عظة المطران منير خيرالله
في قداس خميس الأسرار مع سيادة المطران سعاده وكهنة الأبرشية
دير مار يوحنا مارون، 13/4/2017
« إصنعوا هذا لذكري» (لوقا 22/19)
صاحب السيادة المطران بولس آميل، وفرحتنا كبيرة أن تعود إلينا وتحتفل معنا، في ذكرى رسامتك الكهنوتية التاسعة والخمسين (12 نيسان 1958)، بقداس خميس الأسرار،
إخوتي الكهنة،
نلتقي معًا اليوم، في يوم الكهنوت بامتياز، وفي اليوم الذي أسس فيه السيد المسيح بنوع خاص سرّي الكهنوت والافخارستيا في خلال عشائه الأخير معهم؛ وقال لهم: إصنعوا هذا لذكري.
فمنذ رسامتنا الأسقفية، جعلتنا النعمة التي نلناها بالروح القدس والخدمة التي تسلمناها من الكنيسة نعمل ونعيش أولاً معكم يا إخوتنا الكهنة ونخدم المسيح في شعبه. ونحن نتشارك في خدمة شعب الله الانتظارات الكبيرة، والأفراح، والهموم، والآمال والخيبات التي يعيشها شعبنا في هذا الزمن.
ونحن، أساقفةً وكهنة، وقد دعينا من كنائسنا ومن الأساقفة الذين وضعوا علينا الأيدي باسم المسيح، اخترنا أن نكرّس حياتنا في نمط حياة خاص لخدمة شعب الله الذي نحن مؤتمنون عليه، وصارت حياتنا للمسيح، ونحن نقول مع القديس بولس لأهل فيليبي:
« فالحياة عندي هي المسيح والموتُ ربح لي. ولكن إذا كانت حياة الجسد تمكّنني من القيام بعمل مثمر، فإني لا أدري ما أختار وأنا في نزاع بين أمرين: لي رغبة في الرحيل لأكون مع المسيح وهذا هو الأفضل جدًا جدًا، غير أن بقائي في الجسد أشدّ ضرورة لكم. وأنا عالم علم اليقين بأني سأبقى وسأواصل مساعدتي لكم جميعًا لأجل تقدّمكم وفرح إيمانكم، فيزداد افتخاركم بي في المسيح يسوع لحضوري بينكم مرة ثانية». (فيليبي 1/21-25).
ويواصل بولس: « فما أنا أحيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا فيّ» (غلاطيه 2/20).
وكلما التقينا في الاحتفال بالافخارستيا، نعيش حضور المسيح الحيّ فينا ونجدّد التزامنا ببذل الذات في خدمة من نحن مؤتمنون عليهم.
إذا كان هذا الشعور لا يسكن قلوبنا ولا يقود حياتنا، نحن الأساقفة والكهنة، فنكون بعيدين عن ما يعطي المعنى لحياتنا وعن من هو حياتُنا، يسوع المسيح.
نعم، نحن من أجل المسيح موجودون ومنه نتلقّى الدعوة والتشجيع للقيام بالرسالة التي سلّمنا إياها: أي أن نعيش منه وأن نتكلم عنه لنتابع رسالته الخلاصية في العالم الذي نحن فيه وهمومه. يسوع هو الذي يعطي وحدةً لحياتنا.
نقرأ في المجمع الفاتيكاني الثاني، في قرار في حياة الكهنة وخدمتهم الراعوية، عدد 14، عن وحدة حياة الكهنة وتناغمها:
« في عالم اليوم، عالم تكاثرت فيه المهام التي على الإنسان أن يجابهها واختلفت المشاكل التي تقضّ مضجعه والتي عليه أن يجد لها حلّاً عاجلاً، غالبًا ما يكون الإنسان في حيرة من جراء تضعضعه في مختلف هذه الأمور. ولا يستطيع الكهنة، وقد انغمسوا في واجبات مهماتهم العديدة التي تتنازعهم، أن يفتشوا بدون قلق، كيف يقدرون أن يوفّقوا بين مقتضيات عملهم الخارجي وحياتهم الداخلية. فلا يستطيع أن يؤلف وحدةَ الحياة هذه تنظيمُ أعمال المهمّة الخارجي الصرف، ولا القيام بالأعمال التقوية فقط، مع أنها تساعد جدًا على تعزيزها. فأولئك الكهنة الذين، في تتميم واجباتهم، يقتفون مثل المسيح الرب، الذي كان طعامُه أن يصنع إرادة من أرسله ليكمل عمله (يوحنا 4/34)، هم وحدهم يستطيعون أن يبنوها».
أما التحديات التي نواجهها في زمننا الحاضر وفي مجتمعنا الذي طرأت عليه تحوّلات اجتماعية واقتصادية وثقافية ورعائية سريعة؛ فهي عديدة ومن أهمها:
كل هذه التحولات ساهمت في تبديل واقع الرعية وتحوّل مفهوم الخدمة الراعوية.
في مواجهة هذه التحديات، وكي ننجح في تأدية خدمتنا الراعوية، علينا أن نعي أولاً أن « كهنوت الخدمة الذي نلناه بالرسامة ينبع من كهنوت المسيح الكاهن الأوحد والأبدي والراعي الصالح ويكوّن فينا وثاقًا جوهريًا مميزًا يربطنا بالمسيح ويجعل منا صورة حقيقية له وممثلين له في رعاية شعبه ونواصل في الكنيسة صلاة المسيح وتبشيره وذبيحته وعمله الخلاصيّ بقوة الروح القدس وفاعليته». (المجمع البطريركي الماروني، النص 6، عدد 22).
لذا علينا أن نعمّق اتحادنا الروحي بالمسيح، وأن نعمّق الحياة الأخوية التي تربطنا ببعضنا البعض في الجسم الكهنوتي حول الأسقف، وأن نعتنق سيرة كهنوتية شاهدة، ونحن في سنة الشهادة والشهداء وفي عصر تظهر فيه جليًّا شهادة البابا فرنسيس.