عيد مار سابا- كفرحي 25-8-2018

 

عظة المطران منير خيرالله

في قداس عيد مار سابا

السبت 25/8/2018، مار سابا- كفرحي

 297

« ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك» (مرقس 10/28).

 

الخوري جورج (عبدالله) خادم الرعية،

رئيس البلدية والمختار،

أحبائي جميعًا.

 

        بفرحة عارمة أعيّد معكم اليوم عيد شفيعكم مار سابا الناسك وفي مناسبة بدء تحقيق حلمكم القديم، ألا وهو بناء كنيسة مار سابا الجديدة.

أولاً، في المناسبة الأولى، مطلوب منا أن نتخذ أمثولة لحياتنا اليوم من شفيعنا مار سابا الذي ترك كل شيء في هذه الدنيا، مثل الرسل، ليتبع المسيح وليربح الحياة الأبدية في الملكوت.

ولأنه قرر أن يتبع المسيح، كان لا بد له من أن يحمل الصليب، كما فعل المسيح والرسل والتلاميذ وجميع من أتى بعدهم في تاريخ الكنيسة.

عاش مار سابا حياة نسكية ومتجرّدة عن كل ملذات هذه الدنيا ومغرياتها. كرّس حياته لاتّباع المسيح ولتتميم إرادة الله.

آباؤكم وأجدادكم اختاروا مار سابا شفيعًا لهم واتخذوا حياته مثالاً لحياتهم، وفي هذه البلدة بالذات كفرحي التي تحمل تاريخًا عريقًا، تاريخًا مسيحيًا ومارونيًا منذ إنشاء الكنيسة البطريركية المارونية مع مار يوحنا مارون في القرن السابع وفي خطى مار مارون وروحانيته النسكية. والروحانية النسكية تقضي بأن يبتعد الإنسان عن أمور الدنيا ليعيش قربه من الله. ونحن هنا في كفرحي نشعر بأننا قريبون من الله وبعيدون عن شؤون العالم.

ونتساءل: هل نحن قادرون أن نعيش اليوم الروحانية النسكية ؟

ليس المطلوب منا أن نكون نساكًا مثل مار سابا ومار مارون وتلاميذه، إنما المطلوب هو الحفاط على مقوّمات الروحانية التي وضعها وعاشها مار مارون في التجرّد عن العالم وفي الصلاة والصوم والتقشف للقرب من الله وفي العمل في الأرض للعيش منها بكرامة والانفتاح على الناس لدعوتهم إلى الصلاة والتوبة. المطلوب منا أن نحبّ أرضنا ونتعلّق بها لأنها أرض مقدسة. نحن قادرون اليوم على عيش هذه الروحانية في عائلاتنا حيث الآباء والأمهات مدعوون إلى تربية أولادهم والأجيال الطالعة على القيم المسيحية والإنسانية، وعلى الإيمان بالله والثقة الكاملة به كي لا يخافوا شيئًا. إنهم مدعوون إلى تربية أولادهم على الصلاة بمثل الحياة والشهادة، كما كل عائلاتنا المباركة التي أعطت قديسين لأنها كانت عائلات تصلّي.

هل ما زال بإمكاننا اليوم جمع العائلة للصلاة ؟ أم أن هموم هذه الدنيا أغرقتنا تحت نيرها ؟ بالطبع نحن قادرون.

أما زلنا قادرين على تربية أولادنا على المحبة والتضامن والإخلاص والكرامة والحرية كما تربّينا على أيدي آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا ؟ بالطبع نحن قادرون.

أما المناسبة الثانية فهي في تحقيق الحلم القديم الجديد. إن مشروع بناء الكنيسة الجديدة بدأ يبصر النور، وقد باركنا الأعمال قبل القداس، وذلك بفضل جهودكم وتعاونكم وتضامنكم ومحبتكم.

نشكر الله على هذه النعمة. ولكنه علينا أن نفهم أولاً أن الكنيسة التي نحن فيها ومنها هي كنيسة البشر قبل أن تكون كنيسة الحجر.

ماذا ينفع الحجر والباطون إذا لم تكن الكنيسة جامعة لشعب الله من أجل العبادة والصلاة والتضرّع إلى الله وشكره على كل نعمه وعطاياه ؟

نشكر الله على مشروع هذه الكنيسة الكبيرة، وهي أكبر من عائلات كفرحي؛ لذا فإن التحدّي الكبير يبقى في السؤال: هل نحن قادرون على ملء الكنيسة بالمؤمنين عندما يكتمل البناء ؟

هل ما زال في استطاعتنا إنجاب الأولاد وتربيتهم ؟

أجدادنا وآباؤنا تربّوا وربّونا في الفقر والتعتير، ولكن في الحرية والكرامة؛ ولم يكن عندهم المال المتوفر لدينا اليوم ولا وسائل العيش المتوفرة اليوم. ولم يتذمّروا، بل بالعكس كانت ثقتهم كبيرة وثابتة بالله.

جاهدوا في سبيل تربيتنا وبناء الكنائس لعيش إيمانهم وثقتهم بالله. فهل نحن قادرون على تحقيق مع حقققه الآباء ؟ بالبطع نحن قادرون.

كانوا يعملون بحسب المقولة السائدة: « كل ولد يأتي إلى الدنيا تأتي رزقته معه». ويتكلّون على الله في تربيته. هل نصدّق اليوم هذه المقولة ؟ أم أصبحنا نتدّبّر أمورنا لوحدنا ولسنا قادرين ؟ هل ما زال الله حاضرًا في حياتنا وفي كل عمل نقوم به ؟ نبرّر موقفنا هذا ونقول: ليس لدينا الوقت ! لم يعد لدينا الوقت للصلاة وشكر الله على نعمه وعطاياه. صحيح أن الهموم كثيرة والتحديات كبيرة، لكن الله لا زال يحمينا ويوجّه خطانا نحو الخير والمحبة. وبالرغم من مرور أكثر من أربعين سنة على اندلاع الحرب في لبنان، ومن بعده في بلدان الشرق الوسط، لا زلنا موجودين على أرضنا نشهد للمسيح بحرية وكرامة. أليست هذه نعمة تستحق أن نشكر الله عليها وأن نورثها لأولادنا بإيمان ورجاء ومبحة ؟

وعندما ننظر إلى بناء الكنيسة الجديدة يرتفع ويكبر، نقول إنه من واجبنا أن نبني ذواتنا وأن نبني عائلاتنا على أسس الإنجيل وكلمة الله وإيمان الكنيسة بالآب والابن والروح القدس بشفاعة العذراء مريم ومار سابا وجميع القديسين.

وبهذا يكتمل البناء، كل البناء، في كنيسة البشر وكنيسة الحجر، بهدف تمجيد الثالوث الأقدس وبنيان الكنيسة وتحقيق الملكوت. آمين.

Photo Gallery