عظة المطران منير خيرالله
في رسامة الخوري اندراوس (فادي) الطبشي
مار اسطفان البترون، السبت 24 حزيران 2017
« تعالوا إليّ أيها المتعبون والمثقلون بالأحمال وأنا أريحكم» (متى 11/25-30)
بفرح كبير أحتفل معكم اليوم برسامة كاهن جديد هو الشماس اندراوس الطبشي ابن هذه الرعية العزيزة البترون التي أحببتها وخدمتها عشرين سنة.
والبترون تتشوّق إلى رسامة أحد أبنائها، لا سيما من آل الطبشي التي كان آخرها الأب لويس الطبشي البتروني الراهب القديس في الرهبانية اللبنانية الذي توفيّ في دير مار يوسف جربتا سنة 1972.
البترون تقدّمك اليوم، أيها العزيز اندراوس، إلى الكهنوت لخدمة شعب الله في الكنيسة، وفي أبرشية البترون. وهي تحملك في صلواتها كي تكون كاهنًا متشبّهًا بالمسيح على مثال الذين سبقوك وتعيش بوفاءٍ روحانية كهنوتك وتلتزم بإخلاص ما تتطلبه خدمتُك الكهنوتية.
وإذا كنّا نحتفل بالرسامة الكهنوتية في هذا اليوم بالذات، وهو اليوم الذي يلي احتفال الكنيسة بعيد قلب يسوع الأقدس، فلأنّ في ذلك علامةً من علامات زمننا الحاضر نقرأ من خلالها مشيئة الله الآب في محبة الإنسان وخلاصه بتجسّد وموت وقيامة ابنه يسوع المسيح الكاهن الأوحد والراعي الصالح. إنها دعوة لنا جميعًا إلى لقاء يسوع الوديع والمتواضع القلب ودعوة للشماس اندراوس إلى أن يكون كاهنًا بحسب قلب يسوع المفعم بالمحبة.
إني سأمنحك بعد لحظات، أيها الشماس اندراوس، بفعل موهبة الروح القدس التي ستنالها مني أنا خليفة الرسل وبوضع يديّ الحقيرتين، سرَّ الكهنوت وأسلّمك الخدمة الكهنوتية لتخدم في الأبرشية حيث تدعو الحاجة. وإنك بذلك ستشترك في كهنوت المسيح الذي ستتّحد به ومن خلاله تدخل في شركة خاصة مع الآب والابن والروح القدس. وستشترك من ناحية ثانية بمهمتي الأسقفية في أبرشية البترون بصورة تربطك دومًا بي لتصبح معاونًا في الخدمة التي أئتمنك عليها. وستصبح مؤتمنًا على « وديعة تتسلّمها من الله الآب والابن والروح القدس بواسطة الكنيسة المقدسة التي أنا خادمُها لأجل بنيانها وثباتها وتمجيدًا للثالوث الأقدس ولنشر البشارة، وخدمة المذبح، ورعاية شعب الله الموكل إليك (المجمع البطريركي الماروني، النص السابع، عدد 6).
فالكهنوت هو أولاً وآخرًا خدمة؛ وخدمة مثلثة لشعب الله في التعليم والتقديس والرعاية.
- في خدمة التعليم وبشارة الملكوت، أنت مدعوّ إلى أن تركّز على التعمق بكلمة الله من أجل إعلانها والتبشير بها في كل مناسبة.
- في خدمة التقديس، أنت مدعوّ إلى أن تجعل من المذبح مركز خدمتك الكهنوتية، ومن الافخارستيا المبدأ الذي يولد منه الكاهن والجماعة، ومن الارتباط الأسراري بالمسيح الحيّ العمقَ الأساسي لحياتك.
- في خدمة الرعاية، أنت مدعوّ إلى أن تتشبّه بالمسيح الراعي الصالح الذي أراد أن يكون كلاً للكلّ، والذي جاء ليَخدم لا ليُخدم، حتى أنه غسل أرجل رسله وبذل نفسه في سبيل خرافه.
وكي تنجح في تأدية خدمتك المثلثة، لا بدّ أن تعي أن كهنوتك ينبع من كهنوت المسيح ويكوّن فيك وثاقًا جوهريًا مميزًا يربطك بالمسيح من خلال الأسقف ويجعل منك صورة حقيقية له وممثلاً له في رعاية شعبه. كهنوتك هو عطيّة مجانية من الله لشعبه وسرّ يفهمه فقط الوضعاء والبسطاء؛ فيُدخِلُك في وحدةٍ مع الإبن الذي يكشف لك معرفة الآب ومحبته اللامتناهية.
إني أدعوك إذًا إلى أن تعمّق إتحادك الروحي بالمسيح لكي تكون علامةً لحضوره في حياتك وفي العالم، وأن تشدّ ارتباطك الكنسي بالأسقف وبإخوتك الكهنة الذين ستدخل معهم في الجسم الكهنوتي الذي يجمعكم حول الأسقف.
وأدعوك إلى أن تتبنّى معنا البرنامج الذي وضعتُه لخدمتي الأسقفية في المحبة في أولوياته الراعوية الثلاث: التجدّد الروحي والتجدّد في الأشخاص والتجدّد في المؤسسات؛ وإلى أن تدخل في ورشة المجمع الأبرشي حيث ينتظر منا أخوتنا المؤمنون العلمانيون شهادة حيّة في التجدّد بالعودة إلى ينابيعنا الروحية وروحانيتنا النسكية وبالتمسك بأرضنا المقدسة وبوحدتنا حول البطريرك رأس كنيستنا، وبالشهادة للقيم الإنجيلية في عيش التواضع والتجرّد والفقر.
وأعتقد أنك ستكون على قدر النعمة التي وُهبت لك من الله بالمسيح وبالروح القدس وعلى مستوى الثقة التي أمنحك إياها بوضع يدي الحقيرتين. ذلك لأني أعرفك عن قرب وقد رافقتك طوال سنوات منذ رسالتنا الأولى في استقبال وخدمة إخوتنا الجنوبيين، مسلمين ومسيحيين، الذين تهجّروا إثر حرب تموز 2006. وفيها اكتشفتَ أن الله يدعوك. فطلبت منك التريّث ورافقتك بعد انتقالك إلى اليمن حيث عملت في اختصاصك كمدير لمطعم ثم مدير لشؤون الموظفين في الشركة اليمنية للتموين لمدة سنتين.
ورافقتك طوال سنوات تنشئتك الست في إكليريكية مار أغسطينوس كفرا التي دخلت إليها في أيلول 2010 ثم في الإكليريكية البطريركية غزير، وقد عُدتَ إلى البترون رعيتك والتزمت فيها مع فرسان العذراء لتكون للخدمة دومًا مستعدًا ومع فريق المناولة الأولى.
وهنا لا بدّ لي من أن أشكر الله عن جميع الذين رافقوك في تنشئتك من كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين.
وإني إذ أسلّمك الكهنوت وخدمة شعب الله في أبرشية البترون، وأستودعك نعمة الله التي تحلّ عليك اليوم، أصلي من أجلك كي تكون كاهن المسيح تعمل أولاً على تقديس نفسك وتقديس النفوس الموكله إليك وترعاها بالمحبة؛ فتستطيع أن تقول مع المسيح: « تعالوا إليّ أيها المتعبون والمثقلون بالأحمال وأنا أريحكم». فتخدمَهم بالوداعة وتواضع القلب وتكون لهم خادمًا وأبًا وأخًا وراعيًا ومرافقًا ومرشدًا...
وأسلّمك إلى شفاعة العذراء مريم أم الكنيسة وأم الكاهن، والقديسة رفقا التي أعرف كم أنت منجذب إلى روحانيتها المتجرّدة في عيش الألم بفرح ورجاء. وأوصيك بأن تصلّي في كل حين كما كانت تصلي رفقا وهي متّكلة على رحمة الله ومحبته.
رفاقك الشباب والصبايا ينظرون إليك بشوق وشغف، وهم متعطشون إلى لقاء المسيح الذي دعاك وأحبّك، عساهم يكتشفون حبّه ويذهبون معه بعيدًا في مغامرة الحبّ الإلهي الذي يتجلّى في محبة وخدمة كل إنسان. فيدعو الله من بينهم من يكرّسون حياتهم للخدمة في الكهنوت أو في الحياة الرهبانية، أو يلتزمون بعيش الحب في سرّ الزواج وبتربية عائلات تكون على مثال العائلة المقدسة.
إني أصلّي معك إلى ربّ الحصاد كي يُرسل فعلة إلى حصاده.
وأصلّي من أجلك ومن أجل عائلتك الحاضرة هنا وشقيقك فارس في الولايات المتحدة الأميركية.
وأصلّي من أجل رعيتك البترون التي تفتخر بك وتنتظر أن يدعو الله من بين أبنائها فعلةً إلى حصاده.
وأختم بالتوصية التي تركها لنا آباؤنا القديسون ونظمها البطريرك اسطفان الدويهي في ختام رتبة الرسامة الكهنوتية:
« عليك أن تعرف يا ابني أنك تراب وإلى التراب تعود. وكما دخلت إلى العالم بلا شيء، فبلا شيء تخرج منه. ولا تصحبُك غيرُ أعمالك... وعليك أن تكون وديعًا متواضعًا محّبًا للتجرّد والتقشف. أحببْ الصلاة بلا ملل. إحفظ نفسك بعيدة عن شهوات هذا العالم الزائل، ولا تُشغلْك خيراتُ الدنيا؛ بل تأمل في الآخرة، لأن آخرة كل إنسان قائمة على بابه تنتظره». آمين.