قداس ليلة عيد الصليب في اجدبرا 13-9-2017

عظة المطران منير خيرالله

في قداس ليلة عيد الصليب على أقدام صليب الرجاء- إجدبرا

13/9/2017

 278

« وحيث أكون أنا هناك يكون خادمي» (يوحنا 12/26)

 

إخوتي الكهنة،

سعادة النائب سامر سعاده، رؤساء البلديات والمخاتير، عائلات الأخويات، أحبائي جميعًا.

 

        أنا فخور الليلة أن أعيّد معكم هنا في إجدبرا على أقدام « صليب الرجاء» ذكرى الأربعين سنة على رسامتي الكهنوتية. فأعود إلى الدعوة التي دعاني إليها المسيح حين قال لي، كما يقول لكل مؤمن ولكل كاهن وراهب وراهبة: « حيث أكون أنا هناك يكون خادمي». لأن الخادم ليس أفضل من معلّمه. وقد دعاني المسيح من على أقدام الصليب من مأساة الموت في استشهاد الوالدين إلى رجاء القيامة، من الاضطراب أمام الموت إلى الطمأنينة والسلام في الحياة الأبدية. دعاني لأن أكون معه في حمل الصليب والموت عن الحقد والانتقام وعيش المغفرة والمحبة لأستحق معه دخول الحياة. فأعتبر أن الموت عن هذه الدنيا هو عبور إلى الحياة، كما « حبّة الحنطة التي تقع في الأرض وتموت لتحيا وتُخرج ثمارًا كثيرة» (يوحنا 12/24).

يحق لنا أن نتساءل: أين هو المسيح لنكون معه ؟

من التأمل بسرّ الصليب، سرّ فداء البشر، أبدأ وقفتي الروحية معكم.

أتصوّر أننا اليوم مع مريم على أقدام الصليب نتطلّع إلى يسوع ابن الله وابن الإنسان يموت تحت أنظارنا على الصليب. ونتساءل: لماذا ؟ إنه ابن الله القادر على كل شيء، لماذا اختار أن يموت على الصليب ؟ لأنه أراد أن يتمّم مشيئة الله الآب بالمحبة، بقمة المحبة، أي ببذل ذاته حتى النهاية، حتى الموت، محبةً بالبشر وفي سبيل خلاصهم.

هذا هو سرّ الصليب، سرّ الإله الإنسان المائت أمام أعيننا على الصليب. ومع مريم نتأمل بحزن يسوع القَلِق على ذاته وعلى البشرية: « الآن نفسي قلقة، فماذا أقول ؟ يا أبتِ نجني من هذه الساعة ؟ وما أتيت إلا لتلك الساعة» (يوحنا 12/27).

لكننا مع مريم نتطلّع إلى ما بعد الموت على الصليب، نتطلّع إلى مجد القيامة. هذا هو رجاؤنا، وهذا هو صليب الرجاء ورجاء الصليب مع المسيح.

فإذا كنا نريد أن نتبعه وأن نكون تلاميذ له وخدامًا لشعبه علينا أن نمشي الطريق ذاتها حتى الموت على الصليب لنستحق معه مجد القيامة، وأن نكون حيث يكون هو، لأنه يدعونا إليه قائلاً: « وأنا إذا ما ارتفعتُ عن الأرض جذبتُ إليّ جميع الناس» (يوحنا 12/32).

أمام سرّ الإله المائت على الصليب حبًّا بنا، نستعرض حياتنا البشرية بكل ما فيها من أحزان وآلام ومآسي وأفراح وآمال وتطلعات في ليلة عيد ارتفاع الصليب لكي نجدّد إيماننا بالمسيح المصلوب والقائم إلى الحياة الأبدية وهو يدعونا إليه. مع أن الصليب هو حماقة لغير المؤمنين، وهو حالة قلق واضطراب وحزن أمام الموت، لكننا نؤمن أن الصليب هو علامة القيامة. فالمصلوب لم يَعُدْ مصلوبًا عليه، لأن المصلوب يسوع المسيح قام، ويدعو كل واحد منا إلى أن يكون معه.

وفيما نستعرض كل ما يمرّ علينا اليوم وكل ما مرّ علينا في تاريخنا، تاريخ شعبنا وكنيستنا وعلى أرضنا المقدسة، تعالوا نجدّد تطلعاتنا إلى ما بعد الصلب والموت، إلى رجاء القيامة. فجميع من سبقونا في تاريخنا وتحمّلوا كل ما تحمّلوا من مآسي في الحروب والاضطهادات والاحتلالات شهدوا للمسيح. ونحن اليوم مدعوون إلى أن نشهد للمسيح المصلوب والقائم من الموت، إلى أن نشهد للحياة التي عبرت مع المسيح بالموت على الصليب، فاستحق بذلك كل إنسان حياة أبدية.

فإذا ذرفنا دموعًا على من مات وسَبَقَنا إلى الحياة، وعلى شهدائنا منذ التاريخ وحتى اليوم، ونحن في سنة الشهادة والشهداء في كنيستنا المارونية، فنحن نؤمن أنهم مثل المسيح حبة الحنطة التي تموت في الأرض لكي تنبت من جديد وتعطي ثمارًا كثيرة. حبة الحنطة هي رمز الحياة، كما أن المسيح المائت على الصليب أصبح بالنسبة إلينا رمزًا للحياة الأبدية التي لا بداية ولا نهاية لها. جميع موتانا وشهدائنا هم رمز الحياة بالنسبة إلينا، ونحن نقوى بهم وبشهادتهم وباستشهادهم علامةً لثباتنا في إيماننا ولصمودنا على أرضنا المقدسة وتشبثنا بارتباطنا بها، لأنها أرض لم ولن يملكها أحد. إنها أرض ملك لله ووقف لله وحده. لذلك نحن بقينا عليها لنشهد أن الصليب سيرتفع دومًا وكل يوم أكثر علامةً للحياة، علامةً للمحبة، لمحبة كل الناس، لمحبة مضطهدينا. الصليب يرتفع لنقول لهم جميعًا: إننا باسم المسيح نحبّكم؛ وباسم المسيح نطلب لكم التوبة ونوال الرحمة والمغفرة من الله، إله المحبة المطلقة.

ونرجو لنا جميعًا أن نبقى هنا نشهد للمسيح المائت والقائم منتصرًا على الموت.

ونرجو أن ننقل إيماننا هذا إلى أولادنا وأجيالنا الطالعة فنربّيهم عليه ليكونوا بدورهم شهودًا للمسيح على أرض المسيح.

فلا خوف علينا. وإذا كنا هنا اليوم نعلن إيماننا بكل حرية وكرامة، فهذا بفضل آبائنا وأجدادنا، بفضل شهدائنا. وكذلك سيكون أولادنا نورًا في عالمهم وملحًا لأرضنا وشعبنا وشهودًا للسيد المسيح بالمحبة والمغفرة، بشفاعة العذراء مريم وجميع القديسين. آمين.

Photo Gallery