بخاصة الجامعات حول تاريخ الشهادة والشهداء في كنيستنا.
وختم رسالته قائلاً بأن « سنة الشهادة والشهداء هي مناسبة فريدة لتجديد التزامنا المسيحي بالشهادة للمسيح، والاستعداد لتأديتها حتى شهادة الدم، من أجل انتصار المحبة على الحقد، والسلام على الحرب، والأخوّة على العداوة، والعدالة على الظلم. وهي سنة تنتزع الخوف من قلوبنا، فيما نشهد في أيّامنا اعتداءات واضطهادات على المسيحيِّين في أنحاء عديدة من العالم، وبخاصّة في بلدان الشَّرق الأوسط قتلًا ودمارًا وتشريدًا وتهجيرًا. وقد وصف قداسة البابا فرنسيس هذا الواقع بقوله: واليوم أيضًا تعاني الكنيسة أقسى الاضطهادات، في أماكن عديدة، حتى الاستشهاد. أخوة وأخوات لنا يعانون من الظلم والعنف والاضطهاد وهم مبغضون من أجل اسم المسيح. شهداء اليوم هم أكثر من شهداء القرون الأولى" (راجع كلمته في التبشير الملائكي، 26/12/2016)».
« في سنة الشهادة والشهداء، نرفع عقولنا وأفكارنا إلى أمنا العذراء مريم سلطانة الشهداء، راجين أن تكون هذه السنة زمن رجاء وصمود، من أجل أن يكتمل عملُ الفداء الذي بدأه وأتمّه المسيح ربنا. ولتكن هذه السنة حافزًا لاقتفاء آثار شهودنا وشهدائنا، فيكونوا شفعاء لنا ومثالاً في اتّباع المسيح والشهادة لمحبته، في العطاء والتضحية والغفران والمصالحة».