ندوة كتاب شرح أعمال الرسل للخوري الياس الحويك 26-5-2017

كلمة المطران منير خيرالله

في ندوة كتاب « شرح أعمال الرسل» للخوري الياس الحويك

جامعة العائلة المقدسة- البترون، 26/5/2017

 268

الإطار التاريخي

لكتاب شرح أعمال الرسل للخوري الياس الحويك

 

يشرّفني أن اقف هذه الليلة، وفي جامعة العائلة المقدسة، الصرح الجامعي الذي أطلقته جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات وفاءً لرؤية المؤسس البطريرك الياس الحويك، وأن أحاضرَ في ندوةٍ عن مؤلَّفٍ كتبه الطالب الياس الحويك سنة 1868 وهو عبارة عن دراسة وضعها فيما كان طالبًا في اللاهوت في روما.

إني سأحاول في مداخلتي الموجزة أن أرسم الإطار التاريخي لهذا الكتاب متوقفًا عند المرحلة الأولى من حياة البطريرك الياس الحويك، أي تلك التي تمتدّ من ولادته سنة 1843 حتى رسامته الكهنوتية في روما سنة 1870، وعارضًا في موازاتها قراءة تاريخية لأحداث جبل لبنان وأوضاع البابوية وروما وأوروبا. عَلّي أصلُ إلى إبراز بعض معالم شخصية الياس الحويك الطالب والكاهن والأسقف والبطريرك.

 

أولاً: الياس الحويك في المرحلة الأولى من حياته.

وُلد الياس الحويك في بلدة حلتا من بلاد البترون في 30 كانون الأول 1843، في عهد البطريرك يوسف حبيش الذي نقل المقرّ البطريركي من قنوبين إلى بكركي، ونقل الأبرشية البطريركية من صور وصيدا إلى جبيل والبترون وفيها مدرسة مار يوحنا مارون الإكليريكية (التي تأسست سنة 1812، وهي المدرسة الثانية بعد مدرسة عين ورقة 1789).

في هذه الفترة كانت قد انطلقت الثورة في جبل لبنان سنة 1840 ضد ابراهيم باشا والأمير بشير الثاني الكبير، وكانت السلطنة العثمانية تزرع بذار الفتنة بين الدروز والمسيحيين وتفرض نظام القائمقاميتين. وانتهت بمجازر المسيحيين سنة 1860 قبل تدخل فرنسا.

ولد في عائلة فقيرة من عائلات الفلاحين والمزارعين الذين يعملون في أرضهم وبعرق الجبين يعتاشون منها بحرية وكرامة. عائلة مؤمنة تلتزم بإيمانها وبثقتها بالله وبمحبة الكنيسة والمواظبة على الصلاة والحياة الطقسية والواجبات الدينية.

بعد ستة أيام نال سرّ العماد وهو كبيرُ العائلة المؤلفة من ثلاث صبيان وأربع بنات.

سنة 1849، كان بعمر خمس سنوات، راح يتعلّم في مدرسة « تحت السنديانة» قرب الكنيسة، كما كانت العادة يومذاك، على يد خوري الضيعة، اللغتين السريانية والعربية والصلوات وخدمة القداس.

في 18 تشرين الثاني 1850، دُعي والدُه تادروس إلى الكهنوت ورُسِمَ كاهنًا بوضع يد البطريرك يوسف راجي الخازن (1845-1854)، واتخذ اسم بطرس. فراح الولد الياس يساعد والده الخوري بطرس في كنيسة الضيعة.

في أيلول 1851، أدخله والده إلى مدرسة مار يوحنا مارون كفرحي القريبة من حلتا.

في تشرين الأول 1859، أدخله والده إلى المدرسة الإكليريكية في غزير بإدارة الآباء اليسوعيين بعد الحصول على الإذن من البطريرك بولس مسعد (1854-1890).

في خلال سنة 1860، توقفت الإكليريكية في غزير بسبب الفتنة والمذابح في الجبل، فرجع الياس إلى حلتا. ولكنه عاد إلى غزير بعد إنزال القوات الفرنسية واستتباب الأمن سنة 1861.

في 6 كانون الأول 1866، أُرسل الياس إلى روما للدروس اللاهوتية في معهد البروبغندا (انتشار الإيمان). فوجد أن المدينة تعيش حربًا أهلية في المساعي لتوحيد إيطاليا، وهو لم ينسَ بعدُ ما عاش بسبب الثورة والفتنة في لبنان.

في 25 حزيران 1869، توفي والده الخوري بطرس في حلتا؛ فاختبر مأساة الهجرة والغربة.

في 5 حزيران 1870، قَبِلَ درجة الكهنوت على يد المطران يوسف جعجع مطران قبرص (الذي كان من بين المطارنة الذين سافروا إلى روما في أواخر 1869 للمشاركة في انعقاد المجمع الفاتيكاني الأول، أي المطرانين بطرس البستاني ويوسف مطر). وكان ذلك في كنيسة دير راهبات القلب الأقدس على مقربة من معهد البروبغندا، وهي رهبنة فرنسية كانت تساعد الطلاب الشرقيين. فكتب يومها على مفكرته:

« هي سنة سبعين وثمان مئة وألف لتجسّد الإله المتأنس، في الخامس من حزيران الواقع فيه عيد العنصرة المجيد المحتفل به تذكار حلول البارقليط، قد قبلتُ درجة الكهنوت من يد قدس السيد الجليل والراعي النبيل المطران يوسف جعجع مطران قبرص في كنيسة قلب يسوع، في المحل المدعو فيلا لانتي في مدينة روما العظمى، أيام قداسة البابا بيوس التاسع المالك سعيدًا، وحال انعقاد المجمع الفاتيكاني الأول، في زمان غبطة البطريرك بولس مسعد على الطائقة المارونية. فأرجوك يا إلهي، أن تمنحني نعمتك لأخدم أسرارك كما يحسن بعينيك وأبتغي من وجودك ومحبتك بحق جروحاتك المقدسة، وبشفاعة والدتك المثلثة الطوبى أن تضرم قلبي بنار حبك وتحفظها مضطرمة دائمًا، فاصنع بي ما تشاء، أنت ربي وسيدي وإلهي، وأنا عبدك وخليقتك وجبلتك بل أتجاسر أن أدعو ذاتي أحقر أبنائك وأدعوك أبي الحنون والرؤوف. لك المجد والشكر. آمين». (راجع المونسنيور عبدو يعقوب، الياس بطرس الحويك بطريرك الموارنة وبطريرك لبنان، ص 58).

في 9 آب 1870، حصل الكاهن الجديد على شهادة الملفنة في اللاهوت وقيل عنه في معهد البروبغندا: « إنه مولود للعظائم».

في أيلول 1870، عاد إلى لبنان ليعيش في حلتا مع والدته وشقيقته وشقيقاته. وعُيِّن معلّمًا للاّهوت الأدبي في مدرسة مار يوحنا مارون في زمن رئاسة الخوري يوسف فريفر. وكان يقيم الرياضات الروحية في الرعايا المجاورة ويعلّم التعليم المسيحي.

في 22 حزيران 1872، عيّنه البطريرك بولس مسعد محاميًا للوثاق في الديوان البطريركي ثم أمين سرِّه الخاص، حتى سنة 1889، حيث رسمه مطرانًا نائبًا بطريركيًا عامًا على إثر وفاة المطران يوسف فريفر.

 

ثانيًا: أحداث جبل لبنان بين 1840 و1861.

في سنة 1840، كان الأمير بشير الثاني الكبير قد أصبح الحاكم الأوحد لجبل لبنان بمساندة ابراهيم باشا، ابن محمد علي، الذي كان قد احتلّ سوريا ولبنان وتمركز في أنطاكيه مدينته المحبّبة. وكان ابراهيم باشا قد ترك للأمير بشير استقلالية معنوية لحكم الجبل وأعلن المساواة بين المواطنين، مسيحيين ومسلمين، وأظهر نحو المسيحيين انفتاجًا كبيرًا كان قد تعلّمه من الفرنسيين في مصر وانفتاحًا نحو الغرب، ما ساعد على فتح البلاد أمام البعثات الإجنبية الغربية.

سُرَّ الموارنة بادئ الأمر بدخول الجيوش المصرية إلى منطقتهم نظرًا إلى علاقاتهم الودّية مع فرنسا. وأوصى البطريرك يوسف حبيش بالتعامل الإيجابي مع الأمير بشير وابراهيم باشا. لكن هذين الأخيرين اضطُّرا إلى زيادة الضرائب، ما جعل الشعب يثور. فاستغلّت السلطنة العثمانية الظرف، وراحت مع حليفاتها الدول الكبرى (انكلترا وروسيا والنمسا وبروسيا) ترسل عملاءها بين الشعب وتزرع الفتن الطائفية وتحرّض الموارنة والدروز على التمرّد على ابراهيم باشا والأمير بشير.

في نيسان 1840، بدأت الثورة في لبنان ضد جيوش محمد علي وابراهيم باشا بقيادة الشيخ يوسف حبيش والأمير خنجر حرفوش. فأمر محمد علي بجمع العشرين ألف بندقية التي كان قد وزعها على الموارنة سنة 1838. فثار الموارنة مقتنعين أنها مؤامرة ضدهم.

في 8 حزيران 1840، كانت عامّية انطلياس، حيث اجتمع الثوار في كنيسة مار الياس انطلياس، وكان منهم الموارنة والدروز والسنّة والشيعة، ووعدوا بأن يبقوا متحدين وانتخبوا الشيخ فرنسيس الخازن رئيسًا لهم ورفضوا تسليم السلاح إلى المصريين. طلب البطريرك حبيش إلى الثوار العودة إلى الولاء لابراهيم باشا والأمير بشير. لكنه عندما رأى انتقام هذين الآخرين، عاد وساند الثوار الذين كان الإكليروس الأبرشي والرهباني قد ساندهم.

ولما رأى ابراهيم باشا أن السلطنة والدول الكبرى قد تحالفت ضده، غادر لبنان وسوريا في أوائل 1841 عائدًا إلى مصر. واستقال الأمير بشير وسلّم نفسه إلى الانكليز حلفاء الأتراك الذين نصحوه باللجوء إلى جزيرة مالطة.

فتوالت الثورات والتدخلات الأجنبية وأدّت إلى خلق جوّ من الفوضى وإشعال الفتنة الطائفية وأطاحت بعامّية انطلياس. ففهم الموارنة أن الأنكليز استخدموهم لطرد المصريين ومحاربة مصالح فرنسا وتعزيز مصالحهم مع الامبراطورية العثمانية.

أما الدروز، الذين كان قد أقمعهم ابراهيم باشا وأبعدهم الأمير بشير، فعادوا أقوياء تساندهم السلطنة العثمانية التي كانت تهيء لحرب أهلية بين الموارنة والدروز، بدأت بفتنة 1841.

فقامت السلطنة مع حليفاتها من الدول الكبرى بفرض نظام القائمقاميتين:

قائمقامية شمالاً للمسيحيين، وقائمقامية جنوبًا للدروز. لكن هذا النظام المستحيل ساعد الأتراك على هدم وحدة الكيان اللبناني الذي أسّسه اللبنانيون مع الأمير فخر الدين الثاني الكبير بمساعدة البطريركية المارونية. وأدّى الخلل في نظام القائمقاميتين إلى فتنة 1845 وثورة 1860 التي نجح من خلالها الأتراك في كسر نفوذ الموارنة والعمل على إبادتهم. زد على ذلك أن ثورة الفلاحين مع طانيوس شاهين على العائلات الإقطاعية سنة 1859 أضعفت الموارنة.

فاجتمعت الدول الكبرى بطلب من فرنسا ومن البابا بيوس التاسع في مؤتمر باريس في أواخر 1860 وفرضت على لبنان نظامًا جديدًا، سُمّي بنظام المتصرّفية، دام حتى سنة 1914، وأمرت بأن تقوم فرنسا بحملة لمساعدة الضحايا بقيادة نابليون الثالث.

فاستقرّت الأمور وساد الهدوء وكثّفت الإرسالياتُ الأجنبية حضورها بفتح المدارس والجامعات والمؤسسات. ما جعل اللبنانيين يتهافتون على العلم، ويحلمون بالحرية والتحرّر من نير السلطنة العثمانية؛ وما سمح للفلاحين والمزارعين بالترقّي الإجتماعي والاقتصادي ومنافسة العائلات الكبيرة في كل القطاعات. واستفاد كذلك الإكليروس الأبرشي والرهباني من هذا الازدهار والترقّي الثقافي والإجتماعي ليقلّص الفوارق التي كانت موجودة مع بعض العائلات في احتكارها المراكز البطريركية والأسقفية.

وكان، في خضّم الأحداث، أن انتُخب البطريرك بولس مسعد، من عشقوت ومن عائلة فقيرة. فعمل على تحرير البطريركية من أي تأثير عائلي. واستفاد من ثورة الفلاحين التي ساندها لإعادة السلطة والمرجعية إلى شخص البطريرك والمؤسسة البطريركية. ولكنه شجع أيضًا يوسف بك كرم للقضاء على ثورة طانيوس شاهين بعد أن حادت عن مبادئها. ثم ساهم بإبعاد يوسف بك كرم إلى المنفى، لكي يبعد البطريركية عن أي تاثير سياسي. فأصبح هو المرجع الوحيد لشعبه والمحاوِر الأوحد للدول الكبرى. وعاد البطريرك، كما كان منذ تأسيس الكنيسة المارونية، هو الرئيس والمرجع والأب لكنيسته، لا يوجد أعلى منه سوى بابا روما الحبر الأعظم. وقد حدّد المجمع اللبناني صلاحياته بأنه يملك السلطة المطلقة على الأمة المارونية في كل بلدان الشرق. (المجمع اللبناني، الفصل 3، الباب 4، عدد 14).

وهذا ما سيسعى إليه بابا روما في المجمع الفاتيكاني الأول ببسط سلطته على الكنيسة الجامعة.

 

 

ثالثًا: البابا بيوس التاسع (1846-1878) وأحداث ايطاليا.

اشتهر البابا بيوس التاسع باتخاذه بعض الإجراءات التي اعتُبرت ديمقراطية في الدول التي كانت تابعة لسلطة البابا، وقد سُمّيت « الدول البابوية» (Etats Pontificaux) وهي تقع في أواسط ايطاليا.

لكن انطلاق حركة توحيد ايطاليا مع الملك فيكتور عمانوئيل وجوزف غاريبالدي غيّر المعادلة. سنة 1848، رفض البابا بيوس التاسع ترؤس الحركة التوحيدية. ما أدّى إلى اضطرابات خطيرة في روما وخسارة بعض الدول البابوية في الشمال. فالتجأ البابا إلى غاييتا (Gaeta) خارج روما قبل أن تعيده الجيوش الفرنسية سنة 1849-1850 إلى روما. وبدا البابا مدافعًا عن النظام وعن الدين في مواجهة الثورة، والليبرالية، والعلمانية، والاشتراكية.

في أواخر سنة 1852، عادت الامبراطورية إلى فرنسا مع نابليون الثالث، وقدم هذا الأخير المساعدة العسكرية للملك فيكتور عمانوئيل في ايطاليا، وذلك مراعاةً للرأي العام الكاثوليكي في فرنسا، وأبقى بعض القوات الفرنسية في روما للدفاع عن سيادة البابا على روما وضواحيها.

أجمع الكاثوليك في فرنسا على واجب الدفاع عن سلطة البابا الزمنية وتشكيل جبهة مشتركة لمقاومة التعاليم الشيوعية والاشتراكية التي بدأت تنتشر في أوروبا. لكنهم انقسموا حول الموقف الواجب اتخاذه حيال مجتمعهم المتأثر بالليبرالية والأفكار الجديدة. فكانوا تيارين:

-       الكاثوليك المتشددون، وكانوا يتمنّون أن تستعيد الكنيسة نفوذها وامتيازاتها السابقة، بعد أن بدأت تخسر سلطتها في الدول البابوية في الشمال.

-       الكاثوليك الليبراليون، وكانوا أكثر واقعية، وأدركوا أهمية ما كان يحدث من تطور ثقافي وإجتماعي وتراجع ديني. وكانوا يتأثرون بفلاسفة القرن التاسع عشر (Renan, Auguste comte, Kant) الذين وجّهوا سهامهم ضد المسيحية والكاثوليكية بنوع خاص.

لم يتقبّل الكاثوليك المتشددون رؤية البابا مجرَّدًا من سلطته ومن دولته، ظنًا منهم أن الدولة الزمنية هي ضمان لاستقلال البابا الروحي. وكان الكثير منهم يودّون لو أن عصمة البابا عن الخطأ تُحدَّد في الكنيسة. واعتبروا أن إعلان البابا بيوس التاسع سنة 1854 عن عقيدة الحبل بها بلا دنس هو تأكيد غير مباشر لعصمته.

وتحت ضغط من عدة أساقفة، اتخذ البابا موقفًا من أضاليل عصره في وثيقتين صدرتا في سنة 1864: Syllabus والرسالة العامة Quanta cura شجب فيهما تجاوزات العقلانية والاشتراكية والليبرالية.

ابتهج الكاثوليك المتشددون لهذه المواقف، أما المعادون لرجال الدين فسخروا من مواقف البابا، واستولى الدهش على الكاثوليك الليبراليين.

في هذه الأجواء المتوترة في العلاقات بين الكنيسة والعالم المعاصر، وفي الخلافات الفكرية القائمة داخل الكنيسة، قرّر البابا بيوس التاسع أن يدعو إلى انعقاد المجمع الفاتيكاني الأول.

انعقد المجمع في 8 كانون الأول 1869، وكانت الأهداف المقترحة غامضة وعامة. لكن الجميع كانوا يعتقدون أن الموضوع الأساس هو تحديد عصمة البابا. شارك في المجمع 700 أسقفًا محليًا من أصل 1000، جميعهم تقريبًا أوروبيون. أعدّت اللجان المجمعية الملفات والنصوص لعرضها على المناقشة والتصويت. لكن الظروف السياسية والعسكرية قصّرت أعمال المجمع.

تمّ التصويت على النص الأول، دستور « ابن الله» (Dei Filius) في 24/4/1870. وجاء نتيجةً للمناقشات حول العلاقة بين العقل والإيمان، ومؤكدًا أن لا مجال للنزاع بينهما.

أما موضوع عصمة البابا فلم يردْ رسميًا في مشروع النص الثاني المتعلق بالكنيسة. لكن أكثرية الأساقفة طلبوا أن يدرج في النقاش، في حين أن الأقلية عارضت ذلك. صوّت الآباء على هذا النص الثاني، دستور « الراعي الأبدي» (Pastor Aeternus) في 18/7/1870 وهو في جوهره تأكيد لرئاسة البابا وعصمته عن الخطأ في العقائد التي يعلنها بسلطان رسولي.

في اليوم التالي، 19/7/1870، أُعلنت الحرب بين فرنسا وألمانيا. فسحب نابليون من روما الجيوش التي كانت تحمي البابا. وفي 20 أيلول احتلت الجيوش الايطالية روما، وضمّت الدول البابوية إلى مملكة ايطالياـ وأعلن البابا تأجيل المجمع إلى أجل غير مسمّى.

ترك هذا المجمع انطباعًا سلبيًا؛ ربما لأنه لم يكتمل. لكن اعترافه برئاسة البابا المطلقة على الكنيسة عزّز المركزية الرومانية ورفع من شأن المقام البابوي وقدرته في وقتٍ كان يفقد فيه سلطتَه الزمنية.

ونوجز الملامح الرئيسية لحال الكنيسة وعلاقتها بالمجتمع في تلك الحقبة بالقول انها اتّسمت بطابعين:

أولهما طابع نهضة تشق طريقها إلى تجديد عميق في بنيان الكنيسة. وثانيهما طابع عدم مجاراة التطور الإجتماعي والفكري وعدم التجاوب مع نزعات الشعوب إلى الحرية والديمقراطية وحقوق العمال.

توفي البابا بيوس العاشر سنة 1878 وخلفه البابا لاوون الثالث عشر (1878-1903). وكان من أبرز اتجاهاته الاهتمام بقضايا عصره. فقام بجهود كبيرة لتلبية متطلبات الأوضاع الجديدة وحثّ الكاثوليك على عدم التمسك بالأنظمة السياسية البائدة. ونشر رسالته العامة « الأوضاع الجديدة» (Rerum Novarum) سنة 1891 لمساندة حقوق العمال. ودعا إلى التعمق في العلوم الكنسية.

كما أظهر تفهمًا لأوضاع المسيحيين الشرقيين. فاستدعى البطاركة إلى روما واستمع إلى مطالبهم، وأصدر رسالته « كرامة الكنائس الشرقية» (Orientalium Dignitas ecclesiarum) التي تقضي باحترام الطقوس الشرقية وتحدّد واجبات المرسلين الكاثوليك في الشرق.

Photo Gallery