عظة المطران منير خيرالله
في قداس ختام المخيم السنوي لكشافة لبنان
بتخنيّ (قرنايل)، السبت 1/7/2017
«من يسمع كلام الله ويعمل به يشبه رجلاً عاقلاً بنى بيته على الصخرة» (متى 7/24)
إخوتي الآباء المرشدين،
أحبائي جميعًا كشافة لبنان الآتين من كل المناطق اللبنانية،
لقاؤنا اليوم في ختام مخيّمكم السنوي يدعونا إلى اتخاذ أمثولة لحياتنا تستند إلى كلمة الله وتسعى فينا إلى تجدّد يساعدنا على بناء مجتمعنا على صخرة الإيمان والقيم المسيحية.
يقول يسوع في إنجيل اليوم لرسله وتلاميذه وشعبه: لا يكفي أن تسمعوا كلام الله الذي أبشّركم به، بل المهم أن تطبّقوه في حياتكم ويصبح لكم مسيرة حياة. من يسمع كلام الله ويَعمل به في حياة كل يوم يشبه رجلاً عاقلاً بنى بيته على الصخرة. وتعرفون جيدًا أن من يريد بناء بيت، عليه أن يبدأ بحفر الأساس، ويعمّق الحفر إلى أن يصل إلى الصخر. ثم يبني الأعمدة التي ستحمل البيت المنوي بناؤه. ولأن أساس هذا البيت بُني على الصخر، يقول يسوع في الإنجيل، فعندما « ينزل المطر وتسيل الأودية وتعصف الرياح وتثور على ذلك البيت، فلن يسقط لأن أساسه على الصخر» (متى 7/24-25). هذا البيت يصمد ويثبت في مواجهة كل تحديات العالم.
ويتابع يسوع قائلاً: أما الذي يسمع كلام الله ولا يعمل به فيشبه رجلاً جاهلاً يبني بيته على الرمل ولا يصل بالحفر إلى الصخر. وعندما ينزل المطر وتسيل الأودية وتعصف الرياح وتضرب ذلك البيت فيسقط ويكون سقوطه عظيمًا (متى 7/26-27).
نحن اليوم نسمع كلام يسوع ونريد أن نأخذ منه مقصدًا لحياتنا في الكنيسة وفي المجتمع وفي الوطن.
نحن تنشّأنا ونتنشّأ في المدرسة الكشفية، وأساسها القيم المسيحية التي تستند إلى تعاليم المسيح في الإنجيل. هذه القيم هي التي علّمها يسوع لرسله وتلاميذه وعاشها في ما بينهم وبنى عليها الكنيسة، وقال لبطرس: « أنت هو الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متى 16/18).
وفي الكنيسة، منذ ألفي سنة وحتى اليوم، نحن المعمّدين بُنينا على الصخرة ونتغذى من تعاليم يسوع.
في المدرسة الكشفية نحن نتنشّأ تنشئة مسيحية، إنسانية وروحية وإجتماعية ووطنية، لكي نبني لنا مستقبلاً؛ تمامًا كما فعل من سبقنا في هذه المدرسة وأسسوا نهج الحياة الكشفية، على مثال المسيح الذي أسس الكنيسة والرسل الذين انطلقوا بها في العالم، منذ بادن باول وهم ينقلون إلينا القيم التي تساعدنا على وضع أعمدتنا وركيزة إيماننا على الصخرة. وصخرتنا هي المسيح، وهي بطرس صخرة الكنيسة التي ننتمي إليها. وهذه الكنيسة، لأنها بُنيت على الصخرة، بقيت صامدة وثابتة في وجه كل التحديات في مسيرة ألفي سنة. بقيت ثابتة وأعطت شهداء، ودفعت ثمن شهادتها للمسيح آلاف ومئات الآلاف من الشهداء الذين بذلوا ذواتهم حتى الدم.
في المدرسة الكشفية مسؤوليتنا كبيرة، وأنتم تحملونها أيها الشباب. لأنكم أولاً تعمّدتم باسم الآب والابن والروح القدس وحملتم مسؤولية نقل البشارة السارة، بشارة الخلاص إلى جميع الناس؛
ولأنكم ثانيًا تنشّأتم في المدرسة الكشفية فأنتم تحملون مسؤولية بناء مستقبل لكم ولأولادكم وأحفادكم. فأنتم المستقبل: مستقبل الكنيسة ومستقبل المجتمع ومستقبل الوطن لبنان؛ هذا الوطن الذي بناه أجدادنا معًا، مسيحيون ومسلمون، يدًا واحدة وقلبًا واحدًا؛ وأرادوه وطن رسالة في المحبة والمصالحة والسلام، في الانفتاح واحترام الانسان واحترام التعددية في العيش الواحد بين ثمانية عشر جماعة أو طائفة. هذا هو لبنان المبنّي على الصخرة؛ وهكذا سيبقى ويستمرّ وطنًا رسالة لكل شعوب العالم ولكل بلدان العالم.
في المدرسة الكشفية تنشّأنا لنكون أوفياء ومخلصين ودومًا مستعدين لخدمة الله والكنيسة والوطن. هكذا قلنا عندما أبرزنا الوعد في الانتماء إلى العائلة الكشفية: أن نكون دومًا مستعدين.
اليوم نقول لكم أيها الشباب: عليكم أن تكونوا مستعدين لإعادة بناء الوطن ولإعادة بناء المجتمع ولإعادة بناء العائلة، وقد اهتزّوا في مواجهة العواصف والرياح العاتية الآتية علينا من كل حدب وصوب في خلال الحروب التي عشناها ونعيشها في شرقنا المعذب. لكن، كما واجه آباؤنا وأجدادنا الحروب المدمّرة والاحتلالات والاضطهادات والنزوحات وبقوا ثابتين، هكذا عليكم أنتم اليوم أن تبقوا ثابتين في وعدكم الكشفي وتكونوا دومًا مستعدين لخدمة الله وكنيستكم ووطنكم بوفاء وإخلاص. فكنيستنا ووطننا ومجتمعنا ودولتنا يحتاجون اليوم، أشدّ ما يحتاجون، إلى مؤمنين ومواطنين مخلصين وأوفياء يخدمون باندفاع وتضحية ومجانيّة، لتبقى الكنيسة حاملةً رسالة المسيح في المحبة والانفتاح والخدمة ويبقى الوطن لكم ولأولادكم وأحفادكم وطنًا رسالة.
وأنتم يا شبيبة كشافة لبنان قادرون أن تكونوا من هؤلاء المؤمنين والمواطنين، وأن تصبحوا مسؤولين في المجتمع والدولة وتحاربوا الفساد والفوضى واللامبالاة والاستسلام لملذات العالم بثباتكم في القيم التي تربّيتم عليها في المدرسة الكشفية.
توصيتنا لكم، باسم إخوتي المرشدين والقادة الحاضرين والغائبين، هي أن تتحمّلوا مسؤولياتكم حتى النهاية بكل جرأة وشجاعة وتقدموا حياتم في خدمة الله والكنيسة والوطن.
هل أنتم مستعدون لتحمّل المسؤولية ؟ وهل أنتم دومًا مستعدون ؟ نعم !
فليبارككم المسيح ويجعل منكم رسلَ عالمِ اليوم وشبيبة اليوم، بشفاعة أمّه وأمنا مريم العذراء وجميع القديسين، بالفرح والمحبة والرجاء. آمين.