كلمة المطران منير خيرالله
في احتفال عيد العيلة الوطني
البترون في 28/5/2017
صاحب الغبطة والنيافة مار بشاره بطرس الراعي بطريرك انطاكيه وسائر المشرق ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان،
معالي وزير الخارجية والمغتربين الأستاذ جبران باسيل ممثلاً فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون،
أصحاب السيادة المطارنة وأصحاب المعالي والسعادة،
الرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات،
عائلاتنا الحبيبة – أحباءنا المشاهدين عبر شاشة الـ LBCI ووسائل الإعلام.
أن نحتفل، في مسيرة سنة الشهادة والشهداء، بعيد العائلة الوطني في أبرشية البترون، أرض القداسة والقديسين، وفي كاتدرائية مار إسطفان الشهيد الأول في الكنيسة فهذه علامة من علامات الأزمنة نقرأها في ضوء مشيئة الله الخالق الذي أراد أن يعاش الحب في العائلة، أي بين الزوجين ومع الأولاد، كشهادة فرح ورجاء للعالم، وأن يكون « الزواج أيقونة محبة الله للبشر». (البابا فرنسيس، إرشاد رسولي فرح الحب، العدد 121).
ونظرًا للظروف الصعبة والخانقة التي يمرّ بها وطننا لبنان بفعل الحروب الدائرة حولنا وتداعياتها السلبية علينا، ونظرًا للتحديات الخطيرة التي تواجهها العائلة في مثل هذه الظروف، ولشدّة المخاطر التي تتعرض لها، إخترنا للعيد الوطني للعائلة 2017 موضوع « الحب في العائلة - شهادة فرح ورجاء». كل ذلك لأننا مقتنعون أن العائلة هي النواة والأساس في بناء الكنيسة وبناء المجتمع.
هذا ما جعلنا نلتقي اليوم، في هذا العيد الوطني، عائلاتٍ من كل أبرشيات لبنان ومن كل المناطق اللبنانية، لتشهد لفرح الحب الذي تعيشه في سر الزواج المقدس وللرجاء الذي تحمله للأجيال الطالعة.
ونحن مؤمنون بأنه بقدر ما تضطلع العائلة بمسؤولياتها وتجسّد في حياتها اليومية القيم والفضائل الإنجيلية، بقدر ما تكون مشتلاً طيبًا للكنيسة وللمجتمع، فيسهم الجميع، كلٌ على طريقته وبحسب موهبته، في بناء حضارة المحبة التي هي غاية التدبير الخلاصي، وبالتالي غاية وجودنا وعلّة سعادتنا الحقيقية.
من هنا كانت حملتنا في هذا العيد تهدف إلى أن تُصان العائلة بكل مكوّناتها وتحصّن أخلاقياتها، فتكون النواة الصلبة لإعادة بناء المجتمع والوطن على قيم الحرية والإنفتاح والمشاركة والحوار الصادق وإحترام التعددية والتنوّع في وحدة الإنتماء إلى الوطن.
لذا يبقى همّنا الرئيس أن يعي الأزواج والوالدون مسؤولياتهم في تربية أجيال المستقبل وإعدادهم مسيحيًا لمواجهة التحديات الراهنة والآتية، وأن تكون كل عائلة من عائلاتنا جماعة مقدسة على مثال عائلة الناصرة وكنيسة مصغّرة. وهذا ما يتطلب من جميع الأزواج أن يعيشوا الإتحاد في الحب بسرّ الزواج الذي إحتفلوا به أمام الرب وتعاهدوا على عيشه، وأن يكونوا قدوةً ومثالاً لأولادهم ويؤلفوا شركة حياة وحب عميقة « تُبنى على هبة الذات الكاملة والمتبادلة والوفاء والإنفتاح على الحياة». (البابا فرنسيس، فرح الحب، عدد 73).
من هذا المنطلق إننا ندعو عائلاتنا المسيحية في لبنان، ومن خلالها جميع العائلات على مساحة الوطن، إلى أن تتجدّد في عيش الحب بفرح ورجاء وأن تشهد لحضور الله فيها « وأن تكون نورًا في عتمة هذا العالم» (فرح الحب، عدد 66) وتتبنّى مشروع المحبة الذي وضعه القديس بولس وتعمل على تنفيذه، أي « المحبة التي تصبر، وتخدم، ولا تحسد، ولا تتباهى، ولا تنتفخ من الكبرياء، ولا تسعى إلى منفعتها، ولا تحنق، ولا تبالي بالسوء، ولا تفرح بالظلم، بل تفرح بالحق. وهي تعذر كل شيء، وتصدّق كل شيء، وترجو كل شيء، وتتحمّل كل شيء». (1قور13/4-7، وفرح الحب أعداد 89-118).
عظة عبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى
في قداس عيد العائلة الوطني
البترون في 28/5/2017
« يا يوسف، قم، خذ الصبي وأمه، واهرب إلى مصر، لأن هيرودس سيبحث عن الصبي ليقتله»
(متى2: 13)
عندما أقبل المجوس من المشرق، وعلم منهم هيرودس الملك بمولد "ملك اليهود"، اضطرب هو وكل أورشليم وقرر قتله. ولما لم يرجع إليه المجوس ليخبروه عن مكان وجوده بوحي إلهي، أمر عندئذ بقتل جميع أطفال بيت لحم من ابن سنتين فما دون. "فظهر ملاك الرب ليوسف في الحلم وقال له: "قم، خذ الصبي وأمه، واهرب إلى مصر...لأن هيرودس سيبحث عن الطفل ليقتله" (متى 2: 13). وللحال فعل يوسف كذلك، وأنقذ الطفل يسوع، وهو المؤتمن كمعاون مسؤول عن سر العناية الإلهية وتصميم الله الخلاصي. وهكذا تجلت فيه الأبوة المسؤولة بكل أبعادها.
يسعدنا أن نحتفل معًا اليوم بعيد العائلة على الصعيد الوطني، هنا في كاتدرائية مار اسطفان بمدينة البترون، بدعوة من سيادة أخينا المطران منير خيرالله راعي الأبرشية، ورئيس اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة، المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وموضوع العيد: "الحب في العائلة شهادة فرح ورجاء". فإننا نحييه بالشكر والتقدير وكل أعضاء اللجنة الأسقفية، ولجنة العائلة في الأبرشية، وجميع الذين عملوا ونظموا وضحوا في إعداد العيد، وكل العائلات المشارِكة، سائلين الله، بشفاعة "العائلة المقدسة" أن يباركهم وعائلاتهم بفيض من نعمه، ويشمل عائلتنا الوطنية اللبنانية التي يرأسها فخامة رئيس الجمهورية وهو صاحب العيد. اننا نحملكم صاحب المعالي تحياتنا وصلاتنا اليه كرئيس للبلاد وأب للعائلة اللبنانية.
نصلي من أجل العائلة البشرية جمعاء ومن اجل الأزواج، كي يصونوا هبة الحب في حياتهم، ويربوا، بمثلهم وسهرهم، أولادهم على الحب الحقيقي النقي الذي يصون العائلة كمدرسة طبيعية للتربية عليه. على هذا الحب وحمايته مما يتهدده من أخطار.
فيما نحتفل بعيد العائلة، لا يغيب عن بالنا واقع العائلات التي تبكي عزيزا فقدته بموت طبيعي أو بحادثة مؤلمة أو بممارسة عنف أو باعتداء إرهابي. هذه كلها نعلن قربنا الروحي والإنساني منها، ولاسيما العائلات القبطية العزيزة التي سقط لها 28 ضحية باعتداء إرهابي في المنيا بمصر، فيما كانوا متوجهين أول من أمس الجمعة في مسيرة تقوية إلى أحد الأديار. إلى متى يستمر اضطهاد المسيحيين في مصر، وهم يُصطادون كالعصافير إما في الكنائس وإما في تجمعات للصلاة ؟ انهم شهود وشهداء الايمان. إننا نقدم باسمكم تعازينا الحارة لهذه العائلات ولقداسة البابا تواضروس والكنيسة القبطية الشقيقة، راجين لشهداء الإيمان الراحة الأبدية في السماء، ولهم العزاء. ولا يغيب عن صلاتنا جرحى الجيش اللبناني الذين سقطوا في منطقة عرسال، فيما نعرب عن تعازينا لعائلات ضحايا التفجير الإرهابي الذي وقع في أول الأسبوع في مدينة Manchester.
انتدب الله القديس يوسف ليقوم مباشرة بخدمة يسوع، شخصا ورسالة، بممارسة أبوته. وبذلك شارك في سر الفداء العظيم، وعد حقا خادما للخلاص. في الواقع، جعل من حياته خدمة وتضحية لسر التجسد ورسالة الفداء، ووهب كل ذاته وحياته وعمله للعائلة المقدسة، وللمسيح المولود في بيته.
إنه المرآة التي يجد فيها كل أب وأم وجهه. فالأولاد هم عطية من الله، كثمرة حبهم، ولكل واحد من أبنائهم وبناتهم دور خاص في تاريخ الله الخلاصي. فينبغي على الوالدين مساعدتهم على اكتشاف هذا الدور الشخصي والقيام به، وعلى الإصغاء الدائم لصوت الله. إن الحب الصافي المنفتح على الله، الذي يتربى عليه الأولاد في عائلتهم، هو الأساس لسماع نداء الله بشأن هذا الدور.
في إرشاده الرسولي "فرح الحب"، دعا قداسة البابا فرنسيس إلى التربية على الحب في العائلة، بالإستناد إلى نشيد القديس بولس الرسول الذي سمعناه. أود التوقف على ميزتين من هذا الحب، تميزت بهما العائلة المقدسة، وهما: "الحب يرجو كل شيء، ويحتمل كل شيء (1كور13: 7).
أ - الحب يرجو كل شيء، فلا ييأس من المستقبل، لأنه يتكل على الله وعلى تدبيره، ذاكرا القول المأثور: "إن الله يكتب بخط مستقيم على سطور ملتوية". هذا الحب ينظر إلى الحياة الأبدية الآتية، حيث كل مظاهر الضعف تتبدل بقيامة المسيح، وتتلاشى بكل ظلماتها وحالاتها المرضية، ويتلألأ كل جمال الشخص وجودته.
ب- الحب يحتمل كل شيء، في كل معاكساته، بروح إيجابي. فيبقى صامدا في محيط معاد، وبوجه كل مايدعو إلى الحقد والبغض والمبادلة بالإساءة. وخياره البطولي صنع الخير الذي لا يستطيع أحد هدمه.
الحب قوة، والشخص القوي هو الذي يكسر مسلسل البغض والشر.في الحياة العائلية، ينبغي تنمية هذا الحب القوي الذي بوسعه مكافحة الشر مهما تتهدده. فالحب لا يسمح بأن يسيطر عليه الحقد، واحتقار الآخرين والرغبة في فعل الشر والثأر (راجع "فرح الحب"، الفقرات 116-119").
نداء الله إلى يوسف ليهرب بالطفل يسوع إلى مصر، موجه إلى كل أب وأم ليحموا أولادهم من الأوبئة والمخاطر التي تتهدد حياتهم الروحية والأخلاقية، وقدسية الحب والمشاعر الإنسانية، وهي متفشية في المجتمع عبر ممارسات هدامة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي وتقنياتها.
من واجب الأهل، بحكم الأبوة والأمومة، السهر على أولادهم، وعلى طريقة حياتهم، وعلى معاشراتهم، وعلى ممارسة واجباتهم الدينية والمشاركة في ليتورجيا الأحد وحياة الرعية ورسالتها، من أجل بناء مجتمع أفضل وبيئة اجتماعية أسلم، يقومان على القيم العليا.
في العائلة الوطنية الأكبر، نداء الله ليوسف موجه أيضا إلى المسؤولين السياسيين عندنا المؤتمنين على خير الشعب، وهو الذي ائتمنهم على هذه المسؤولية بحكم الدستور، إذ نقرأ في مقدمته "أن الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية (المقدمة، د).
إن واجب السلطة السياسية الأساسي هو تأمين خير الشعب كله، والسهر على كفاية معيشته وراحته، وحمايته من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، في دولة تحترم العدالة والقانون. لكن هذه السلطة أوصلتنا اليوم، ربما عمدا، وهذا أخطر وأدهى، إلى شفير هاويتين: التمديد للمجلس النيابي، غير المرتبط بأي قانون تجري الانتخابات بموجبه، إذ يطيح بالدستور وبحق الشعب اللبناني، والفراغ في السلطة التشريعية الذي يدخل البلاد في المجهول. هاتان الهاويتان هما نتيجة الارتهان للمكاسب الخاصة والعبث بمصير الدولة وكيانها وشعبها. لقد تمادت الجماعة السياسية عندنا فوق المقبول في عدم الاتفاق على قانون للانتخاب يكون لصالح الشعب والبلاد، لا لصالح حسابات أفراد أو فئات. لقد سئم الشعب اللبناني استغلال السلطة وممارسة السياسة لمآرب ومكاسب وصفقات خاصة. ولكن، تبقى لنا نافذة أمل في اصحاب الإرادات الحسنة الساعين حاليا وجديا إلى سن القانون الجديد المنشود وتجنيب البلاد هذين الخطرين.
في عيد العائلة، نصلي أيضا من أجل عائلتنا الوطنية الكبيرة، سائلين الله، بشفاعة أمنا مريم العذراء، سيدة لبنان، أن يحميها من المخاطر المحدقة بها، ويرسل إليها رجال سياسة وقادة ممتلئين من المحبة ومخافة الله. كما نصلي من أجل العائلة البشرية جمعاء راجين أن يحل فيها السلام، وتتوقف الحروب، وتنتهي مآسي الشعوب. فالله سميع مجيب.
وإننا نرفع مع كل عائلة مسيحية مصلية نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
كلمة السيدة ريتا عزو
في احتفال عيد العيلة الوطني
البترون 28/5/2017
على إسم العائلة والحب نجتمع اليوم لنشكر الله على هذه العطية السنية. ولعل ما يستوقفنا اليوم عنوانان الشهادة كرمز، ومار إسطفان الذي يضمنا في حماه هو أول الشهداء، وطيف الهروب الذي يكاد يكون قدرنا، في هذا الشرق. فمن يطمئن العائلة؟ ومن يجمع شملها في البيت والوطن؟ من يحول القلق الى أمان؟ واليأس الى رجاء ؟ والشك الى ثقة؟ من يحمي العائلة اليوم من كل ما تواجهه؟ إنها بحاجة الى عمل تعاضدي بين الجهات الروحية والجهات الوطنية معا، فتبقى الأولى أمينة على القيم والمبادىء الأخلاقية، وتنبري الثانية لصون الحقوق والمحافظة عليها. حينها يغدو الهروب مشروع عودة، وتسود فكرة تقبل الآخر كما هو، عرقا ودينا ولونا ورأيا ومعتقدا، ويتغير وجه الشرق.
صاحب الغبطة والنيافة، أن نشيد بما لغبطتكم من أياد بيضاء على اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة، أمر لن يفيكم الحق، وأن نقدر دوركم الوطني الذي يتجاوز البعد الماروني الى أبعاد لبنانية جامعة، فهذا يقدره الكثيرون فأنتم المؤسس والراعي، والمثابر على إحتضان العائلة ومتابعة أوضاعها بشكل دقيق. فالشكر لغبطتكم والدعاء بما يعرفه الله من مشاعر بنوية نحوكم.
فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثلا بمعالي وزير الخارجية الأستاذ جبران باسيل، مميز دوركم بيننا اليوم، فأنتم "بي الكل" والأب الساهر على العائلة اللبنانية جمعاء، ودأبكم أن تعود اللحمة الى أبناء الوطن الواحد، صلاتنا أن نستطيع في عهدكم تسليم أولادنا ، عائلات الغد، وطنا أفضل من الذي إستلمناه. وأنتم يا صاحب المعالي، إبن الدار، تقف شاهدا على إبداع أبنائها يسعون بما أعطوا لخدمة البترون وخدمة الوطن. رجاؤنا أن تنقلوا الى فخامته عميق تقديرنا للمشاركة بهذا العيد بحضوركم الكريم. على أن تجمعنا العائلة دوما.
وختمت شاكرة أصحاب السيادة والسعادة، والحضور الكريم بأطيافه كافة، والهيئات الأمنية والعسكرية ووسائل الإعلام التي تنقل وتتابع الإحتفال والمنظمين والأصدقاء الداعمين وكل الذين ساهموا في إحياء هذا اللقاء، ونخص بالذكر بنك بيروت وبلدية البترون بشخص رئيسها مرسلينو الحرك، الشكر للعائلات الوافدة من كل صوب، نصلي من أجلها كي تبقى الملاذ الآمن.