عظة المطران منير خيرالله في رسامة الخوري مرسلينو عسّال كاتدرائية مار اسطفان البترون، الجمعة 14 أيلول 2018 « لأجل كلمتك ألقي شبكتي» (لوقا 5/5) إخوتي الكهنة، أخواتي الراهبات، أحبائي أبناء وبنات البترون والأهل والأصدقاء. بفرح كبير نحتفل اليوم برسامة كاهن جديد، هو الشماس مرسلينو عسّال، إبن رعية البترون الحبيبة، إبن البحر وجار الكنيسة. أيها العزيز مرسلينو، تُقدِّمك البترون اليوم إلى الكهنوت لخدمة شعب الله وقد اختارك الرب يسوع المسيح، الكاهن الأوحد والأبدي، ودعاك ليُشركك بكهنوته الخِدَمي ويقيمك « وكيلاً على أهل بيته لتعطيهم الطعام في حينه» (متى 24/43). ومع رعية البترون نرفع جميعُنا التسبيح والمجد والشكران إلى الله الآب والإبن والروح القدس على نعمة الكهنوت التي تُعطى لها بابنها مرسلينو. « لأجل كلمتك ألقي شبكتي». أيها العزيز مرسلينو، هذا هو الشعار الذي اخترتَه للخدمة الكهنوتية التي أنت مقبلٌ عليها. وقد استوحيته من الحوار الذي دار بين يسوع وسمعان بطرس الذي كان عائدًا من الصيد مع رفاقه. قال له يسوع: « إبتعد إلى العمق وأرسل شباكك للصيد. فأجاب سمعان: يا معلّم، لقد تعبنا طوال الليل ولم نُصبْ شيئًا. ولكن لأجل كلمتك ألقي الشباك» (لوقا 5/1-5). لا عجب في اختيارك لهذا الشعار، لأنك ابنُ عائلةِ صيادي سمك، من جدك جرجي إلى والدك لوران وأعمامك، صيادينَ ماهرين يجيدون المغامرة ولا يخافون المخاطرة. يدعوك يسوع اليوم من هذه العائلة ويقول لك: إبتعدْ إلى العمق وألقِ شبكتك للصيد. وبثقتك الكاملة بالمعلّم، ستبتعد إلى العمق لتلقي الشبكة، ولكن أيضًا لتغوص بكل جرأة في عمق البحر وعمق الإنسانية، على مثال عمّك ألبير، وهو يشاركنا من السماء مع جدك جرجي، وسيسمعان يسوع يقول لك: سأجعل منك صيادًا للبشر. كل ذلك بفضل عائلة مسيحية تربّيتَ فيها مع أخويك على الإيمان الملتزم والثقة الكاملة بالله، تربيةً ترضي الله وتحترم الناس. وأنا لم أعجب من اختيارك لأني أعرفك جيدًا وقد رافقتك منذ ولادتك سنة 1992 في 14 أيلول يوم عيد إرتفاع الصليب، وهي ذكرى رسامتي وقداسي الأول، وفي قبولك سرّ العماد بعد سنة في 14 أيلول في هذه الكاتدرائية. ورافقتك وأنت تكبر وتنمو بالقامة والحكمة والنعمة. وكلما كان والداك لوران وميرنا يفقدانك، كانا يعرفان أنهما يجدانك مع الخوري منير في الكنيسة أو في بيت الرعية. كنتَ تأتي باكرًا لتتحضّر لخدمة القداس مع خدام المذبح. ومنذ عمر العشر سنوات رحت ترافقني في الرعية حتى إلى زيارة المرضى، وبعد ذلك في زياراتي إلى المدرسة الإكليريكية. والتزمتَ منذ صغرك في الرعية مع فرسان العذراء لتسلّم ذاتك إلى الله بشفاعة العذراء مريم وتكون للخدمة دومًا مستعدًا. ثم مع الطلائع ومع الحركة الرسولية المريمية ومع جوقة الرعية وجوقة ثانوية القلبين الأقدسين بالقرب من مار اسطفان حيث تعلّمت وتهذّبت. في أيلول 2010، بعد الشهادة النهائية، دخلتَ المدرسة الإكليريكية في كفرا بيروت لتدرس القلسفة في جامعة الحكمة. ثم انتقلتَ بعد سنتين إلى الإكليريكية البطريركية في غزير لتدرس اللاهوت في جامعة الروح القدس الكلسليك. وبعد الإنتهاء من دراستك، اتخذت القرار بأن تكون كاهنًا عازبًا لتتكرّس للمسيح ولخدمة شعب الله. بعد مرافقتي لك طوال هذه السنوات أشهد أني اكتشفتُ فيك أولاً أهمية العائلة في حياتك. فالعائلة التي تربّيت فيها هي، مثل كل عائلاتنا، عائلةٌ مسيحية ملتزمة ومتماسكة. اكتشفت فيك ثانيًا انفتاحك على الناس وسهولة التعاطي معهم بفرح المسيح وابتسامتك الدائمة. اكتشفت فيك ثالثًا حبّك للخدمة واندفاعك المميز والمجاني. اكتشفت فيك رابعًا حبك للكنيسة، ولكنيستك البترونية. اكتشفت فيك خامسًا موهبة الموسيقى وإتقان الليتورجيا. عليك أن تثمّر كل هذه المواهب فتعطي ستين وثمانين ومئة. إني سأمنحك بعد لحظات، وبفعل موهبة الروح القدس التي ستنالها مني أنا خليفة الرسل وبوضع يديّ الحقيرتين، سرَّ الكهنوت وأسلِّمك الخدمة الكهنوتية التي ستخدم فيها أبرشيتك. وإنك بذلك ستشترك في كهنوت المسيح الذي ستتّحد به ومن خلاله تدخل في شركة خاصة مع الثالوث الأقدس الآب والإبن والروح القدس. وستشترك من ناحية ثانية بمهمتي الأسقفية في خدمة التعليم والتقديس والرعاية لشعب الله. فالكهنوت هو أولاً وآخرًا خدمة. وكي تنجح في تأدية خدمتك، لا بدّ أن تعي أن كهنوتك ينبع من كهنوت المسيح ويكوّن فيك وثاقًا جوهريًا مميزًا يربطك بالمسيح من خلال الأسقف ويجعل منك صورةً حقيقيةً له وممثلاً له في رعاية شعبه. (راجع القديس البابا يوحنا بولس الثاني، أعطيكم رعاة، والمجمع البطريركي الماروني، النص السابع). إني أدعوك إذًا إلى أن تعمّق اتحادك الروحي بالمسيح لكي تكون علامة لحضوره في حياتك وفي العالم، وأن تشدّ ارتباطك الكنسي بالأسقف وبإخوتك الكهنة الذين ستدخل معهم في الجسم الكهنوتي الذي يجمعكم حول الأسقف. في حياتك الروحية، لا تنسَ الصلاة لكي تبقى في تواصل دائم مع الله وفي علاقة مميزة مع المسيح. لا تنسَ أن تتغذى كل يوم من كلمة الله. ولا تكتفِ بالاحتفال بالافخارستيا، وهي قمة حياتك الكهنوتية، وبالأسرار، بل حاول أن تعيش حضور الله في حياتك وفي تواصلك مع الناس. لا تنسَ أننا مدعوون إلى القداسة لنكون كهنة قديسين، وبخاصة في البترون، أبرشية القداسة والقديسين. ولا نتقدس إلا بقدر ما نزيد ارتباطنا بالمسيح، المسيح المصلوب، وارتباطنا بالكنيسة جسدُ المسيح السرّي، وبقدر ما نعيش المحبة الراعوية على مثال المسيح الراعي الصالح. في خدمتك الراعوية حاول دومًا أن تجمع الناس، وأن تجمع المواهب في الرعية وفي الحركات والجمعيات الكنسية والمدنية؛ حاول أن تقنعهم أن العمل الكنسي والجماعي هو غنًى للكنيسة؛ جسدُ المسيح يكتمل بمساهمة كل الأعضاء. المحبة الرعوية تفرض عليك أن تمنح عناية خاصة للفقراء والمهمشين والمرضى. عِشْ بالفقر والتجرّد ولا تتهافت وراء المال. لأنه « على رجال الكنيسة ونسائها، كما يقول قداسة البابا فرنسيس، أن يكتفوا بما يخدم العيش بإيمان ومحبة مع شعب الله، وأن يتخلّوا عما يزيد عن ذلك. من الأفضل أن تكون الجيوب فارغة، لأن الشرير يعشِّشُ في الجيوب الممتلئة». (كتابه الأخير «شاب هو الله»، 2018). اتخذتَ قرار العزوبة، وعليك أن تتحمّل مسؤولية وتَبِعات هذا القرار في حياةٍ تكرّسها لخدمة المسيح والكنيسة. عليك أن تتنبّه بطريقة مضاعفة لتحافظ على نفسك وعلى دعوتك؛ لأن وسائل الإغراء في عالم اليوم كثيرة، وبخاصة معك وأنت شاب وسيم وجذّاب. أنت مدعو إلى أن تغوص إلى العمق، إلى عمق سرّ الله، حيث تلتقي بالله الآب الذي أحبّ العالم حتى بذل ابنه الوحيد. أنت مدعو إلى أن تتحرّر بالروح القدس من كل خوف ويأس لتلقي شبكتك بثقة تامة في عمق مجتمعنا وعالمنا. فتكون رسولاً لإخوتك الشباب الذين ينتظرون منك شهادة صادقة. فتصبحون معًا أنبياء الحق ورسل المحبة والسلام في عالم تحاول فيه الذئاب الخاطفة أن تأكل الحملان وتبدّد من يرعاها. يسوع الرب والمعلم يقول لك ولنا جميعًا: « بدوني لا تستطيعون أن تعملوا شيئًا» (يوحنا 15/5). « ستعانون الشدة والاضطهاد في العالم، ولكن ثقوا، لا تخافوا، أنا غلبت العالم !» (يوحنا 16/23). أستودعك محبة الله وأصلي من أجلك ومن أجل عائلتك الحاضرة هنا وشقيقك جورج في الولايات المتحدة الأميركية، ومن أجل رعيتك البترون والرعايا التي خدمت فيها شماسيتك – كفيفان وبجدرفل وتولا- طالبًا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلةً إلى حصاده. آمين.